تشكيل وتصويرفن و ثقافة

إيناس بن قدحة بوفارس أستاذة إنجليزية ترى العالم علبة تلوين

الفن فكرة القلب حيث الذهاب إلى جواهر الأشياء بحثا ونظرا وقولا بما هو كامن في العناصر والتفاصيل من ممكنات الجمال وفق اعتمالات الشواسع ورؤاها المفصحة عن الرغبة في اقتفاء أثر الكلمات والألوان والموسيقى العالية وما يبوح في تعبيريته الفارقة بالجميل والمشرق في الذات حيث الحال في تعدد هيئاتها وتبدلاتها وهكذا…

إنها لعبة الفن ومنه التشكيل وما به ترقص الألوان لتقول شيئا من دفتر الرغبات… رغبات الكائن المفتوحة على أزمنة وأمكنة هي خلاصة النشيد الفادح.. نشيد الفنان في رؤيته لعالم متغير ليقول تجاهه بعض ما ينتابه من أحاسيس مثل أطفال ينشدون مرحا خالصا تلونه الأحلام وبراءة الحضور في كون يأخذه الضجيج لكن ترتع فيه الأغنيات مثل نسائم صيفية ناعمة..

في هذه الأحوال ثمة فكرة وغرام بالتلوين وحلم قائم لتأثيث الذات بشيء من البهاء والحنين والقول بما هو كامن في الذات من جمال وأصالة وطمأنينة وفق النظر إلى الدواخل وهي في حوارها مع الآخرين والعالم .. هي لعبة العواطف النبيلة في مجالات الرسم والتلوين قتلا للبشاعة تتهدد العالم والناس.. الفن في هدأة الحال وفصاحة القلب نظرا بعين الروح لا بعين الوجه.. والرسم هنا ما هو إلا ذاك الضرب من السفر الناعم في الأكوان حيث تفاصيل تبوح بغنائها الخافت وهي تعلي من شأن الأمكنة والمشاهد والوجوه بكثير من رغبات طفولة مقيمة من زمان تتجدد وتبتكر في شغفها الفني شيئا من النوستالجيا..

في هذا السياق كانت تجربة الفنانة التشكيلية إيناس بن قدحة بوفارس التي تخيرت لعبة الرسم ودروبها الشتى لتأخذنا إلى مناخات عملها الفني التي تمضي فيها بتقديم العديد من الأعمال الفنية لتبرز لوحاتها معبرة عن مشاهد متعددة بين الطبيعة وجمالها والمدينة العتيقة وسحرها وما علق بالذات من أمكنة منها سيدي بوسعيد والمدينة العتيقة وباريس… وحالات منها الوجوه والمرأة العازفة على العود في إشارة للأصيل الكامن في الذات والمتصل بالتراث من لباس وغير ذلك حيث اللوحة ترجمان للذات الفنانة الحالمة باستعادة الممتع والجميل والمتصل بذكرى جميلة معانقة للفنانة إيناس التي ترى في الرسم والتلوين حيزا مهما لإبراز عناوين ذاتها وشخصيتها تجاه عوالم الفن عالية الأسوار في كون من التداعيات والسقوط القيمي وهنا تصر الفنانة على إبلاغ رسالتها عبر الفن لا للقول بالجمال بوجه ما هو رديء وعابر…

تعددت أعمال الفنانة التشكيلية إيناس ومنها ما قدمته مؤخرا ضمن النشاط الثقافي والفني والأدبي ضمن عنوان “قبق” بفضاءات الرواق بمدينة سوسة حيث اللوحة في الجدار والعبارة الطالعة كنشيد مكلل بالطفولة.. طفولة النظر.. وطفولة الأشياء.. فالفن عندها هو هذه الممارسة الجمالية في عنفوان براءتها وصفائها نشدانا لما به تسعد الذات وهي ترى العالم علبة تلوين…

الفنانة التشكيلية إيناس بن قدحة بوفارس أستاذة مساعدة في الإنجليزية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة منذ 2007، حاصلة على شهادة الدكتوراه في اللغة والآداب والحضارة الإنجليزية من جامعة Paris X Nanterres بفرنسا من هواياتها الرسم، العزف على البيانو والاورغ، الرقص الكلاسيكي (الباليه)، وتعلم اللغات، قراءة القصص بالعربية الفرنسية والإنجليزية والإيطالية، الكتابة والرحلات الاستكشافية…

إلا أن هوايتها المفضلة هي الرسم بكل أشكاله كما تبرز ذلك لتواصل قائلة “كل هذه الهوايات مارستها منذ صغر سني. وقد بدأت الرسم قبل أن أتعلم الكتابة. أذكر أنني كنت أقضي الساعات الطوال أرسم كل ما أجده أمامي ولا أشعر بمرور الوقت، فقد ولدت وترعرعت في عائلة تملك مواهب فنية. كان والدي عزالدين بن قدحة رحمه الله مهندسا معماريا محلفا لدى المحاكم وقد كان في أوقات فراغه يعزف على الآلات الموسيقية المتعددة في بيتنا وكنت دائما ألازمه في كل حركاته خصوصا عندما يرسم لوحاته الزيتية. ولحسن حظي كان يسمح لي أن أتدرب على الرسم باستعمال كل أدواته. كنت أود أن يكون على قيد الحياة ليشاهد ابنته الصغرى تدخل عالم الرسم من بابه الكبير”.

وتضيف “أما بخصوص تجربتي الفنية الحالية، فقد انطلقت منذ بداية جائحة الكوفيد عندما أجبرنا على المكوث في البيت، فبعد أن أهملت موهبتي لسنوات لانشغالي بدراستي وبمسؤولياتي العائلية والمهنية، كانت هذه فرصة لصقل موهبتي. وهذا كان بعون الله حيث كنت أتدرب للساعات الطوال كل يوم إلى أن تمكنت من العديد من التقنيات منaquarelle ،acrylique ،huile hydrosoluble… وبالنتيجة وجدت نفسي قد رسمت عشرات اللوحات ولا أدري أين أضعها. فأهديت بعضها وبعت البعض الآخر. وهكذا فكرت في عرضها في المعارض بعد أن كنت أعرضها إلا على متابعي تجربتي الكثر على صفحات فيسبوك وإنستغرام. وبفضل عرض لوحاتي في معرض الرواق مؤخرا أصبحت معروفة أكثر لدى الفنانين التشكيليين. وقد تخصصت الآن في peinture acrylique et huile hydrosoluble au pinceau et au couteau وموضوعات رسومي تدور حول الطبيعة، والواقعية أكثر من أي موضوع آخر…”.

هي فنانة تعمل على المضي أكثر في ممارستها الفنية حيث يمثل لها الفن ذاك العالم الجميل البعيد عن الهموم اليومية وتقول “عندما أرسم مشهدا طبيعيا جميلا أشعر أنني أمتلكه مثل الذي يلتقط صورة فوتوغرافية لا تتحرك ويضعها في إطار ليتأملها بين الحين والآخر. عندما أرسم منظرا طبيعيا أعجبني أحاول أن أضعه على اللوحة لأستمتع به ولكي يشاهده غيري مستمتعا مثلي.. أنا لست من الفنانين الذين يضعون مشاعرهم على اللوحة. كمشاعر الغضب والحزن.. فتكون لوحات مخيفة أحيانا. أنا أفضل أن أرى العالم بنظارات وردية لعله يتحسن يوما ما. مرة وحيدة أظهرت فيها شعورا سلبيا وغضبا شديدا ليبدو ذلك على اللوحة كنتيجة… أذكر أنني لست متخرجة من معهد الفنون الجميلة فعندما تحصلت على شهادة الباكالوريا آداب كان قلبي يتأرجح بين اتباع هواية الرسم والالتحاق بمعهد الفنون الجميلة أو تجسيد حلمي بأن أصبح أستاذة إنجليزية وهو ما تم ليبقي الرسم هوايتي. فأنا عصامية autodidacte لكنني تعلمت عند أفضل الفنانين في السبعينات والثمانينات، وهو والدي رحمه الله… هناك من يدفعني ويشجعني في هذا الجانب وأذكر زوجي الذي شجعني كثيرا لمواصلة مشواري الفني وكان مع أبنائي من أول المتحمسين لتجربتي الفنية والمضي فيها..”.

هكذا وبروح من المغامرة والدأب تذهب الفنانة الفنانة التشكيلية إيناس بن قدحة بوفارس في طريقها التي تخيرتها وهي تحاول الألوان وتحاورها نحتا لشيء من ذاتها وقولا بما بداخلها من رغبات دفينة تجاه عالم الرسم والفن وهي تراكم التجربة نحو إقامة معرضها الشخصي لتبرز أعمالها التي تقول عنها بأنها جزء مهم من ذاتها وحياتها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى