إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

كبرياء في سماء الحب

كبرياء في سماء الحب

قصة سردية للكاتب والسيناريست/ خالد السيد علي

ــــــــــــ

كنت أتمنى أن تصبحين طيرًا في سمائي، ولكنك لا تجيدين الطير بالمهارة المطلوبة

*****

لا يحب الكذب ولا الخيانة ولا الضوضاء.. هو يعيش حياة غريبة بالنسبة لمن يعرفه ولكنه على يقين من أن مبادئ شخصيته هي خير المبادئ.. يعشق الليل والبحر والقلم والإبداع، فهو قصاص.

سار على درب واقعي خيالي، فلا واقعية بلا خيال أنه يحلم بعالم فاضل يتعامل بالمشاعر والأحاسيس والود، لا بالمال والمصالح. يشم النسيم الطاهر، لا شوائب ولا دخان ولا عوادم، إنه لا ينظر إلى المظاهر بقدر ما يسبح في النهر المؤدي لسر أخلاقيات البشر، يطهي لحظات مشعة ليست بها فتور أو ملل، يأكل الصبار وعناقيد المر بسخرية ليستمر في تجديف مركب الحياة.

ظل يفتش على مدار عمره عن المرأة التي تكمن بداخلها ملامح وصفات وعادات وتقاليد ومبادئ تناسب فكره وكيانه. امرأة تقف معه في الظلام لتخرج معه النور، امرأة صارمة في قراراتها ولكن خاضعة لقراراته، امرأة من نوع خاص غير كل النساء، امرأة تجذبه لأعلى لا لأسفل، صبورة إلى منتهى الصبر، وها هو يتلمس هذه الأشياء في امرأة فارعة متوسطة الجمال رائعة الرحيق، يُسدل شعرها الأسود على الكتفين، تلمع عيناها بالبريق، فمها الرقيق ينم عن الصدق، أعلنت عليه الحب وهي تقول أحببتك حبًّا كبيرًا وأنت؟.

كان ينقب عن المرأة التي تحبه أولًا وتنتبه إليه، وتتلهف عليه، وتتبعه في كل مكان، وتتعقب أخباره وتولع بغيرتها الجمة عليه، ثم يأتي بعد ذلك حبه لها وتقديره لها طالما يتوافر فيها شروط الارتباط المقدس.

كان حريصًا كل الحرص ألا يأخذ من يختارها،فلا بد أن تختاره هي ثم يبحث في نفسها عن ما يحاور خاطره، فإذا وجده كان لها الشرف أن تنال اهتمامه وبالتالي الجلوس علي عرش الفؤاد.

السمــــاء الأولـى:

ها هي حبيبته تبتسم بالاستبشار، فهي تعشقه عشقًا.. وتحاول الوصول إلى منتهاه، ماذا يحب وماذا يكره؟ هي تناضل من أجل استمالته إلى عنفوان حبها.

فتح كراسة أفكاره قائلًا لها بصرامة تغلفها بسمة:

عليكِ بالصوت الخافت وعدم الثرثرة للتقرب من أسلوب تخاطبي، وعليكِ أيضًا بالتغير والتجديد ليومياتنا، وعليك بالمشاعر الفياضة. والشيء المهم أن تفصلي بين العلاقات الآتية:

– علاقتي بكِ أمام الناس.. وعلاقتي بكِ أمام أولادنا، وعلاقتي بكِ على فراش الزوجية، لا تخلطي بينهم نهائيًّا، كوني في حذر شديد؛ يؤلمني هذا الخلط، ولا تنمي عن أصداء الأحاسيس أمام الملأ.

قالت له بنعومة الأسلوب والكلمات الساحرة والهمسات واللمسات والخنوع المصطنع، أنها طوعه، فهو الرجل الأول والأخير في حياتها، وهو فتى أحلامها شاب غير متهور، متزن، ذو مبدأ، يواجه الأيام بصدر رحب وسخرية كأنه يدرك ما خلف الأيام وكأنه اكتشف الشيء الذي لم يُكتشف.

السماء الثانيـــة:

تزوجا ومزجتهما الحياة بمقتطفات من عالم الخيال، كان حذرًا جدًّا من التهور في تفريغ كل مشاعره وأحاسيسه وحبه لزوجته، خوفًا من الوقوع في فخ الضعف الساحق كلما انساق وراء عواطفه وأحس بأن الحب سيكون قائده ومسيرته كلما أطاح بكل شيء ليعود إلى نسبة الشحنة المزاجية التي لا يريد الخروج عنها.

الخطر الذي يخشاه هو الحب الشاهق؛ ففي اعتقاده أن البذخ في المشاعر الزوجية يجعله صاغرًا، وهزيل الشخصية، ومن ثم الانحدار إلى مطالب حبيبته النفسية، وربما يكون رأيها هو الأرجح وبالتالي تتربع هي على قمة قلبه عنوة وتصبح هي الحاكم الناهي في شئون الأسرة ويذوب في دوامة الرغبات، كما كان يرى الحب في بلاط صاحبة العظمة بعض الرجال خاضعين للزوجات.

إنه يشجب هذا لأنه سيجعله بلا شخصية.. فمن المحال التنازل عن كل مبادئه التي كان يشهرها أمام الرجال الذين سبقوه في الزواج.

كان يسأل

– أمعقول سأصبح مثلهم؟!

السماء الثالثــة:

بعد مرور ستة أشهر زواج رفع النقاب عن أرجاء طقوسها وأسرارها، بالبصيرة والتجارب الطويلة في أجناس البشر وعلاقاته الشخصية المتنوعة، أحس بل أيقن أن زوجته التي سبحت خلفه واستخدمت كل الحيل والأساليب النسائية ليكون هو صيدها وبالتالي شريك حياتها هي التي كانت مرسومة في خياله ولكن انهيار كل العهود المتفق عليها قبل الزواج كان هو الفيصل للمواجهة المريرة.

– آسف زوجتي العزيزة.. لقد اهتزت كل قوانين معيشتي معك، والتي اتفقت معكِ عليها؛ أنتِ السبب؛ لقد خُدعت وخانني الشعور للمرة الأولى والأخيرة، فسقوطي في شبكة كلامك الوردي وطاعتكِ الجميلة خطأ لن يتكرر، أنتِ خالفتِ كل الاتفاقات، دمجتِ كل العلاقات، نسفتِ كل التطلعات، قمتِ بإفشاء الأسرار، ثرثرتِ، زادت التعصبات.. زادت بلا مبرر. كثيرًا ما سامحتكِ، ولكن بلغت مدى صبري؛ حاولتِ بشتى الطرق المقصودة وغير المقصودة أن تجعلي مني زوجًا مثل باقي الأزواج؛ تابعًا لزوجته: لرغباتها، لرأيها، ولكنكِ نسيتِ من أكون و ما طبيعة عقلي ربما قبل الزواج قلت لنفسك إنها اتفاقات ستتغير عاجلاً أو آجلًا.

لكل امرأة أسلوب في ترويض زوجها ولكن الهدف واحد هو السيطرة.

– آسف تارة أخرى (قال بدفعة كامنة) أرفض أن أكون خشوعًا لمشاعري ولحبي الحقيقي مثل الذين كنت أسخر منهم، فعندما يخيل للحب أنه امتلكني وأصبحت رهن إشارته سيكون هذا يوم نهاية كبريائي لأني سأكون ضعيفًا، وأنا لا أحب أن أكون من الضعفاء؛ شلال من الدموع كعادة النساء عند اكتساب المعركة من الرجل.

قالت: 

– ربما أكون قد خالفت طاعتك ولكن أنت الرجل، اعطني فرصة أخرى، أنت الحب.. أنت.. وأنت.. و …

لم تقل هذا إلا عندما شعرت أن زوجها هم بالرحيل عنها وربما لغيرها فستكون هي صاحبة الخسارة الكبرى.

أكملت بلهفة وتململ: 

– إني أحمل في أحشائي طفلك، ها هو يدب في نفسي منذ شهر واحد.

القرار كان حاسماً ولا رجعة فيه.. رغم مفاجأة الحدث، قال:

– سأتولى تربية طفلي والإنفاق عليه، سواء كان معكِ أو معي، ولن أشعره بنقص، ولكن لم ولن أقبل أن أستمر في المهزلة الزوجية، ولن أتنازل عن مبادئ وقيم وأساليب حياتي التي صنعتها بنفسي ومؤمن بها مقابل رغبات النفس، لقد منحتكِ فرصًا بعدد خصلات شعرك وأنت تعلمين ذلك، كنت أتمنى أن تصبحين طيرًا في سمائي، ولكنك لا تجيدين الطير بالمهارة المطلوبة، أنت لا تصلحين إلا أن تكوني امرأة برية، نعم برية، لا تتناسب مع طقوسي. آسف.. آسف.

تمت.

للكاتب والسيناريست/ خالد السيد علي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88