التاريخ يتحدثتاريخ ومعــالم

عبد الرحمن الداخل الفارس المُلقب بصقر قريش

عبد الرحمن الداخِل هو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك بن مروان بن الحَكم بن أبي العاص، هو الأمير الذي نَجا من سيف العباسيين بعد المجزرة التي ارتكبوها بحق أسراهُم من أبناء عمومتهم المروانيين الأمويين. وقد هاجر من دمشق هارباً من السيف إلى القَيروان التي كانت المدينة التي احتضنهُ واستطاع أن يرسُم فيها خُطَطه ليسترِّد المُلك السليب وليُحقق فيها حلمهُ الكبير.
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية

الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور هو من لقب عبدالرحمن بن معاوية بصقر قريش، وجاء ذلك بعد أن كانت الأندلُس هي البقعة المسلمة الوحيدة التي ليست تحت راية الخلافة العباسي وقد أراد ضمَّها. ثم قال ما لنا في هذا الفتى من مطمَع وقد قصد عبدالرحمن بن معاوية، وأردف الحمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر، وفي جلسة من جلسات الخليفة العباسي سأل من حوله أتعرفون من هو صقر قريش ثم أخبرهم أنه عبد الرحمن بن معاوية وذكر فيه من المحاسن الكثير وأثنى على حكمته وفطنته وذكائِه.

نشأة عبد الرحمن الداخل

في الحقيقة كانت نشأة مُبشرة للغاية، فيكفي أن نقول إنه بعد موت والده انتقل للتربية في بيت جده وتحت رعايته، وجده كما ذكرنا هو الخليفة العاشر للأمويين هشام بن عبد الملك، ولمن لا يعرف، كان هشام بن عبد الملك أحد أهم الخلفاء الأمويين في تاريخه، فقد شجع العلماء وأرسى الأمن وأهتم بالبناء والعمارة والطب والترجمة، كما اهتم بالزراعة من أجل توفير الطعام الكافي للمسلمين في كل مكان، فقد كان يهتم بنشر الإسلام حتى وصل إلى بلاد ما وراء النهر، وكذلك كان مهتمًا جدًا بالمكتبات ودور العلم، لدرجة أنهم كانوا يطلقون على دمشق اسم المنارة.

وجود عبد الرحمن الداخل في دمشق ونشأته بالقرب من جده جعله يكتسب الكثير من المهارات والفنون، والواقع أنه لم يكتسب الفنون فحسب، بل كان يمتلك كذلك العديد من المهارات والقدرات والمواهب، ولهذا كان جده الخليفة العاشر يرى فيه مستقبل الخلافة الأموية، حتى أنه قد قربه منه وفضله على إخوته وأبناءه، لكن كالعادة، تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، حيث كان مكتوبًا للداخل أن يرى سقوط الخلافة الأموية بعينه.

رحلة الفرار من الموت

كان الموت يُلاحق عبد الرحمن الداخل في كل مكان، فقد سخر العباسيين كل قوتهم من أجل الحصول على رقبة آخر فرد مُتبقي من الأمويين، لكنه أخذ يتنقل من الحجاز إلى مصر إلى ليبيا، وفي كل مكان يمكن أن يبتعد عن دمشق وما يجري فيها، ثم أخذته نفسه إلى الاستقرار في القبائل البدوية التابعة للبربر في شمال أفريقيا، حيث قضى هناك أكثر من خمس سنوات وهو يُخفي شخصيته الحقيقية، وبالتأكيد سوف يظن البعض أن الداخل كان خائفًا على حياته، لكن الواقع أنه كان يُجهز للطريقة التي سيرفع بها راية الأمويين من جديد، فقد كان وقتها لا يزال شابًا في الرابعة والعشرين من عمره، وبالفعل كانت السنة الخامسة والعشرين في حياته هي السنة الفارقة، ففيها قرر بدء حرب النهوض من خلال الأندلس.

الانتصار العظيم وميلاد دولة الأمويين في الأندلس

والتقى الفريقان بالقرب من “قرطبة”، وبالرغم من صغر سن “عبد الرحمن الداخل” الذي لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره، فإنه أبدى من صنوف المهارة والفروسية والقيادة ما جعله يتمكن من إحراز انتصار حاسم والتغلب على قوات “عبد الرحمن الفهري” وإلحاق هزيمة منكرة بجيشه. ودخل “عبد الرحمن” قرطبة فصلّى بالناس، وخطب فيهم، فكان ذلك بمثابة إعلان ميلاد الدولة الأموية في الأندلس، وبويع له بالخلافة في (10 من ذي الحجة 138هـ= 18 من مايو 756م)، ليصبح أول أموي يدخل الأندلس حاكمًا، ويطلق عليه ذلك اللقب الذي عُرف به “عبد الرحمن الداخل”، ومؤسس تلك الدولة الفتية التي أصبحت حضارتها منبعًا لحضارة أوروبا الحديثة، وظلت منارًا للعلم والمدنية عبر قرون طويلة من الزمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى