إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

أبي .. رضي الله عنه

قال صديقي: عندما يبدأ الطفل في اكتساب اللغة تكون الكلمة ذات معنى واحد فقط. وأكمل: قلت لحفيدتي ذات السنتين: خلينا نقطع الشارع بسرعة. قالت: بالسكينة؟

هناك من يحصل لهم ما نسميه: التطور المقيد (Arrested Development): فيبقى إدراكهم اللغوي في مرحلة الطفولة المبكرة.

كان ذلك من ضمن حديث جرى هذا الصباح بيني وبين صديقي. لا أعلم لماذا ينكشني صديقي حتى وأنا في أيام الإجازة وأريد أن أستمتع مثل البقية، لكنه يأبى إلا أن يناقشني مع تباكير الصباح الأولى برسائله المحفزة لخلايا مخي المجازة رسميًّا مني منذ زمن ليس بالبعيد ولا القريب.

قلت له في رسالة صوتية على الواتس آب: أتفق معك فالطفل يتعلم منا وممن يحيط به، الكلمات ومعانيها، فلو أخذت سكينا وقلت لطفل ما: هذا قلم ونحن نعلم أنه في تلك المرحلة يكون لديه ما يسمى بالاستقبال والترديد الميكانيكي mechanical reception and repetition

فيبدأ ميكانيكيًّا في ترديد كلمة قلم مع أنها سكين، ويربط صورة السكين بما رسخ في ذهنه، القلم، ويكبر على ذلك ما لم يتم تصحيح تلك الكلمة وتغيير الصورة.

كنت تحدثت في تسجيل صوتي من سنتين عن عبارة (أعزكم الله) عندما يذكر الكلب والحمار والخنزير مع أنها وردت في القرآن بدون تلك العبارة، فالخالق سبحانه لم يلصق تلك الصفة: (النجاسة أو النقص) التي تجعلنا نكرر تلك العبارة حين ترد أسماء تلك الحيوانات الثلاثة، وحتى في تاريخنا وموروثنا العربي الإسلامي لم أجد تلك العبارة (أعزكم الله) تكتب بعد ذِكر الثلاثة طيبي الذِكر.

تعلمنا ونحن في مراحل مبكره عبارات وتم ترسيخها في عقلنا الباطن (اللا واعي) على أن لها قدسية من نوع ما، ولا تقال إلا في سياقات محددة، ولفئة معينة من الناس، وبوعي أو لا وعي، وبإدراك منا أو عدمه نكتبها، إن كنا نكتب، أو نقولها إن كنا نتحدث، بعد ذكر هؤلاء الأشخاص، ومن ذلك على سبيل المثال: أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) ويشمل ذلك عمر وعثمان وعلي وبعض من الصحابة وليس الكل.

والسؤال: لماذا؟ ولماذا لا تكتب هذه العبارة أو تقال عند ذكر أسماء صحابة آخرين؟

– ماذا لو قلت أبو بكر يرحمه الله؟

– هل (رضي الله عنه) عبارة قدسية أو لها مرجع ديني وعقدي؟ هل (رحمه الله) أقل في الثواب والأجر؟

– هل أُثاب على قول: رضي الله عنه، وأُعاقب على: رحمه الله؟

– هل أنتقص من مكانة أبي بكر الإسلامية والتاريخية إن اتبعت اسمه بقول: رحمه الله؟

– هل لو قلت: علي الأزوري -رضي الله عنه- أرتكب جناية لغوية وعقدية؟ هل يؤدي ذلك للخروج من الملة؟

– هل تقيدّنا اللغة أم نحن من نقيدّ اللغة (بسلاسل ذهنية) وتبعا لذلك نقيد أنفسنا وتطورها اللغوي؟

هنا أعود لكلام صديقي عن تعلم الطفل للغة واحتمال معنى واحد للكلمات، والتطور المقيد.

لا حرج إذًا في أن نغير من بعض العبارات التي ألفينا عليها آباءنا، والتي ستطور من لغتنا التي نعلمها لأبنائنا.

علق صديقي على ما أعلاه بعد أن أرسلت له مسودة خربشتي فقال:

“إن تقييد التطور اللغوي متى ما تحقق يتيح السيطرة على العقل والفكر والخيال.. ثم تنفس بعمق، هذي من عندي تخيلته ولاّ رسالته على الواتس، وأكمل: لذلك تجد موقفًا صارمًا، وأحيانًا تكفيريًّا ضد المجاز عموما”.

ذكرني صديقي بالشهادة/ ما اعرف أي وحدة عنده، دكتوراة (بالثغرة التي كتبت عنها سابقًا في خربشتي) الإنسان/ الإله( تلك الثغرة التي يستطيع البعض النفاذ منها إلى وعي الكثير، فينحتون ما يريدون في ذاكرة وإدراك أتباعهم، أو من يقرأ ويستمع لهم، فيرسمون لهم خطًّا لا يحيدون عنه لحياتهم الفكرية والدينية والاجتماعية.

و تناقشنا عبر (واتساب) حول تقييد اللغة ومن يقيد الآخر، وأضاف إلى معلوماتي البسيطة رأيًا لإدوارد سعيد: فهو يرى أن اللغة العربية لغة رياضة Athletic Language .

وأتم فكرته: الرياضي عندما يتوقف عن ممارسة الرياضة تضمر عضلاته ويصبح عاجزًا، وكذلك اللغة تعاني Language Attrition .

قلت لصديقي: أتفق معك أننا نحن من نـقـيدّ اللغة، وأذكر ما ظهر في الثمانينات والتسعينات ميلادي على أنها مجامع لغة في بعض البلدان العربية، وكنت أسميتها مجامع قل ولا تقل. كتبت مقالا بنفس العنوان ونُشر في مجلة اليمامة في أواخر التسعينات ميلادي من القرن الماضي. تلك المجامع أضرت باللغة أكثر من نفعها، فما الفائدة من قول الرائي بدلًا من التلفزيون، أو الهندسة العمارية بدلا من المعمارية.

تخيلت نفسي أقف في محل أدوت كهربائية والبائع من شبه القارة الهندية، وأقول له: أريد أن أبتاع رائيا ومذياعا وصيخودا (الميكرويف)، وهو ينظر لي وقد جحظت عيناه ويقول: أنت رفيق في جني (اللهم سكنهم مساكنهم).

أضيف لرأي إدوارد سعيد أن كل اللغات الحية رياضية وتتفوق على العربية خصوصًا الإنجليزية. إن ما يميز اللغة الإنجليزية أنها تأخذ من كل اللغات ولا تؤنجلز، بمعنى أنها لا تحاول مثل العربية تعريب المفردات؛ كلمة جهاد وانتفاضة على سبيل المثل دخلتا القاموس في الإنجليزية كما هما، وتنطقان بنفس الطريقة، وبذلك أضافت لقاموسها مفردتين، ولم يتوقف الأمر عند ذلك فأخذت من الفرنسية والأسبانية، …إلخ.

نحن من حجَّمنا وقيدّنا لغتنا بسبب تقعرنا، وأجزم أن أولئك الذين يعُرّبون المفردات الأجنبية عندما يستخدمونها يجدون حرجًا في لفظ (صيخود) بدلًا من (ميكرويف).

وعلى رأي إخواننا المصريين: (دا اسم بتقابل بيه ربنا يا راجل!؟)

 عمتم مساءً.

بقلم/ علي عويض الأزوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى