التاريخ يتحدثتاريخ ومعــالم

عمرو بن العاص داهية العرب

عمرو بن العاص بن وائل السهمي الكناني القرشي ولد في مكة المكرمة في سنة 592 ميلادياً، هو أحد أهم القادة الذين عرفوا في الإسلام، وكان يتميز بذكاء ليس له مثيل بين جميع قادة المسلمين، وقد أسلم في العام الثامن للهجرة بعد أن حارب المسلمين في غزو الأحزاب، وحينها أتى الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة مع خالد بن الوليد وهما مسلمين.
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية

عَمْرُو بنُ العاص، قائدُ فتحِ مصر، كان من أبرزِ رجالات قريش، بل أبرزَ رَجُلِ سياسةٍ بين العربِ كلِّهم. يُضرَبُ به المثلُ في الفِطْنةِ والدهاءِ، والخبرةِ في إدارة سياسةِ الحروب. كانتْ له قبل الإسلام، علاقاتٌ قوية مع زعماءِ الجزيرة العربية وما حولها. وزارَ مصرَ عدةَ مراتٍ قبل فتحِها‏.‏ وأرسلتْه قريشٌ إلى الحبشة ليطلبَ من النجاشي تسليمَه المسلمين الذين هاجروا إليها. وكان ميناءُ الشُعَيْبة، إلى الجنوب الغربي من مكة الطريقَ إلى الحبشة.

أسلم عمروُ بنُ العاص في أوائل السنةِ الثامنةِ للهجرة، قبل فتحِ مكة. وجاء معه إلى المدينة في ذلك اليوم اثنانِ من كبارِ قادة قريش، خالدُ بنُ الوليد، وسادنُ الكعبة عثمانُ بنُ طلحة. وكان لإسلامِ هؤلاء الثلاثة أثرٌ كبيرٌ في نفوس المسلمين.

كان النبي صلى الله عليه وسلم يدرك إمكاناتِ عَمْروٍ القيادية، فجعله قائداً لبعض سرايَاه، ومنها سَرِيَّةُ ذاتِ السلاسل، لإخضاع قبيلة قضاعة، فتم له النصر.

ثم اختاره النبي صلى الله عليه وسلم سفيراً يحمل كتابَه إلى مَلِكَيْ عُمان، يدعوهما إلى الإسلام، فنجح في مَهَمته.

تلقيب عمرو بن العاص بأرطبون العرب

لقب بأرطبون العرب بعد قصة دهاء لا مثيل لها، أثناء حصار بيت المقدس حتى يتم فتحها.
– سارعمرو بن العاص بجيشه في واقعة أجنادين وكانوا في اتجاه بيت المقدس، وعندما وصل إلى منطقة الرملة وجد مجموعة من الروم وكان قائدهم اسمه الأرطبون وهو من أدهى دهاة الروم، فبعث عمرو بن العاص إلى الفاروق عمر مكتوباً يخبره فيه عن أرطبون الروم.

– وصل المكتوب إلى الفاروق عمر فرد قائلاً: “قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب فانظروا عما تنفرج”.

– بعث عمرو بن العاص رضي الله عنه لأهل إيليا علقمة بن حكيم وغيره من الرجال حتى يقاتلوهم، وبعث إلى الرملة أبا أيوب المالكي، وكلما بعث الفاروق عمر له مدد من الرجال يرسل بعضهم إلى إيليا، والبعض الآخر إلى الرملة.

– ذهب عمرو بن العاص إلى أرطبون الروم بصفته رسول من عمرو وأبلغه الرسالة كأنها من رسول إلى الأرطبون، ولكنه تنبه وشك أن من أمامه هو عمرو بن العاص أو أحد مستشاريه فعزم على قتله.

– أمر أرطبون الروم من أحد الحراس أن يتعقب الرسول عند خروجه ويقتله على الفور، فانتبه حينها عمرو فقال للأرطبون: أيها الأمير أني قد سمعت كلامك وسمعت كلامي وإني واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب لنكون مع هذا الوالي لنشهد أموره، وقد أجبت أن أتيك بهم ليسمعوا كلامك ويروا ما رأيت” وبذلك فإن عمرو قد أوهم الأرطبون أنه واحد من عشرة مستشارين بارزين لعمر بن الخطاب، وأنه من الممكن أن يأتي بهم جميعاً.

– فكر الأرطبون أنها فرصةٌ كبيرة حتى يطيح بهم جميعاً، فقال له: نعم ائتني بهم، وأمر واحد من الحراس بأن يوقف الحارس الآخر الذي سيتعقب عمرو بن العاص ويقتله، اعتقاداً منه بأن الرسول سيرجع إليه ومعه باقي المستشارين فيقتلهم جميعاً، وبهذه الخدعة قد نجا عمرو منهم وذهب إلى جيشه.

– علم الأرطبون أن الرسول كان عمرو بن العاص وأَنه نجا منه بعد أن كان بين يديه فقال: خدعني هذا الرجل والله هو أدهى العرب.

موقف عمرو من طاعون عمواس

– استفحل طاعون عمواس بالمسلمين وقتل منهم الكثير، وقد احتار الأطباء والقادة في طريقة للتخلص من هذا الوباء.

– جاء الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه من المدينة إلى الشام حتى يرى الأمر بنفسه، ووقتها لم يستطع أحد الوصول إلى حل للتخلص من الوباء.

– انتهى أمر الطاعون على يده، فبعد وفاة معاذ رضي الله عنه، وخلف عمرو بن العاص مكانه فقام بإلقاء خطبة على الناس وقال: أيها الناس، إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتحصنوا منه في الجبال، وأشار عليهم بأن يفروا من الطاعون إلى رؤوس الجبال، لأنه كالنار إذا لم تجد ما تحرقه في طريقها فحينها ستخمد، وكانت تلك نعم النصيحة لهم؛ حيث قم الناس بعدها الناس بالتفرق في المناطق حتى زال الوباء عن المسلمين.

فتح مصر

وهناك عواملُ كثيرة جعلت عمرَ بنَ الخطاب يُوافق على فتحِ مصر، ولا يَجِدُ لها أفضلَ من عمروِ بنِ العاص.

أدرك عُمَرُ بنُ الخطاب أنَّ سيطرة المسلمين على بلادِ الشام لن تكتمل، ما دام هناك أسطولٌ للروم في البحر المتوسط، يعتمد في قواعدِه على مصر، فضلاً عن التكامل الأمني بين مصرَ وبلادِ الشام والجزيرة العربية.

كان عمروُ بن العاص يُدركُ من خلال علاقاته داخل مصر، أن سكانها الأصليين من القِبْط، يعانون من اضطهاد الروم، وينتظرونَ مَنْ يُخَلِّصُهم. وتوجه من رفح على الفورِ إلى العريش.

وصل عمروٌ إلى العريش عشيةَ عيد الأضحى من السنة التاسعةَ عشرةَ للهجرة، ثم توجه إلى منطقةٍ في المدينة تسمى الآنَ المساعيد.

في ضوء عدمِ وجودِ حاميات للروم على الطريق بعد العريش، تمكن عمروُ بنُ العاص من اجتيازِ سَيْنَاء سريعاً، ووصل إلى منطقة بئر العبد، على بُعد خمسين كيلومترا من العريش.

كانت الفَرَما، أولَ منطقةٍ مُحَصَّنةٍ على أبوابِ مصرَ الشرقية، وفيها حِصْنٌ قديم، وتُسقى بقناة من مياه النيل. وفيها حَشَدَ الرومُ قوةً كبيرة، وجرت فيها اشتباكاتٌ مع المسلمين استمرت نحو شهر، إلى أن هُزمت قواتُ الروم، وتم فتح الفَرَما يوم الخامس والعشرين من صفر عام عشرين للهجرة.

المحطةُ المُحَصَّنةُ التالية بعد الفَرَما، هي بَلْبيس، وقد سلك إليها عمروُ بنُ العاص طريقاً في الصحراء الشرقية.

بلبيس كانت فيها حاميةٌ قوية للروم. ولذلك خاض فيها المسلمون ثاني معركة مهمة من معاركِ فتح مصر، استمرت نحو شهر، إلى أن تم فتحها في جُمادَى الأولى سنة عشرين للهجرة.

بعد فتح بلبيس، أصبحت الطريقُ أمامَ عَمْروٍ سالكةً إلى موقعِ مدينةِ القاهرةِ الحالية. وكانت المحطةُ التالية قريةً على الطريق إلى حصن بابليون في موقع حي العباسية الآن، تسمى أُمّ دِنِين.

قبل أن يصل عمروُ بن العاص إلى أُمٍّ دِنِين، بلغته الأنباءُ عن حشودٍ ضخمةٍ للروم، فأرسل إلى عمرَ بنِ الخطاب يطلبُ المَدَد.

بعد وصول هذه القوةِ الجديدة أعاد عمروُ بن العاص تشكيلَ قواته، لتواجِهَ حشود الروم في أكثرَ من منطقة، ووقعتْ أكبر مواجهةٍ حتى الآن في منطقةِ ميدان العباسية، تمَّ فيها النصرُ لقوات عَمْرو.

بعد معركة أُمٍّ دِنِين، تجمعت قواتُ الروم في حصن بابليون. وفي الطريق إليه خاض المسلمون معركةً محدودة، فيما يعرف الآن بميدان رمسيس.

المواجهةُ الحاسمة في فتح مصر، هي تلك التي خاضها جيشُ عمروِ بنِ العاص أمامَ حصنِ بابليون، حيث ضربَ الجيش خيامه هناك واستعد لتلكَ المُنازلة الكبرى.

وفاة عمرو بن العاص

وحين حضرت الوفاة عمرو بن العاص أجهش بالبكاء، فسأله ابنه عن سبب بكائه، فأخبره أنّه يبكي خوفاً مما بعد الموت، فبدأ ابنه يُذكّره بصحبته لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- والفتوحات التي خاضها.وتوفيّ عمرو بن العاص في ليلة عيد الفطر سنة ثلاثٌ وأربعون للهجرة، وقيل إنّه توفيّ سنة واحدٌ وخمسون هجريّة، وقد توفيّ في مصر وصلّى عليه ابنه عبد الله قبل صلاتهم لعيد الفطر، وكان عمرو بن العاص هو من استخلف ابنه على أداء الصلاة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى