تشكيل وتصويرفن و ثقافة

الصلصال يبوح بأسرار الحياة في أعمال الأردنية كاتيا التل

تتمسك النحاتة الأردنية كاتيا التل بالجذور وتنطلق منها لتقديم ما هو مغاير للسائد من تشكيلات فنية حداثية كنتاجٍ لتفاعلها مع الطبيعة المحلية، وانفتاحها على الحضارتين العربية والإنسانية، وامتلاكها ثقافةً واسعة في مجال عملها وفي عدد من المجالات الأخرى.

تعمل التل على الصلصال انطلاقا من أن هذه المادة – كما ترى – تنبض بالحياة وتمتلك القدرة على التشكّل والنمو بطريقة لينة، كما لو أنها جنين يتكور بين يدي صانعه الذي يمنحه الشكل الأول، ثم يترك له حرية التكوّن والخروج إلى العالم بلباسه النهائي. وهذا ما تؤكده النحاتة بقولها إنها وقعت تحت تأثير قوة جاذبة منذ اللحظة التي لمست فيها الصلصال، فهذه المادة “شديدة الصلة بأسرار الكون وخفاياه”.

وتستلهم الفنانة أعمالها من تكوينات الجسد الإنساني، فتكون البطولةُ فيها لليدَين أو للكفَّين مثلا، كما تستمد تشكيلاتها من الطبيعة فتقدم منحوتة تحيل إلى زهرة، أو طائر، أو ثمرة. وهي تؤطر هذه التشكيلات بما يفيد الترفع عن المادي والدنيوي، ويطلق العنان للروح كي تحلق في عالم من الخيال.

وتمكنت التل الحاصلة على شهادتي بكالوريوس في تخصصَي علم النفس والعلوم السياسية، من وضع بصمتها في عالم النحت عبر أعمالها المستوحاة من ترحالها بين فرنسا وسلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، إذ كانت كلما زارت مكانا تقرأ تاريخه وتبحث عن معالمه الحضارية وتكتشف أسرار الطبيعة فيه، وهذه التوليفة من الخبرات والتجارب جعلت أعمالها ذات بعد إنساني وتوق للحرية من غير أن تنفصل عن هواجس الذات المبدعة التي أنتجتها.

النحاتة كاتيا التل في رصيدها أكثر من 20 معرضًا فنيًا بعدة دول. وتكتسي منحوتات الفنانة التي أسّست مشغلا فنيا يحمل اسم “نوى للتصميم”، صبغة شرقية؛ سواء من خلال توظيفها للزخارف العربية التي تزين القطع عبر تفريغات في الهيكل الخارجي مع إضاءات داخلية، أو من خلال نقش الحروف العربية باللون الأسود على خلفية الأشكال البيضاء، أو من خلال استلهام فكرة الرقص الصوفي بإيقاعاته الحركية المعروفة. وهي بذلك تُسقط على كل قطعة أبعادا موضوعية ورؤى فلسفية جمالية حول علاقة الروح بالجسد.

إلى جانب ذلك، تقدم التل أعمالا ذات قيمة وظيفية، من أطباق وكؤوس مزخرفة، لإيمانها بأن الجمال شديد الصلة بالحياة اليومية للإنسان، وتختار لهذه الأعمال اللونَ الأبيض لإبراز الإضافات فوق سطحه باللون الأسود، فهذان اللونان هما الأثيران لدى النحاتة التي تحاول التعبير عن علاقة الإنسان بالهواء والماء والتراب التي هي جزء أصيل من تكوينه البشري.

وتعرض التل القطع التي تُنتجها بصيغة تحاكي الفن الإنشائي أو التركيبي، إذ تتحول تلك القطع مثلا إلى ما يشبه مجاميع بشرية تنظر إلى الأعلى حيث تتدلى قطع من الإنارة، وكأنما تلك المجاميع تنشد النور وتتطلع إلى الحرية. وقد تؤطر الفنانة الأشكالَ ضمن لوحات فسيفسائية زخرفية تعلَّق على الحائط وتُبرز مفردات من الطبيعة كالورود. وربما تجعل الفنانة الأيدي تمتد عبر الجدار تاركة ظلالها تصنع أيادَي موازية، للتعبير عن الحالات النفسية التي تنتاب الإنسان في هذا العصر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى