إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

مشكلات أزلية تنبثق عن الديمقراطية

حين ننظر لنماذج من الحياة الواقعية وفي جوانبها السياسية بالذات نجدنا أمام طرفان، كلاهما على خطأ. طرف يقول: الإسلام قدّم لنا الحلول الكاملة فلا حاجة لنا باستيراد حلول من غيرنا. وطرف يقول: نحن بحاجة إلى الديمقراطية بكل مكوناتها لأنها الحل الكامل النهائي لمشكلة الحكم والسلطة.

والقاعدة الفلسفية للإسلام تقوم على عبودية الله المطلقة وعلى نظرة مفصَّلة متكاملة للإنسان والوجود، للحياة ولما بعد الحياة، فيما تقوم القاعدة الفلسفية للديمقراطية على المادية والفردية وتقتصر على الوجود الدنيوي، فلا تقدم أي إجابة عن الأسئلة الكبرى: لماذا وُجدنا في هذه الدنيا وإلى أين نمضي بعدها؟ الفرق الثاني أن الإسلام يقتصر -في مجال الحكم والسياسة- على تقديم مبادئ عامة وقواعد أساسية ويترك إبداع الآليات والوسائل للناس، أما الديمقراطية فإنها تملك نظاماً متكاملاً يقدم إجابات عن أكثر التفاصيل.

في أول عهد المسلمين بالإسلام ومع نشأته وبالذات فيما بعد نشره أدركوا أنه   لم يقدّم لهم سوى مبادئ الحكم الإسلامي الرشيد فحسب، فاجتهدوا في إبداع آليات الحكم وأدواته المناسبة، واستوردوا كثيراً منها من الأمم الأقدم حضارةً والأكثر خبرةً. وكان ينبغي أن يستمروا في تطوير تلك الأدوات والآليات والوسائل التي تحقق مبادئ الإسلام وقِيَمَه، لكنهم لم يفعلوا، ليس لأنهم عاجزون، ولكن لأنهم لم يحتاجوا إليها أصلاً، وإذا انتفت الحاجة سقط الدافع إلى العمل.

وممن ينادون بالديمقراطية في عالمنا العربي يصفونها بالكمال لكن هذه الدعوى والوصف أشعر بأنه نوع من المجازفة  لا نستطيع التسليم بها، لأن اختيار الأمة الحر الصافي القائم على الانتخابات والاستفتاءات العامة أمرٌ نظري لا يمكن تحقيقه عملياً، فالناس يتأثرون بالإعلام، ولا بد أن تنحاز أصواتهم واختياراتهم أحياناً -تبعاً لتأثرهم- فتترك الأفضل وتذهب إلى المفضول. ولعلنا عرفنا ذلك في كثير من البلدان العربية  والأجنبية التي جعلت اختيارات الشعوب معتمدة على الخطأ وبعيدة عن الصواب في كثير من الأحيان .

كذلك في ظل الانتخابات إذا مُنِح الكل أصواتاً متساوية ظُلم أصحاب المواهب والقدارت الأعلى، وهي مشكلة انتبه إليها أفلاطون منذ وقت طويل وبسببها رفض الديمقراطية. وربما كانت الأغلبية في مجتمع من المجتمعات ناقصة الإدراك فتسببت في سحب المجتمع كله بعيداً عن الصواب .

وحيث أن كثير من المشكلات غير ماذكرته تطفو على السطح  و موجودة في النظام الانتخابي والتمثيلي الذي تتبناه الديمقراطية، ويعترف بها ويناقشها ويسعى إلى إصلاحها أصحابُها أنفسهم قبل أن نصنع نحن ذلك، لكني أعترف رغم هذا كله: على ما في هذا النظام من علل فلا يوجد أفضل منه لحل مشكلة السلطة واختيار وإدارة مؤسسات الحكم، وهو قطعاً أفضل نموذج استطاعت البشرية تطويره على مَرّ الزمان، ولو تركناه فسوف نعود إلى الفوضى وإلى الاعتماد على القوة لحسم خلاف السلطة. إن نظاماً ناقصاً يمكن إصلاحه خيرٌ من الفوضى والاقتتال، والعاقل مَن استفاد من تجارب الآخرين وخبراتهم ثم طوّرها إلى الأفضل. هذا ما صنعه سلفنا الصالح، وهو ما ينبغي أن نصنعه نحن اليوم.

المتنطع

ناجي بن سلطان الرين

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى