وداد الاسطنبولي واصدرها صديقة الأمل
صدر حديثًا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 84 صفحة كتاب “صديقة الأمل” للكاتبة العمانية الاستاذة وداد الإسطنبولي ، من القطع المتوسط فإنه يعرِّج نحو قضية مهمة تتناثر أبعادها بين القصص المتفرقة، ألا وهي إحياء الصناعات التراثية، والحفاظ على ذلك الإرث المتبقي منها، ومحاولة الحفاظ عليه، والاهتمام به أكثر من الحكومات بشكل عام، ومن الأهالي القادرين على ذلك في كل بلد. ، وتستعرض الكاتبة عددًا من تلك الصناعات، مثلما فعلت في قصة “صانع سفن”، من خلال حديث الطفل “صالح” عن تمسكه بمساعدة أبيه في مهنته، ومهنة أجداده، حيث يصنعون المراكب يدويًّا، ويزينونها بأيديهم، رغم انتشار المراكب الحديثة والجاهزة.
اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية
تقدم الكاتبة الصناعات التراثية المختلفة في سلطنة عمان من خلال أسلوب سردي يحول الحكاية عن العناصر التراثية إلى قصص تمثل للأجيال الجديدة عوالم مستعادة ورحلة في أعماق تاريخ الحضارة العمانية بما تميزت به خاصة من صناعات تراثية عريقة.
وكذلك مثلما نرى في قصة “صانعة المصافات”، والمصافة هي مخمَّة لأخذ الأوساخ مصنوعة من السعف، ومن خلال تلك القصة استعرضت الكاتبة عددًا من منتجات سعف النخيل، سواء للاستخدام أو للتزيين، وهي إحدى الحرف الموشكة على الانقراض.
وتقول الإسطنبولي”هناك ما يسمى (القفير، والسمة، والحصير) بعضها للزينة وبعضها للاستخدام، وهذا بحدِّ ذاته يستغرق وقتًا. أمعنت النظر إليه فوجدته حائرًا في معاني الكلمات، ضحكت بفتورٍ ومدَّت شفتيها بلا اهتمام وقالت: ‘القفير وعاءٌ لجمع التمرِ والرطب، والسمة والحصير يتشابهان في الصنع، إلا إن السمة أطول من الحصير، تُفرش لتجلس عليها العائلة سواء أكان بالبيت أم بالنزهات'”.
وألقت الكاتبة الضوء على تاريخ صناعة الحلوى من خلال قصة “صانع حلوى”: “انتبه بعدها لسماع حديث العمِّ الشائق الذي يسرده بإسهابٍ شديد عن إتقانِ كيل المقادير ومواكبةِ حداثة الزمن في أنواع الحلوى، من هيلٍ وزعفران وتمرٍ… إلخ، ومذاقها الخفيف، والثقيل، والمطَّاط، ووضْعها في أوانٍ تُناسب المناسَبة، أما قديمًا فبالكاد نجد نوعًا واحدًا أو نوعين، توضع في “ديسوت”، الحمد لله واكبنا هذا وذاك”.
ومع ذلك تصنع مزيجًا من اللقطات الإنسانية، وتهتم بالقضايا الاجتماعية من خلال عدد من القصص، فهي تستأثر بانتباهنا من خلال قصة “أمي ترضع عنزًا”، فتجمع عددًا من المشاعر الإنسانية المتناقضة فبين تعاطف امرأة فقيرة ترضع عنزًا وليدة، وبين غيرة طفلها المدمِّرة من العنز حتى إنها قام بذبحها، وبين قهر الأم الذي لم يحتمله قلبها فماتت للتو، نجحت الكاتبة في انتزاع دمعة أسى من أعين القارئ: ضحك أخي الصغير ممازحًا: “‘لقد أصبحت أختَنا في الرَّضاعة’. حدَّقت أمِي به بقوةٍ دون أن تتفوَّه ببنت شفةٍ، ثم نظرت إليَّ قائلَةً:
‘إنني أشفق عليها لفقدها أمها، فلا تجعلوا الزمن ونحن قساةً عليها’. قلتُ: ‘تعاملينها بطريقةٍ مختلفة، فلربما صاحب المزرعة سيأخذها يومًا ما’… انحنت أمي بركبتيها وصرخت صرخةً انشقَّ لها القلب، سقطت السكين من يدي، تراجعت إلى الخلف من أثر الصراخ، وجدت أمي مغشيًّا عليها، اقتربت بسرعةٍ منها، ناديتها، أخذتها بين صدري أحاول هزَّها: ‘تكلَّمي يا أمي، قولي شيئًا’. قال القدر كلمتَه، لفظت أمي آخر أنفاسها”.
وتمكنت الكاتبة ببراعة في نسج حبكة درامية ولحظة تأثير من خلال لقطة مكثفة تجمع بين ندم الابن وخيبة أمل الأم.
وكذلك تناولت قصة “صندوق الأسرار” قضية الطلاق وآثاره السلبية في الأبناء، لاسيما حين تصبح للأب والأم حياتان مختلفتان، وما أكثر تلك القصص في واقعنا اليومي.
و الجدير بالذكر أن وداد فرج الإسطنبولي كاتبة عُمانية. عضو في الجمعيّة العُمانيّة للكتّاب والأدباء فرع ظفار. وتكتب المقالات في صحيفة الرؤية العُمانية. وبعض الصحف المحلية الأخرى، حائزة على دورة مدرب المتدربين TOT وساهمت بمجموعة من النصوص في الكتاب الجماعي “انزواء سطر” لفصحاء القلم (2021)، وأيضا كتاب جماعي آخر لمجلس اشراقات بعنوان “بنت البليد” (2022). وفازت مجموعتها القصصية ” فتشرق الشمس” بمسابقة “كورونا ” التي نظمتها دار نشر ورد سموات.