التاريخ يتحدثتاريخ ومعــالم

أبو الأسود الدؤلى مؤسس علم النحو

انتشرَ الإسلام في أصقاع الأرض بادئ الأمر، وكانت اللغة العربية هي الأم، ممّا جعل اللحن يتسرب إليها، فكان ذلك سببًا في ظهور المنافحين عنها، خوفًا عليها من الضياع، لأنها لغة القرآن الكريم، والحديث الشريف، ومن هؤلاء العلماء: أبو الأسود الدؤلي، وابن أحمد الفراهيدي، وسيبويه، وقد كثرت القصص في من فكر في حفظ اللغة العربية أولا، وأكثر ما اشتهر منها أن أبا الأسود الدؤلي سمع رجلًا يقرأ القرآن {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ}،، وقد جَرّ “رسولِه”، فكانت عائدة على المشركين، والمفروض رفعها، فأخبر عليًا بن أبي طالب بذلك، فأمره أن يقعّد القواعد، وينحو هذا النحو فكان لأبي أسود اليد الطولى والسابقة الأولى في هذا العلم.
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية

يُعدّ أبو الأسود الدُّؤليّ واضع عِلم النّحو بحسب ما ورد في قاموس التّراجم، كما يُعتبر فقيهاً، وأميراً، وشاعراً،

بالإضافة إلى كونه من الأعيان والفُرسان التّابعين، وكان الدُّؤليّ قاضيّاً في عهد عُمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان رضي الله عنهما، واستمر كذلك في عهد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وتجب الإشارة إلى أنّه كان كاتباً في مدينة البصرة التي كان يسكن فيها، وكان أمير البصرة آنذاك عبد الله بن عبّاس، فولّى ابن عبّاس الدُّؤليّ القضاء فيها، وعندما انتقل إلى مدينة الحجاز جعل خلافة الإمارة في البصرة بيد الدُّؤليّ، فأقرّها عليّ بن أبي طالب له، وأصبح أميراً على البصرة.

مَولد أبي الأسود الدُّؤليّ

اتّفق العُلماء على أنّ مِيلاد أبو الأسود الدُّؤليّ كان في حياة الرّسول -صلى الله عليه وسلّم-، إلّا أنّ سنة المِيلاد ظلّت مجهولة بالنسبة لهم، ومن هؤلاء العُلماء ابن كثير، والذّهبيّ، والعسقلانيّ الذي قال مُقدِّراً ما عاشه الدُّؤليّ من أيّام النّبوّة بأكثر من عشرين سنة، إلّا أنّ ما رجّحه أهل التّأريخ هو نفسه ما ذكره الشّيخ محمّد منصور حين قال: “وُلد الدؤلي في الجاهليّة قبل الهجرة النّبويّة بستّة عشر عاماً”.

أبو الأسود الدؤلي رجلٌ حفظ المعنى وصان اللغة

حمل أبو الأسود الدؤلي على كاهله إيضاح الفرق بين الحروف المكسورة، والمفتوحة، وبين القراءة الصحيحة، التي تفضي للمعنى الصحيح، وبين عكسها التي ستُضِلّ الأجيال اللاحقة من المؤمنين عن المعنى المقصود، وكل ذلك من خلال إضافة جوهرية أضافها للغتنا العربية، ألا وهي النقط.

فبعد اختياره لرجلٍ واحد من بين 30 رجلاً لمعاونته، عمد إلى استخدام صباغٍ يخالف لون المصحف، لوضع نقطة واحدة فوق الحرف الذي ينطلق بفتح الشفاه، ونقطة إلى جانب الحرف عند ضمها، ونقطة أسفله عند كسرها، وهكذا حتى أنهى المصحف كله.

إسهامات أبي الأسود الدّؤلي

يلقب أبو الأسود الدؤلي بملك النحو، لوضعه علم النحو، وقد ضبط قواعد النحو بالحركات: الضمة، والفتحة، والكسرة، والسكون، وكان هو الركن والأساس الأول الذي بنى عليه لاحقا المذهب البصري المدرسة البصرية في النحو، وقد انتهج نهجا مشى عليه لضبط المصحف، وكان أبو الأسود له باع في كل علم، فهو غرف من الفنون:

كالفقه، والقرآن الكريم، والحديث الشريف، والنحو، والأدب والشعر، فقد سمع الحديث من بعض الصحابة وقد رواه عنهم، وله قصائد كثيرة، في الأخلاق والحكمة وغيرها، قد جُمعت في ديوان تحت عنوان “ديوان أبي الأسود الدؤلي”، ولكن قد اشتهر في علم النحو، لأن له الفضل في ضبط كلمات اللغة العربية وقواعدها، فحين خاف دخول اللحن على القرآن والحديث الشريف، راح أبو الأسود يتلو القرآن، وكاتبه يرسم ما أمره به أبو الأسود إذ قال له: “خذ صبغًا أحمر فإذا رأيتني فتحت شفتي بالحرف فانقط واحدة فوقه، وإذا كسرت فانقط واحدة أسفله، وإذا ضممت فاجعل النقط بين يدي الحرف “أي أمامه”، فإذا أتبعت شيئًا من هذه الحركات غُنَّة فانقط نقطتين”، وأمره عند السكون ألّا يضع شيئًا وذلك يدل على أن هذا الحرف ساكن، وكان أبو الأسود يدقق كل صحيفة بعد أن ينتهي الكاتب من كتابتها، وهو الرجل الذي لم يتكلم أحد عنه بسوء، أو يشكّك في علمه، ووقد اتفق الجميع من أهل السنة والشيعة وغيرهم على حبّه وعلمه.

وفاة أبي الأسود الدُّؤليّ

فارق أبو الأسود الدُّؤليّ الحياة سنة تسع وستّين للهجرة عن عُمر يُناهز الخمسة والثّمانين عاماً، كما ذكر يحيى بن مَعين أنّ الدُّؤليّ مات قبل الطّاعون، وكان ذلك في عهد أبي خُبَيْب عبد الله بن الزُّبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى