تشكيل وتصويرفن و ثقافة

“السرّ”.. روز ماري شمعون تبحث في صلة الجسد والروح

“السرّ” هو عنوان معرض الفنانة اللبنانية روز ماري شمعون، يستضيفه “غاليري جانين ربيز” في بيروت بدءاً من أواسط تموز/يوليو الماضي ويستمر حتى 11 آب/أغسطس الجاري، وهو محاولة قديمة بقدم الفكر الإنساني، لكنها دائمة التجدّد لاستكشاف العلاقة بين الروح والجسد، وما يعتري الفكرة من غموض وأسرار.

العلاقة بين الروح والجسد رافقت الفكر الإنساني منذ أن بدأ يطرح على نفسه سؤال ماهيّة الحياة، البداية، والنهاية، والمآلات، فتنوّعت الاجتهادات، وتعدّدت الرؤى والمفاهيم، وأفرزت جدليّات متناقضة، وإجابات متضاربة، ومذاهب فكرية امتدت بين الروحي والجسدي، أو اتجاه ثالث يوفّق بين الجسد والروح ويُعرف بـ”المدرحيّ”.

“البارابسيكولوجيا” أدخلت مفاهيم جديدة، لكن غير قاطعة، على جدل الروح والجسد، ورأت تيارات منها أن الروح هي بمثابة هالة ضوئية يبثّها القلب، تُعرف بــــ”الأورا”، وترافق المخلوق حيث حلّ، وتؤثر في حركة الجسد، وتفاعلاته، خصوصاً بالتواصل مع الآخرين.

شمعون حاولت اختبار تساؤلاتها في عملها الفني بزيتيات على “كانفا” من أعمالها المُبَكّرة، بألوان زاهية، وأسلوب تجريدي، تستخدم فيه مادة عجينية صلبة، بطبقات متعددة أحياناً، لكن بضربات ريشة خفيفة وخطوط قصيرة، تحمل في طياتها الكثير من المعاني والإشارات، داعية المتلقّي إلى الغوص في ثنايا الضربات وطبقاتها وإشاراتها للبحث في حقيقة العلاقة بين الجسد والروح عبر هذا الجمع من أعمالها الفنية.

ويغلب على اللوحات الــ 18 الألوان الهادئة، والمتقاربة الخيارات بين الأصفر والأحمر والأخضر و”البيج”، والأشكال المتداخلة، بأحجام لوحات متباينة، ومن عناوين اللوحات: “يقظة”، و”حصاد”، و”انعكاس”، و”يوم مديني”، وسواها. وثمة لوحة يطغى عليها الأزرق بشفافية عنوانها “الروح الملوّنة”.

تحدّثت شمعون في نص مرافق للمعرض عن عملها وأبعاده قائلة إنه: “عبر معرضي الإفرادي “السرّ”، أحاول إطلاق بحث فني مُعَمّق، أمزج فيه عناصر متضادة من مواد عجينية صلبة، وضربات ريشة ناعمة”، وإن هو إلّا اتحاد بين صلابة جسدية ونعومة روحية، وترى فيه شمعون “اتحاداً يمثّل الرحلة الروحية التي أجريها حول تساؤلاتي الشخصية لاكتشاف الدوافع الكامنة في وجودي وكينونتي”.

تنشغل شمعون، مثل من سبقها، بتساؤلات الوجود والمصير. قلق يرافق البشرية ويبقى مدار اختبار بأجوبة جاهزة حيناً، ومسلّمات افتراضية أحياناً أخرى، فتحاول شمعون إثارة أسئلة أساسية عن “معنى العالم المادي، وغايتنا من الوجود، وماذا يقوم خلف عوالم الروح”.

خيارات هذه التساؤلات يجدها كل إنسان وفق اختباراته وقناعاته وأبحاثه وربما أهوائه. “تحقيق الذات التام يمكن أن يتمّ فقط عبر تحقيق امتزاج الجسدي بالروحي، وهذا ما أدركته وفق اختباراتي، والبحث عن تساؤلاتي”، تقول شمعون.

وتضيف أن هذا الإدراك يشكّل أساس معرض “السرّ”، وفيه أن “فهم المسألة يكمن في الصلة الخفية بين هذه العوالم التي تبدو مختلفة”، وتتابع “نستطيع تحقيق حسٍّ عميق من الكفاية الذاتية، وغايتها، بكشف هذا السر، واعتماد أهميته ومعناه”.

وتواصل شمعون محاولتها البحثية الاستقصائية باللعب بالمادة الفنية، خصوصاً بتطويع المادة العجينية الصلبة بأطراف ريشة خفيفة الظل، واهية، فعبر “استكشافي لبنية اللوحة وتقنياتها، مثّلت اللعبة الداخلية بين المادة والتقنية المسار المتوازن بين الملموس (الجسدي) وغير الملموس (الروحي)”، وفق الفنانة اللبنانية.

معرض “السرّ”، بحسب شمعون، هو دعوة للتعمّق في أعماق التجارب الإنسانية، تشجّع المتلقّي المشاهد لاكتشاف الغوامض القائمة خلف العالم الحسي – المادي، واعتناق الصلة مع الجوهر الروحي.

وتختم شمعون: “من خلال هذا العرض التشكيلي الفني، أحثّ المشاهدين لتبصّر الأسئلة المتعلقة بوجودهم في رحلتهم نحو اكتشاف الذات”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى