إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

لا تغرك الحياة يا صديقي

اذكر يا إنسان أنك من التراب وإلى التراب تعود، فكن متسامحًا ودودًا، قبل أن تصبح مأكلاً للدود.

أهديها لكل صديق حي يُرزَق، ولروح كل صديق تحت التراب وفارق الحياة، ولكل من زار اليوم مدفنًا، ولصديقٍ عزيزٍ مُودعٍ، ولا نعلم من سيكون في الغد مُودَّعًا،

واعتبروا يا أولي الألباب.

لنقرأها بهدوء وروية وإيمان.. رغم ألم الفراق:

توفي صديق عزيز عليّ، فحزنت لوفاته، وأكثرت زيارة قبره والجلوس عنده والدعاء له، وبعد فترة من الزمن حضرت تشييع جنازة في نفس المقبرة، فنظرت داخلها، فإذا بصديقي راقدًا في مكانه، هامدًا في موضعه، مستسلمًا للدود والهوام التي تنهش جسده. وﻻحظت أن كفنه قد تلطخ بالدم والصديد، كعادة كل الموتى؛ فقلت: والله ﻷشترين له كفنًا جديدًا نظيفًا، وألفه فيه، وفعلت.. وعاهدت ربي على أن آتيه بكفن جديد كلما فُتِحَ القبر ﻻستقبال وافد جديد على عالم الموتى.

وبعد فترة: فُتِحَ القبر وعلى يدي الكفن الجديد كهدية لصديقي، ولففته فيه، لكنه كان هيكلًا عظميًّا، ذهب منه الشحم واللحم، وتبقى العظم متماسكاً كبناء يوشك على التهاوي تحت ضربات الموت والفناء.

وبعد فترة، فُتِحَ القبر، وعلى يدي كفن جديد؛ وهممت بلفه فيه، لكن لم أجد منه إﻻ كومة من تراب كالرماد المحروق.

فقلت في نفسي: أين صديقي يا دنيا؟

أين من جالسته وجالسني، بأجمل لحظات؟

أين من كانت ضحكاتنا معه تملأ الدنيا، أين من كان حضنه أشعر فيه بحرارة المحبة ودفء اﻷخوة والصداقة الصادقة؟.

فقلت لنفسي: هو ذاك، صديقي كومة التراب.

ونظرت خارج القبر: فإذا بين الداخل والخارج مسافة وحياة قصيرة، وأنفاس تدخل فلا تخرج.

فقلت: هل تستحق هذه الحياة القصيرة وإن طالت، والمريرة وإن حلت، والحزينة وإن سعدت، كل هذا التخاصم؟

كثيرًا ما تلوت قول الله تعالى: ﴿مِنۡهَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ وَفِیهَا نُعِیدُكُمۡ وَمِنۡهَا نُخۡرِجُكُمۡ تَارَةً أُخۡرَىٰ﴾. ولم أعرف حقيقتها إﻻ حينما رأيت صديقي ترابًا.

فيا كل صديق وحبيب غيبه الموت، وصار ترابًا، أو تحته: رحِمَكَ الله وأسكنك فسيح جناته.

ويا كل صديق وحبيب: في طريقك للتراب، ﻻ تغرنك الحياة الدنيا وﻻ يغرنك بالله الغرور.

وتذكر هذه الكلمات في طريقك في الحياة: أغلب الأقارب والأصدقاء مستعدون لقطع عشرات الكيلو مترات لدفنك ويعزوا فيك، ولكنهم غير مستعدين لقطع ثلاثة كيلو مترات للاطمئنان عليك أو يلتقوا بك.

استفقدوا الأحباء، الحياة قصيرة ونحن زائلون.

نمضي في الحياة ولا نعرف أين نحن ذاهبون.

اللهم ارحم من في الحياة ومن في دار الفناء.

كلنا زوار في الدنيا ونتمنى دائمًا طيب البقاء.

بقلم/ أ. خالد بركات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى