جيل الغدقصص وأناشيد

عدي بن حاتم الطّائي.. آمنت إذ كفروا

«أنتَ آمَنْتَ إذْ كَفَرُوا، وَعَرَفْتَ إذْ أَنْكَرُوا، وَوَفَّيْتَ إذْ غَدَرُوا، وَأَقْبَلْتَ إِذْ أَدْبَرُوا» [عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ]

فِي السَّنة التاسعة للهجرة آمن مَلِكٌ مِن ملوك العرب بالإسلام بعد نُفُورٍ، وأعطى الطَّاعة للرسول عليه الصلاة والسلام بعد رفض، وكان هذا الملك هُو عَدٍيُّ بنُ حَاتِم الطَّائيُّ الذي يُضرَبُ المَثَلُ بِجُود أبيه.

وَرِثَ عَدِيُّ الرِّئاسة عن أبيه في مملكة «طَيِّئٌ»، وفَرَضَ له أهلها الرُّبُع في الغنائم، وأسلموا إليه القيادة. ولمَّا صدع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوة الهُدى والحق، وأسلمت لهُ العرب حيَّاً بعد حيٍّ؛ رأى عَديٌّ في دعوة النبي عليه الصلاةُ والسلام زعامةً تُوشِكُ أن تقضي على زعامته، ورئاسةً ستُفضي إلى إزالة رئاسته، فعادى الرسول صلوات الله عليه أشدَّ العداوة -وهو لا يعرفه- وأبغَضهُ أعظم البُغض قبل أن يراه. وظلَّ على عداوته للإسلام قريبًا من عشرين عامًا حتى شرح الله صدرهُ لدعوة الهُدى والحق.

أسلم رضوان الله عليه بسبب أسر أخته، حيث كان يخشى زوال ملكه، فلما قدم جيش رسول الله إلى بلاده، جمع أهله واتجه نحو الشام، وعندما وصل تفقد أهله فوجد أنه قد تركه أخته في مملكته بنجد، ولم يستطع العودة إليها، ثم عرف من الأنباء أنها أُسرت كسبية عند رسول الله، فلما أحسن إليها رسول الله وسمح لها بالعودة إلى أهلها، تعجّب عدي من تصرفه، فسألها عن رأيها وقد كانت حكيمة، فقالت: “أرى -والله- أن تَلحَق به سريعاً، فإن يكن نبيَّا فللسَّابق إليه فضلُهُ.. وإن يكُن مَلِكاً فلن تُذَلَّ عندهُ وأنتَ أنتَ”.

فذهب عدي رضي الله عنه إلى رسول الله في المدينة، ولما رأى منه ما رأى من قضاء حوائج الناس، وإكرامه له، وعلمه بما يُجهل فأيقن أنه صلى الله عليه وسلم نبي مرسل، ولم يعلن إسلامه حتى وعده رسول الله بثلاث، حيث قال: “لعلَّك يا عَدِيُّ، إنمَّا يمنعُك من الدُّخُول في هذا الدِّين ما تَرَاهُ من حاجة المُسلمين وفقرِهِم، فواللَّه ليُوشِكنَّ المَالُ أن يفيض فيهم حتى لا يُوجَدُ مَن يأخُذُهُ.. ولَعَلَّك -يا عَدِيُّ- إنمَّا يمنَعُك من الدُّخُول في هذا الدين ما ترى من قلَّة المُسلمين وكثرة عَدُوِّهم، فوالله ليُوشِكنَّ أن تسمع بالمرأة تَخرُجُ من «القادسية» على بعيرها حتى تَزُور هذا البيت لا تخاف أحداً إلا الله.. ولعلَّك إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين أنَّك ترى أنَّ المُلكَ والسُّلطان في غير المُسلمين، وأيمُ الله ليُوشِكنَّ أن تسمع بالقُصُور البيض من أرض «بابل» قد فُتِحت عليهم، وأنَّ كُنُوزَ «كِسرى بن هُرمُز» قد صارت إليهم”.
فقال عدي: كُنُوزُ كِسرى بن هُرْمُز؟!!
فقال صلى الله عليه وسلم: نعم كُنُوزُ كِسرى بن هُرمُز.
عند ذلك شَهِد رضوان الله عليه شهادة الحقِّ وأسلَم.

عَمِّر عَديُّ بنُ حاتِم رضيَ الله عنهُ طويلاً، وكان يَقولُ: لقد تَحقَّقت اثنتان وبقيت الثالثة، وإنها والله لا بُدَّ كائِنَةٌ.
فقد رأيتُ المرأة تَخرُجُ من «القادسية» على بعيرها لا تخاف شيئاً حتى تَبلُغَ هذا البيت.. وكُنتُ في أوَّل خيلٍ أغارت على كُنُوز كِسرى وأخذَتها.. وأَحلِفُ بالله لتجيئنَّ الثالثة.

وقد شاءَ اللهُ أن يُحقِّقَ قول نبيِّهِ عليه أفضل الصلاة وأزكى السَّلام؛ فجاءت الثالثةُ في عهد الخليفة عُمَرَ بن عبد العزيز، حيثُ فاضت الأموال على المُسلمين حتى جعل مُناديه يُنادي على من يأخُذُ أموال الزَّكاة من المُسلمين فلم يجد أحداً.
وصَدَق رَسُولُ الله صلوات الله عليه.
وَبَرَّ عَدِيُّ بنُ حاتم بقسمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88