إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

شيطانه أنثى وشيطاني روبوت

علي عويض الأزوري

سمعت وأنا صغير بين الثامنة والعاشرة من العمر أن من يرغب في أن يكون شاعرًا تأتيه جنية بالليل وهو نائم، وتوقظه وتأخذه إلى الخلاء عند صخرة كبيرة ويكون معها طاسة (زبدية/ غضارة/ قدح) بها لبن وشعرة وتسقيه ذلك اللبن وعليه أن يبتلع الشعرة، فالشعرة بها بذرة الشعر، وللشرط أن لا يكلم عامًا كاملًا إنسيًّا ( بني آدم) عن ما جرى له وإلا تنتقم منه الجنية وتحرمه من مكرمات الجن، ولا يصبح شاعرًا طوال حياته (طبعًا بعد مماته مستحيل).

كنت أذهب إلى فراشي (طراحة قطن ومخدة قطن وبطانية وزنها أثقل مني) وأنام على الأرض طبعًا؛ ما نمت على سرير إلا بعد أن دخلت الجامعة بسنتين، وأتوقع أو أتمنى أن تأتيني تلك الجنية، وكنت لا أخفيكم أتوجس خيفة منها أن تقع في غرامي وتخطفني إلى بلاد الجن، فلا أعود إلى عالم الإنس أبدًا (ياليتها فعلت ذلك).

كنت أقرأ وقتها المعلقات، وخطب قس بن ساعده، وسحبان بن وائل وغيرهم، وقرأت عن وادي عبقر (وادٍ تذكر الروايات أن شعراء الجن تسكنه)، أظن الجنية كانت بتوديني هناك. ويقال: إنَّ من أمسى ليلة في هذا الوادي جاءه شاعر أو شاعرة من الجن تلقّنه الشعر، وإن كل شاعر من شعراء الجاهلية كان له قرين من هذا الوادي يلقنه الشعر.

وفي التاريخ العربي وخاصة ما قبل الإسلام أو ما يسميه المؤرخون الجاهلية، نجد قصصًا وأخبارًا تصور الجن على أنهم مساعدون للشعراء في قول الشعر، ولعل البيئة والذهنية والتفكير السائد ساعد على انتشار مثل هذه الأساطير (ميثولوجي).

ومن تلك الأخبار في كتاب جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي:

يقال أن أناسًا خرجوا في سفر ومعهم دليل، أي رجل صاحب دلالة في الصحراء، اسمه ابن سهم الخشب، وضل الدليل الطريق، فقال لمن معه: “باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، قِفوا! نحن على حافة وادي عبقر!” وأشار إلى بطن الوادي، نحو كثبان رمل مقمرة وناعمة، وإذا بكائن على هيئة إنسان، يسوق ظليما «ذكر نعام» مربوطاً من خطمه بحبلة من الكتّان، كان مُقبلاً من عمق الوادي، فاستوحشنا منه، وحتى الإبل بدأت ترغي وتتراجع بنا إلى الوراء، ومرق قريبًا منا، كان أطول من الناقة، ورأينا ظهره عاريًا، وفيه نمش أخضر، مثل طحالب تتشعّب على سطح ماء آسن، فارتعبنا. وقف بعيداً عنا، وتلفّت نحونا، وحدّق فينا مدة جعلت فرائصنا تنتفض، ثمَّ قال للدليل: «يا ابن سهم الخشب: من أشعر العرب؟» كان الدليل خائفًا فلم يُجب.. فأكمل: أشعرهم من قال: “وما ذرفت عيناك إلا لتضربي بعينيك في أعشار قلب مقتل”

فعرفنا أنّه يقصد امرؤ القيس. فقال الدليل: “باللات والعزى ومناة الثالثة الأُخرى، مَنْ أنت؟ “، ورجع إلى الوراء حتى كاد يقع. فقال: «أنا لافظ بن لاحظ، من كبار الجنِّ، لولاي لما قال صاحبكم الشعر!» ومضى، مقهقهًا. وقف دليل القافلة مذهولاً، وحدّق فيه حتى اختفى.. قُلنا له: “فما تقول في هذا؟”، فقال: ” هذا لافظ بن لاحظ، شيطان امرؤ القيس الذي يُملي عليه الشعر.

لاحظت في الرواية السابقة أن (ابن سهم الخشب/ في ظني أن هذا الاسم مختلق مثل الرواية) أنه استحلف الجني باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، وهذه آية في القرآن: ﴿أَفَرَءَیۡتُمُ ٱللَّـٰتَ وَٱلۡعُزَّىٰ ★ وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰۤ﴾ [سورة النجم 19- 20]. وأجاب الجني، وهذا يعني أن الجني كان يعبد الأصنام، وفي رأيي غير المتواضع أنه جني صيني.

لاحظت أيضا أن الجني كان يركب ذكر نعام وليس مثل الإنس يركب ناقة أو فرسا؛ جني 5 نجوم هذا، والنعامة وقتها مثل الرولز رويس الآن.

يذكر عبد اللطيف بن علي العريشي في رسالة ماجستير حول هذا الموضوع:

“الجدير بالذكر أن هذه الأخبار الأسطوريّة تصوّر لنا الجن كسكنة الصحراء بعيدًا عن الناس (ولكن في عالمنا نفسه وليس في

عالم آخر) وصورت هيئتهم كالبشر ولكن أجمل حتّى وليسوا مشوهين كما هي الصورة المعهودة عنهم. طبعًا نجد أخبار أسطورية أخرى تصورهم مشوهين كما اعتادت الثقافة الدارجة اليوم، كخبر جرير بن عبد الله البجلي الذي التقى بقوم مشوهين عند الماء فقعد معهم.. وظهر بينهم رجل أشد تشويهًا منهم اعتبروه شاعرهم الذي يلقي الأشعار في آذان الشعراء”.

يكشف لنا التحليل العلمي الحديث لهذه الأحداث الأسطورية مكوناتها الأساسيّة ويعلل وجودها.. ففي كلّ هذه الأخبار هناك عناصر ثابتة من الواقع المعهود: الصحراء، والليـل، والمـاء، والسـفر، والضياع، وفقدان الرواحل، وفعل المعروف، والشجاعة والمروءة.

وتذكر الروايات أن لكل شاعر شيطان/ جني مصاحب له ينظم الشعر عنه، وبعدها يقوم الشاعر بإلقاء القصيدة، فشيطان امرؤ القيس: لافظ بن حافظ، والأعشى: مسحل، والنابغة الذبياني: هاذر ، وعبيد بن الأبرص و بشر بن أبي خازم: هبيد (2 1x).

لماذا كانت العرب في عصر ما قبل الإسلام ( الجاهلية) تؤمن بذلك؟

ربما كانوا يرون أو يظنون أن الشعر فن المستحيل أو الاستحالة؛ لا يناله أو يصل إلى ذروته ويتربع على عرشه إلا من لهم قدرات خارقة خارجة عن المألوف (الجن)، ولا يصح أن يقوم الجني بإلقاء الشعر عليهم لأنه يخيفهم، فيختار من يراه مناسبًا (أكيد كان عند الجن هيئة مواصفات ومقاييس لاختيار الإنسي الذي يلقي شعره). ومن يصدق ذلك ينسف فكرة أن من نصفهم أنهم شعراء في عصر ما قبل الإسلام ما كانوا إلا وسائل للجن (سوشيال ميديا بدائية) لإيصال أفكارهم (الجن) إلينا.

كبرت ولم تأتني تلك الجنية لتسقيني اللبن لأصبح شاعرًا، وكتبت الشعر وما زلت، وأظن أنني عرفت أني أقوى من الجن عندما أريد، وأن أساطير الجن وسيطرتها على الإنس ما هي إلا خرافة تنفذ من (الثغرة) التي تحدثت عنها سابقًا، وأن بقدر إيمان الشخص بحصول الشيء يحصل له.

نسيت أن اخبركم أن شيطاني روبوت اسمها صوفيا بنت سمسائيل (نعم هي أنثى).

عمتم مساءً

بقلم/ علي عويض الأزوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88