تشكيل وتصويرفن و ثقافة

عبدالرحمان دلدول يبحث عن كسر تقاليد الفن المألوفة

الفن بما هو فكرة الذهاب إلى العوالم تقصدا لممكنات الجمال الكامنة في الأشياء والعناصر والتفاصيل حيث السؤال المقيم في القلق وما جاوره من رغبات ينشد من خلالها الفنان قول اعتمالاته وتجديد نظرته وتعميقها قبالة العالم والآخر.. والفن بما هو نص في سردية الحياة بعناوين شتى تقول بالدهشة والسحر والبهاء..

هكذا ومن حلمه القديم مضى صاحبنا الفنان هنا برغبته الجامحة في دروب الفن والرسم والتلوين وهو الذي هام بها انطلاقا من حواسه وما كمن فيها من حب دفين لتصير الأرجاء مجالات لون وجمال وتشكيل.

صاحبنا هنا هو الفنان التشكيلي عبدالرحمان دلدول الذي تنوعت تجربته الفنية التشكيلية بين عدد من التقنيات والمواضيع ومنها التراث والزخرف والجداريات وتعددت مشاركاته الفنية بين المعارض الفردية والجماعية لتتطور الفكرة التشكيلية لديه ليصبح الحالم بالفن خارج الأطر المألوفة ولذلك كان شغله ولسنوات بفن محامل الشارع “The street clothing art”…. وهكذا..

هو فنان يبحث عن كسر تقاليد الفن المألوفة عبر الذهاب بفنه إلى محامل وأطر مغايرة ومن ذلك اشتغاله على الرسومات على الأقمصة والملابس عموما ضمن أعمال تتناسق مع الفن وبيئته وممكنات توظيفه المتعددة في الديكور والملابس وغيرهما في حياة الناس اليومية.

سافر خارج تونس واطلع على تطور الفن وحركاته وزار المعارض وبقي على حلمه الذي رافقه من سنوات وهو ابن جهة المنستير التي شهد فيها خطاه الأولى مع التلوين وصولا إلى فكرة فن الشارع وجمالياتها والتي راح يبرزها في حصصه الخاصة لتدريب الأطفال والشبان والكهول وتعليمهم فن الرسم والتلوين.

تعددت أعماله الفنية في أحجامها وأشكالها ومواضيعها بين الزخارف والتركيبات المتنوعة بما يحيل إلى الحركة وهو ما أفاده في المنجز التشكيلي على الملابس في تخير الألوان والزخرف وفق جمالية مخصوصة تعددت معها المحامل والأشكال ومن هنا عرض أعماله على القمصان في حفلات الموضة والأزياء.

وفي هذا السياق وضمن الإشارة إلى تجربته تقول الفنانة التشكيلية نادرة العبيدي “فن محامل الشارع، هذا ما ميز تجربته ضمن الساحة الفنية التونسية وجعل منها كما هائلا من أقمشة مرسومة وقفاف ومحافظ لأدوات الرسم طبعت ببصمة خطوطه وألوانه المزركشة وخطوطه وحروفه العربية التي تشمل كتابة بعض الأسماء أيضًا وتقديمها في شكل جماهيري كعرض للأزياء للنزول في الشارع وإعلان فكرة الفن للجميع، فمكان العرض فني بجدرانه وأبوابه والعروض قائمة بمنتوجاته التقليدية والتراثية وزخارف تعكس تراثًا تونسيًا كالخمسة والخلال وأبواب سيدي بوسعيد ورسوم الصحراء والحصان والجمال، إذ أراد بذلك إحياء التراث من جهة وتحديث أعماله والخروج عن ما هو مألوف من محامل تقليدية من جهة أخرى لأن هذا الرسام في النهاية لا يعيش لذاته فقط بل لمجتمعه أيضًا ولا يريد أن يتطلع عليه من مكان مرتفع وبرج عال بل يريد أن يحتك مع مختلف الفئات ليفهمها الجميع ويقبلها ويتذوق بها..”.

وتقول الشاعرة إيمان حسيون عن تجربة الفنان التشكيلي عبدالرحمان دلدول “ورسوم عبدالرحمان دلدول على القمصان ليست مجرّد لوحات منظمة منتمية إلى تيارات تشكيلية معلومة وليست أعمالا قصديّة ينطلق الفنان فيها من رؤية سابقة كي يصبها خطوطا وألوانا على قمصانه، بل هي تنبع من رؤيا وليدة لحظة الخلق ينطلق الفنان من العدم ليرسم فوضى العالم وهسيس اللّغة وصدى النّفوس والقلوب حوله”.

وتضيف “لنتأمل تشكيليّة رسومه: إنّ البناء الفنيّ للقميص-اللوحة بناء انفجاريّ عجيب لا يعترف بالحدود ولا بالتصنيفات إلى مدارس فنية معلومة. تتداخل العناصر الهندسية والخطوط فيبدو تكعيبيّا ولكن بروح عربيّة أصيلة تحيلنا على فنّ الزخرفة والرّقش العربيّ، فعناصر اللوحة بانحناءات خطوطها وأقواسها وقبابها وصوامعها وتعرجاتها تشكّل أطيافا للعمارة التونسيّة. وتكتمل هذه المكونات التراثية بحضور الخط العربي”.

وتتابع “التشكيل الحروفيّ عنصر بارز في محامل الشارع وهو بقدر ما يحضر كمعطى تشكيلي يتمّم تناسق اللوحة وانسجامها الخطي واللوني فلا يبدو أبدا مسقطا أو مضافا، فإنّه أيضا يمثّل معطى لسانيّا ثقافيّا ناطقا، فحروفيّة عبدالرحمان مستلهمة من الموروث الشعبيّ هي أمثال شعبيّة وأقوال عاميّة مأثورة مثل “عروسة زغرطولها في وذنيها أو حمورية في الوجه ولا غصّة في القلب”… وغيرها كثير مما ينتقيه الفنان ليخلق تكاملا عجيبا بين قصديّة اللغة وقصديّة الخطّ والتشكيل، ففضاءاته المتخيلة تلتقط ما هو بصريّ وما هو حكائيّ لتخلق تميّزها العجائبي، حيث يعمد الرسام إلى تأصيل الذائقة وتَوْنَسَة رؤيته الفنيّة وإكساب فضاء اللوحة هويّة الانتماء والكينونة. فيصبح القميص-اللّوحة علامة هويّة للابسه وحاملا لرؤاه ومواقفه وشفرة مرئيّة للمتلقّي تعوّض اللغة المنطوقة. ويتمّم اللّون بنية الفضاء التشكيلية لعبدالرحمان دلدول. ألوانه المنتقاة بعناية مزخرف ودقّة نحّات…”.

الفنان التشكيلي عبدالرحمان دلدول يواصل سفره الفني ورحلته الجمالية في عالم الفن ديدنه التجدد والتوغل أكثر في دروب الفن والشارع ولا يعنيه غير ذلك، فهو الفنان الحالم بعيدا عن حمى الساحة الفنية ومشاكلها من حيث الدعم والاقتناء فهو يرى الجدارة في ذلك مشروطة بالإبداعية والإقناع الجمالي، علما وأنه يعد لمعرضه الخاص قريبا ومع بداية الموسم الثقافي الجديد برواق فني بالعاصمة يقدم خلاله أعماله وحيزا من تجربته الفنية التي يواصل الاشتغال ضمنها على فكرته ورؤيته في الرسم والتلوين والتشكيل عموما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى