تشكيل وتصويرفن و ثقافة

القطار مُلهِم أشهر الأعمال الفنية من التشكيل إلى الأدب والسينما والموسيقى

لعب القطار منذ بداية ظهوره إلى يومنا دورا كبيرا في حياة الكثير من الأدباء والشعراء والفلاسفة والرسامين الذين أسهم في تطورهم وفي تركهم أعمالا ذات رمزية ودلالات عميقة، حولت القطار من مجرد وسيلة نقل إلى عالم إنساني مختصر.

باريس – شكّلت القطارات منذ القِدَم مصدر إلهام للفنانين وأعمالهم في كل زمان ومكان، من كلود مونيه إلى جيمس بوند، مرورا بأغاثا كريستي وهيتشكوك وكات ستيفنز، ومنها القطارات الليلية التي أُهملت خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنها بدأت تعود تدريجيا إلى القارة الأوروبية، مع إعادة افتتاح قطار باريس – برلين ذي الدلالة الرمزية الاثنين.

فبعد تسع سنوات من وقف العمل بالخط الذي يربط العاصمتين الفرنسية والألمانية، أُعيد افتتاح قطار باريس – برلين من خلال إطلاق أول رحلة مسائية من محطة برلين إلى باريس بحضور وزراء فرنسيين وألمان وعدد كبير من المسؤولين.

وراهنا سيشهد الخط ثلاث رحلات أسبوعية تنطلق من باريس أيام الثلاثاء والخميس والسبت، ومن برلين الاثنين والأربعاء والجمعة. ويُفترض أن تصبح الخدمة يومية اعتبارا من أكتوبر 2024.

وتوفر القطارات خيارات كثيرة للركاب، إذ بإمكانهم الاستلقاء على فراش أو الجلوس على مقعد أو الحصول على غرفة خاصة لشخص أو شخصين أو ثلاثة أشخاص.

رحلات فنية
وجسّد الرسّامان البريطاني وليام تيرنر والفرنسي كلود مونيه في أعمالهما القطارات منذ ظهورها في أوروبا. وقد صور مونيه القطار في العديد من الحالات، منها لوحته الشهيرة “قطار في الثلج”، وكذلك “القطار في الريف” الذي يأخذنا إلى عالم من الخضرة والصمت الريفي.

خصص مونيه، الذي يعد أب الفن الحديث، لموضوع القطار 12 عملا من أهم لوحاته الفنية، وقد ألهم العديد من الفنانين المتأثرين بالانطباعية والذين جاءوا من بعده بإعادة التفكير في العالم الصناعي الذي لا يتوقف عن تطوير آلاته المتوحشة.

ومن أشهر القطارات الحاضرة في الأدب قطار الشرق السريع الذي تناولته كاتبة الروايات البوليسية الشهيرة أغاثا كريستي في كتابها “جريمة في قطار الشرق السريع”.

وتحكي الرواية الشهيرة قصة المحقق هركول بوارو الذي يحقق في جريمة قتل راح ضحيتها رجل أميركي ثري كان يسافر على متن قطار الشرق السريع، الذي يعد أسرع قطارات العالم قاطبة، ويجري تحقيقات مكثفة مع كافة راكبي القطار الذين تزامن وجودهم مع وقت حدوث الجريمة، ويحاول هيركول التوصل إلى هوية الجاني.

وفي رواية “أنّا كارنينا” لليون تولستوي يكون القطار نذير شؤم وموت، حيث تنقاد بطلة القصة آنا خلف سيل العواطف التي تجتاحها حين تلتقي بعشيقها فرونسكي أول مرة؛ حتى إنها ترفض رفضا قاطعا عرض زوجها كارنين -بعد معرفته بعلاقتها بفرونسكي- أن تبقى معه لمجرد الحفاظ على مظهر أسرته أمام المجتمع الأرستقراطي، وحين ينتابها الشك لاحقاً بأن عشيقها فرونسكي لم يعد يبقى معها سوى لدافع الواجب، وأن حبه لها قد خفت، تدخل آنا في دوامة من الاضطراب واللايقين الذي سينتهي بها إلى الانتحار تحت عجلات القطار الذي التقت فيه بفرونسكي لأول مرة!

ويظهر في رواية “الوحش البشري” لإميل زولا كآلة ترافق نزول البطل إلى الجحيم. وتدور أحداث هذه الرواية في عالم السكة الحديد والقطارات على طول خط باريس – الهافر، ويُقال إن لهذه الرواية بطلين: من جهة جاك لانتيه سائق القاطرة، ومن جهة أخرى قاطرته العزيزة التي أحبَّها أكثر من امرأة.

واستخدم معلّم التشويق ألفردِ هيتشكوك هو الآخر القطارات في أفلامه ليهيئ مشاهد مثالية إما لمؤامرة كما في “سترينجرز أون ايه ترين” (غرباء على قطار)، والذي استند على رواية بالعنوان نفسه للكاتبة باتريشيا هايسميث، وتدور أحداثه حول شخصين غريبين يلتقيان في قطار، لاعب تنس شاب ورجل مضطرب نفسيا (سيكوباتي)، يقترح وجوب “تبادل” جرائم القتل، لأن كل واحد منهما يريد “التخلص” من شخص ما، ولكي لا يُقبض عليهما يرتكب كل منهما جريمة الآخر، أو لاختفاء كما في فيلم “ذي ليدي فانيشز”، أو لقصة حب في فيلم “نورث باي نورثويست”.

وفي الهند أيضا صُوّر أحد أبرز المشاهد في تاريخ السينما داخل مجسّم لقطار وكان في فيلم “أرادهانا” عام 1969. ويظهر في المشهد نجم بوليوود راجيش خانا وهو يغازل حبيبته.

زنزانة وجسر
أتاحت سرعة القطارات وضيقها تصوير مشاهد سينمائية لا تُنسى، كمشهد توم كروز وهو يقفز بين مروحية وقطار في الجزء الأول من “ميشن إمبوسيبل” أو يتسلق عربات قطار الشرق السريع في الجزء الأخير من السلسلة.

ويبرز القطار في أفلام جيمس بوند أيضا، ففي “من روسيا مع الحب” تدور داخل قطار مشاجرة مميتة بطلها شون كونري، بينما يقفز الممثل دانييل كريغ على سقف قطار في فيلم “سكاي فول”، ويظهر روجر مور في فيلم “أكتوبوسي” متنكراً بزي غوريلا داخل قطار ينقل سيركا.

وقليلون هم من وصلوا إلى جرأة باستر كيتون الذي قاد بنفسه قطارا فوق جسر ينهار في “ذي جنرال” (1926)، وهو الفيلم الأكثر كلفة في تاريخ السينما الصامتة. الفيلم صنف على أنه فيلم كوميدي أصدرته شركة يونايتد آرتيست وهو مستوحى من مطاردة القاطرة الكبرى، والتي حدثت في عام 1862.

وأبرزَ مؤلفو الأغاني وملحّنوها القطارات أيضا، إذ كان جوني كاش يحلم بقطار يبعده عن زنزانته في أغنية “فولسوم بريزن بلوز”، بينما كان القطار مرادفا للاكتئاب في أغنية “رَن واي ترين” لفرقة “سول أسايلم” في منتصف تسعينات القرن العشرين. أما كات ستيفنز فدعا إلى “قطار سلام” (الاسم الأصلي للأغنية “بيس ترين”) لإنهاء حرب فيتنام.

وفي فيلم “تشيرا أونا فولتا إل ويست” للمخرج سيرجيو ليونيه، ينبئ وصول أحد القطارات بقدوم الأشرار ويشكل نهاية أسلوب حياة. أما في “سنووبيرسر”، وهي رواية حُوّلت إلى فيلم ومسلسل تلفزيوني، فيمثل القطار فرصة أخيرة لناجين من نهاية العالم لأسباب مناخية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى