الفنون والإعلامفن و ثقافة

الفنان التشكيلي يوسف عون.. تفكيك الجسد كهندسة للروح!

الفنان التشكيلي يوسف عون، ابن الجنوب اللبناني، قرية كفروة، قضاء النبطية، رسّام يتّخذ (اللوحة-لوحته) كمساحة “يلعب” في وسطها وعلى أطرافها، تقاطع البصر والبصيرة،يرسم مشاهِدهُ الخفية، يقدّمها للعين بأشكال متعددة وألوان يبتكرها وفق ما يخزنه من أحاسيس وشعور نحو المضمون الذي يتشابك في مساحة الوعي الممتدة، من نظرة العين الى خفقة القلب وصولاً الى رعشات الروح “الكهربائية.. والكهرومغناطيسية”، وسواها من ترددات النظرة (البهيجة المبتهجة) التي تحرك الشكل وتسيّل الالوان في مجرى المساحة المفتوحة ضمن حدود دلالاتها واشاراتها.
يستعد الفنان الصديق يوسف عون لإطلاق مجموعته الفنية الجديدة، وبعد لقاء وجولة في محترفه وبين لوحاته، تلاها جلسة نقاش معه:
أسئلة وشرح واستفسارات متبادلة بيننا، أفضت الى مزيد من الأسئلة المفتوحة على القلق والأجوبة الحاشدة،واستخلصتُ ما يلي:
هل نجح الفنان التشكيلي اللبناني يوسف عون بتفكيك الجسد كمحاولة لهندسة الروح؟(هندسة الروح بتوازنان مائلة كميزان عادل وكمقياس صارم؟).. سؤال الشكل هنا له ما يبرره ويعطيه فاعلية قديرة في ضبط توازنات الشكل المرئي والباطني في مسارهما “الظهوري”. تفكيك الجسد لا توزيعه ، ترسيم الشكل الخارجي إذا ما اعتبرناه جسداً ينطوي على روح متحركة .
يصح القول انه التجريد “الانتحاري” يحاوله يوسف عون من خلال ما يسعى اليه (بالشكل والمضمون)، فالواقف المراقب المُحدِّق بلوحة عون يجد نظراته داخل الزمن المفتوح في كل اتجاه ،وعلى كل أفق ، وتتحرك العين ونظراتها الثاقبة بين حالتي السكون والحركة،بين ضجيج الصمت “المنفوخ” حد الانفجار والتشظي، وذلك على نور وقائع تجربة عونية خاصة جدا.
نتاج هائل أسسه يوسف، وليس مبالغة بالوصف،بقدر ما هو تبلور ولمعان بارق تستهدفه لوحته الحاشدة بمكنونات الوعي البصري المفرط والراقي ، فقد امتازت لوحاته، بسيطرة اللونين الأسود والأحمر، وبالعمل بمواد أخرى متنوعة، واستعمال مواد كولاجية، ومسطحات تصويرية بأشكال ، عملاقة بظهورها الباطني، حيث يتبدى ويظهر المضمون والظنون والخيال بمساحات تمتاز بكبر مساحتها “الشاسعة”.
هل يؤسّس الفنان يوسف لوحته داخل الايقاع الباطني قبل أن يحيلها الى الخارج،الى حيث تثبت الصورة وتتمادى في وهجها الصارخ،والمفتوح على سؤال الفكر واليقين والتداول المستحيل؟
هذه الإيقاعات التشكيلية،وما تخفيه وما تظهره، تكاد تتلاقى عند ايقاع بصري مسموع بعد سطوع ألوانه في البصيرة.
وضوح الرؤيا يشبه غموضها، وتتحول الأشكال من وضوحها، إلى غموضها “الزمكاني” والعكس بالعكس ، حضور لوحة عون في الشكل الزماني يدفع بعناصر المكان للمشاركة وتنفيذ “برمجة” الاشكال وألوانها وهندستها مع محيط وداخل الرؤيا نفسها التي تظهر للرائي جلية ، بطلسمية كثيرة الأسئلة، وكمرآة صافية تتجلى بما تعكسه من “فوران” شديد الانضباط في توزيع “الرؤوس الحامية” والقلِقة داخل اللون نفسه.
يركز عون على تناغم مواضيع تبدو سوريالية بجنوحها وتشابكها “الصعب والمعقد ” داخل وحدة الايقاع وما يترتب على هذا الايقاع من دلالات لا تطال البصر فحسب، بل تلامس السمع ، كأنها تفتح نافذة للإصغاء الى موسيقى “البلوز والريغي” ، ولا ينجو السمع من ايقاعات موسيقة مرئية ومحسوسة أخرى،كدلالات موسيقى “السلسا والسامبا”، حيث صوت الألوان يتناغم ،بفوضى منظمة، مع تراكمات الشكل في الاطار الواسع والضيق والصغير. يبدع رؤية عميقة .
هل هو فن متكامل، مشروع فني يسعى إلى التكامل، يقدمه عون للفن وأهل الفن المرسوم؟ فالوعي الكبير الذي ينطلق منه الفنان يبدو قلِقاً الى حد التعب والعذاب، حالة تكامل في الوعي ، في مدّ الدلالة والعلائقية والتعريفية، للإدراك والبناء التقني ، على الأرجح. إن إدراكه التقني يصقل لوحته جيدا ويجعلها تنمو وتحيا في “منأى تقني عوني خاص”.
الغموض والطلسمية والدلالة المواربة والاشارات المتناقضة .. ليست قائمة في لوحة عون، ومهما بدت صوره غامضة ، فهي واضحة بجهوزيتها التعريفية ، بألونها القلقة،بأشكالها المطابقة لأشكال وأفعال الاتسان والحياة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى