إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

رواية (السفاح) لمحمود سالم.. وسيكولوجية حب الأوطان وقيم الولاء والانتماء وأخطار الأمن القومي

محمود سلامة الهايشة

كل فترة ينفجر الوضع في إحدى البلدان العربية بأزمة عسكرية سياسية اقتصادية اجتماعية، وكأنها مفاجأة للجميع، وننسى الماضى وكأننا لم نقرأ ونعي التاريخ. تتفق أو تختلف معي عزيزي القارىء الكريم بنظرية المؤامرة، ولكن في اعتقادي الشخصي المتواضع: “ما التاريخ إلا مجموعة من المؤامرات”. ومع انفجار الوضع العسكري بالسودان في منتصف شهر أبريل 2023، وقتل الآلاف ونزوح مئات الألوف لدول الجوار وإجلاء الرعايا والبعثات الدبلوماسية منها لدولهم، فكان لا بد من إعادة قراءة ما كتب من إبداع من أكثر من ثلاثة عقود مضت، فوقع بيدي رواية “السفاح” للكاتب محمود سالم ورسومات الفنان شوقي متولي، والرواية صادرة عن مؤسسة دار الهلال بالقاهرة، في مايو 1990، وهي المغامرة رقم 171 ضمن سلسلة/ مجموعة الشياطين الـ 13 للشباب.

وكان أبطال تلك الرواية والذين يمثلون جانب الخير هم رقم (1) “أحمد” من مصر ورقم (3) “إلهام” من لبنان، أي أنها مهمة ثنائية فقط وستكون لمدة أسبوع واحد، هي وقت السفر للباخرة من المغرب إلى أمريكا في المحيط الأطلنطي، بالإضافة لرقم “صفر” الزعيم الغامض الذي لا يعرف حقيقته أحد؛ أما ما يمثل جانب الشر فهو الإرهابي والمرتزقة ومحترف القتل “جاك” السفاح. فالرواية تناقش قضية الإرهاب الدولي المنظم، من خطف وتفجير طائرات، وتفخيخ سيارات وقطارات، وقتل شخصيات مهمة، وسرقة بنوك، ومقاومة رجال الشرطة بالأمن الداخلي للدول، والقوات المسلحة بحرس الحدود والموانيء بالأمن الخارجي.

وسوف اسجل في السطور التالية وفي صورة بعضًا من المقولات الواردة بالرواية، تحت ما يعرف بروائع الأدب المصري:

“أنتم تعلمون أننا نعيش في عالم مضطرب قلق.. عالم مليء بالعنف والشر والجريمة، كأنما تلك هي سمة هذا العصر.. ففي كل زمان كان الخير موجودًا.. ولكن الشر كان ملازمًا له. ومن المؤسف أن بعض الناس قد امتهنوا الشر حتى صار علامة مميزة لهم؛ فلا يكاد يذكر اسم واحد منهم حتى يقفز إلى عقل الإنسان كل أنواع الشر والارهاب التي التصقت بهذه الأسماء.. أمثال القائد المغولي “هولاكو”، والامبراطور الروماني “نيرون”، وحتى “قراقوش”…. (رقم “صفر” – الرواية، ص6-7).

“أنتم تعرفون أن منطقتنا العربية حافلة ببؤر الصراع والاضطرابات، وأن الأعداء يحيطون بنا من كل جانب ويتربصون لانتهاز أية فرصة لإشعال النار في المنطقة” (رقم “صفر” – الرواية، ص16).

والأماكن التي ذُكرت تحديدًا داخل الرواية هي ميناء “الدار البيضاء أو كازابلانكا” (ص18)، مدينة “نيويورك” (19)؛ ومن وسائل المواصلات الباخرة “النجم الأزرق” العابرة للمحيطات.

ومن الواضح أن “إلهام” بداخلها مشاعر حب كبيرة جدًّا لـ “أحمد” ولم تصرح بها وذلك بسبب تورد وجهها بشيء من الحياء في أكثر من مناسبة داخل الرواية (صفحات 21، 24)، كما أنها ارتبكت عندما قدم لها أحمد وردة حمراء (ص31)؛ وصف لنا أحمد وإلهام الشكل والملامح الحقيقية للسفاح “جاك” من خلال آخر صور التقطت له عندما كان بسجن في انجلترا قبل هربه، ولكن من الدروس النفسية والسلوكية التي يمكن أن نتعلمها من تلك القصة المثيرة هي (أن من يغير من ملامحه، فمن المؤكد أنه لن يستطيع تغير طباعه وعاداته، وخاصة من تخطى سن الأربعين، فالشخص ستفضحه تصرفاته مهما حاول أن يخفيها).

شعرت “إلهام” بالخجل (ص35).

حيث اعتمد البطل “أحمد”، والبطلة “إلهام” على مراقبة سلوك وتصرفات مع الشكل الظاهري لركاب الباخرة لكي يستطيعون كشف السفاح الهارب “جاك” من وسطهم بعد أن غير من شكل وملامح وجهه حتى لا يتعرف عليه أحد، أي البحث النفسي من خلال ما يصدر عن كل شخصية من حركات وأفعال وكلام، وهي مهمة ليست بالسهلة، فهي كمن يبحث عن ابرة في كوم قش.

هل من خلال مراقبة وجوه الركاب يستطيع أحمد وإلهام اكتشاف شخصيته هذا المجرم؟! بالطبع لا، وجاءت الإجابة الشافية على لسان أحمد ردا على هذا التساؤل من قبل إلهام قائلاً: (.. يبدو أن ذلك السفاح لديه مهارات لا حد لها وأنه نجح في تقمص الشخصية التي اختارها لنفسه) [الرواية، ص57].

وهل يمكن أن تعرف المجرم السفاح من ماركة مسدسة؟!:(طراز كولت 1911 “له خزينة بثماني طلقات.. وهو من المسدسات التي يفضل رجال العصابات استعمالها بسبب دقة تصويبه) [الرواية ص40].

وقد قام الفنان التشكيلي “شوقي متولي” برسم عدة لوحات فنية وبورتيريهات بديعة لشخصيات وأحداث الرواية طٌبعت ملونة داخلها صفحات (13، 20، 23، 26، 30، 32، 42، 59، 60، 65، 68، 70، 72، 77، 80، وجاء آخر فصول الرواية وهو السابع أكثرهم رسومات)، وهناك رسمه واحدة وضعها المخرج الفني للكتاب للفنان شوقي متولي في بداية ونهاية كل فصل من فصول الرواية. وقد قسمت الرواية لعدة فصول عنونها المؤلف بـ: – الفصل الأول: مهمة ثنائية (ص5-22).

– الفصل الثاني: البحث عن جاك السفاح (ص23-36).

– الفصل الثالث: الكولونيل الأمريكي (ص37-51).

– الفصل الرابع: اكتشاف متأخر (ص52-60).

– الفصل الخامس: محاولة للقتل (ص61-70).

– الفصل السادس: جريمة جديدة (ص71-83).

– الفصل السابع: السفاح (ص84-94).

علما بأن الرواية تقع في 94 صفحة من القطع الصغير، ورقم الإيداع بدار الكتب والوثائق بالقاهرة هو 3962/ 1990.

ومن الأخطاء المطبعية الورادة في متن الرواية:

خطأ في السطر السادس بالصفحة 38.. وهو: (.. تساءل “جاك” في قلق وتوتر، هل يمكن أن يكون الكولونيل هو “جاك” السفاح بالفعل؟..)، والصواب هو (.. تساءل “أحمد” في قلق وتوتر، هل…).

خطأ بالسطر العاشر بالصفحة 56.. وهو: (… للاطمئنان عيله)، والصواب هو (للاطمئنان عليه).

غلب القلق على “إلهام” عندما سألت أحمد “وما العمل الآن؟!” (ص45)، بالقلق والتوتر حالة نفسية لابد منها، فكل تأكيد مهمة كشف شخصية “جاك” السفاح ومحاولة تصفيته أمرًا ليس بالسهل.

والمغامرة التي تمت بين إلهام وسمكة القرش، ثم بين أحمد تلك السمكة وإنقاذه لإلهام من الافتراس المحقق في مياه المحيط، كانت مثيرة للغاية. وقد برع الكاتب في وصفها بشكل دقيق، تقرأ تفصيلها كأنك تشاهدها بالصوت والصورة المصحوبة بالموسيقى التصويرية، تقرأ وجميع مشاعرك وحواسك كمتلقي مشدودة وعينيك تلتهم السطور لكي تعرف وتدرك ماذا سيحدث للبطلان!

تتسارع وتيرة النص السردي الرواي من فصل لفصل، بل تزداد الأحداث إثارة ومتعة وتشويقًا، وتكاد تكون معظم المشهد في النصف الثاني من الرواية عبارة عن اكشن، تقرأ الأحداث وتشعر كأنك تسمع الأصوات والموسيقى المصاحبة لها، فيما يمكن أن أطلق عليه موسيقى النص الروائي. ومن سلاسة الأحداث ورشاقة النص الروائي لدى الكاتب والروائي محمود سالم، تعد تلك الرواية من الروايات التي تصلح للتمثيل الإذاعي على هيئة مسلسل مكون من سبع حلقات، حيث يكون كل فصل من فصولها حلقة مستقلة بذاتها، وقد انتهت الرواية بالنهاية بانتصار الخير على الشر.

بقلم الكاتب والباحث المصري/ محمود سلامة الهايشة 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88