الأدب والثقافةفن و ثقافة

الباحث جون بريفوست يقتفي أثر العربية في لغة موليير

الباحث المخضرم،الفرنسي جون بريفوست (ديسمبر 1949) يقتفي أثر هذه العلاقات عبر استنطاق متن لغوي ضخمٍ يضم أمهات المعاجم الفرنسية القديمة وكتب التاريخ والأدب والفلسفة باحثًا عن التمثلات والصور التي حاكها المخيال الفرنسي حول مُفردات العربية وما أضفاه عليها من معانٍ ثوانٍ رصدها جميعًا في مظانّ التداخل بين اللسانَيْن على بعدٍ ظاهري بينهما. بالعودة إلى إحصائيات دقيقة وشواهد من النصوص عديدة، أنَّ العربية تأتي في المرتبة الثالثة (بعد اللاتينية والغالية) من حيث إمداد اللسان الفرنسي بالكلمات والمعاني.

وانتظم كتابه وفق منزَعَيْن متكاملين أثبت من خلال الأول الكلمات الفرنسية المنحدرة من أصل عربي، حسب تسلسلها الأبجدي، مع عرْض ما لحقها من تحولات صوتية ودلالية أثناء تنقلها في سجلات الكلام وصيغ الثقافات بدءًا من العصور القديمة والوسطى إلى يوم الناس هذا. وقام ثانيا، في رؤيةٍ أكثر أصالةً، بترتيب موضوعي لجلِّ الكلمات المقترضة حيث رصد حضور المفردات العربية في أكثر من عشرين حقلاً دلاليًا مثل الغذاء، الجنس والجسد وما يزيِّنه من حجارة كريمة ويضمِّخه من عطور، وما يحيط به من نباتٍ وحيوانٍ، الطائر منها في الهواء والسابح في الماء، عدا وحدات القيس وألوان المسكن والملبس والحروب ونُظم الأسرة، دون أن ينسى مَجالات الدين وهالات الأساطير، وذلك في مسعى دياكروني (زمني) تطرَّق عبره إلى مسالك وصول المفردات إلى القواميس الفرنسية وما اكتسبته في سفرها ذاك من دلالات تداولية جديدة، وما علق بها من حمولات سلبية أو إيجابية تنشأ في ثنايا الخطاب.

وأما منهج الكتاب فمزدوجٌ أيضا، فقد تتالت صفحاته في صرامةٍ فيلولوجية تَتَبَّع على ضوئها أصولَ الكلمات وجذورها البعيدة، وعاين، بدقة ألسنيِّ الصوتيات، ما لحقها من تحويراتٍ فونولوجية وصرفية، نتج غالبها عن صعوبات نطق الحروف كالحاء والظاء والقاف والعين، وكلها تتلاشى أو تقلب في المقابل الفرنسي. وهذا ما فعل الدهر برياضيِّ خوارزمَ وقد انقلب اسمه إلى Algorithme.

ويقوم المنهج ثانيًا على مبادئ الحفر الأركيولوجي، بالمعنى الذي صاغه ميشال فوكو (1926-1984)، إذ حلل بريوفست كثيرًا من الكلمات بالتنقيب في طبقات المعنى المتراكبة طيَّ الخطابات، والعودة إلى أجناس قولية متباعدةٍ، مما يجعل من مجموع مباحثه دراسةً لآليات التلقي لدى المتكلم الفرنسي عبر العصور، وقد غدا متكلمًا جامعًا، أضفى على ما يقترضه إما شارات الاستلطاف مثل ما حصل مع كلمة حصان حين صارت Alezan إشارةً إلى أكرم الخيول أصلاً، أو سمات السخرية والازدراء، كما وقع لعبارة “السلام عليكم”، حين صارت Salamalec كنايةً عن الثرثرة وتحيات النفاق. وهكذا رسم الكاتب تاريخ الثقافة الفرنسية بأكمله، عبر متابعة ما أحاط بالكلمات العربية المستعارة من سياقات تداولية جديدة لا توجد في الأصل العربي، وفيها تتراءى تحولات المجتمع الفرنسي، ذوقه الفني وقيمه الأخلاقية وحتى أفكاره السياسية والاقتصادية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88