زوايا وأقلاممشاركات وكتابات

رد على مقال الأستاذ حماد السالمي في الجزيرة

بتاريخ 19 مارس 2023، كتب الأستاذ حماد بن حامد السالمي مقالًا انتقد فيه ثلاثة أعمال تناولت تاريخ الجزيرة قديمًا وحديثًا. وبما أنني المؤلف الوحيد بين الثلاثة الذي ما زال على قيد الحياة، أتمنى عليكم نشر هذا المقال من باب حق الرد المتعارف عليه في الأدبيات الصحفية.

يضع الكاتب الأعمال الثلاثة وهي كتاب تاريخ المستنصر من القرون الوسطى، وكتاب تاريخ اليهود في الجزيرة وهو من بداية القرن العشرين وكتاب “التوراة الحجازية” المنشور في 2020 في إطار المؤامرة الصهيونية على جزيرة العرب! ويتساءل بتعجب: ماذا يراد بنا؟

لم يجد ما يرد به على ابن المجاور (601- 690هجرية) وهو الذي بحسب الأعلام للزركلي مؤرخ وعالم بالحديث من الكتاب، واسمه جمال الدين أبو الفتح يوسف بن يعقوب الشيباني، ولد وعاش ومات في دمشق، سوى أن والده من مواليد زنجان، فجعله الأستاذ السالمي فارسياً حاقداً على العرب، علماً أن معظم الذين وضعوا كتب الحديث كانوا عرباً من الذين رحل أجدادهم لبلاد فارس وما وراء النهر مع الفتوحات العربية، لنشر راية الإسلام في تلك البلاد.

أما عن المؤلف المصري إسرائيل ولفنسون الذي كتب كتاباً قيماً عن تاريخ اليهود في جزيرة العرب، والذي قدم له طه حسين في العام 1927، وهو زمن نشر الطبعة الأولى من الكتاب في مصر، فظن السالمي أن طه حسين كتب له التقديم في سنة وفاته في العام 1973! مع أن المؤلف كان قد غادر مصر في أثناء الحرب العالمية الثانية، وتوفي في العام 1980، فاتهمه السالمي بأنه نشر الكتاب في 2018 أي بعد وفاته ب 38 عاماً، ووفاة طه حسين ب 45 عاماً، حتى لا يكتشف طه حسين المخدوع أفكار ولفنسون الصهيونية!

أما ثالثة الأثافي فكانت فيما ذكره عن كتابي “التوراة الحجازية”، والأستاذ السالمي نفسه كان حاضراً في جلسة أدبية في الطائف في شهر أكتوبر 2022، وتم تقديمي للجميع على أنني باحث في موضوع التوراة منذ العام 1984، وأنني عملت في المملكة سابقاً لمدة 13 سنة، ومتزوج من أسرة معروفة منها منذ العام 1980. وقد شرحت في اللقاء بأن علامة الجزيرة حمد الجاسر كان محقاً عندما قال بأن إحداثيات الدكتور كمال الصليبي كانت خاطئة لجهة تركزها في عسير، لكننا نجده في حديث لمجلة العرب في جمادى 1411 هجرية يتمنى لو حقاً كانت جزيرة العرب مهد كل الأنبياء والمرسلين، وأن ذلك سيكون مدعاة فخر لكل أبنائها، فالجاسر لم يرَ في ذلك مدعاة لأحد بحقوق تاريخية مزعومة.

منهج البحث الذي اتبعته لم يكن من تشابه الأسماء كما ظن الأستاذ السالمي، وقد شرحت في اللقاء إياه بأني قرأت التوراة العبرية بلغتها الأصلية، وهو فرض كفاية لم يقم به مفكر إسلامي من قبل، والجديد كان في قراءتها بكامل حروف السامية الـ(28)، بينما قراءتها عند أهل الكتاب اقتصرت وتقتصر على (22) حرفًا فقط، علمًا أنه ما من لغة سامية حية تقتصر في كلامها على (22) حرفًا كما جعلوا اللغة العبرية المستحدثة! وقد بينت للحاضرين، وكان الأستاذ السالمي يجلس إلى يميني، بأن الفكرة أتتني من المصاحف الأولى والتي وإن دونت بخط حجازي من (22) حرفًا إلا أنها كانت بالطبع تقرأ بكامل حروف العربية الـ (28). بالنتيجة تبين لي بأن النصوص الأصلية دونت بعربية الجزيرة قبل 3500 سنة، ولغتها ما تزال مفهومة بنسبة لا تقل عن 90% بشهادة الكثيرين، ولدي تسجيلات عديدة على يوتيوب في أمثلة عن هذه القراءة. وفي النصوص مئات الأسماء التي تتطابق إحداثياتها مع أماكن في غرب الجزيرة، والأمر ذاته عن عشرات الأقوام. وقد نشرت النتائج بداية في كتاب “التوراة الحجازية” عام 2020، ثم النصوص التابعة لـ 247 فصلًا تاريخيًّا من العهد القديم في كتاب “التراث المأثور” الذي صدر حديثًا، وهو يوثق لغويًّا ما جاء في الكتاب الأول عن أن جميع الأنبياء والرسل المذكورون في القرآن كانوا من أهل الجزيرة.

فبدلاً من اللجوء لاسطوانة نظرية المؤامرة المتكررة، كان حريًّا بالأستاذ السالمي الدعوة لمناقشة الكتب بطريقة علمية، والاستفادة منها في الدعوة بين أهل الكتاب، سيما وأنها تتكلم عن مواصفات النبي المنتظر، لأننا إن استطعنا الإثبات لهم، من كتبهم أنفسها، أنه محمد عليه الصلاة والسلام، يكن ذلك أهدى للحق، ونكون قد خطونا خطوات متقدمة في سبيل ظهور شريعته على الدين كله، وكفى بالله شاهدًا ووكيلا.

د. محمد مصطفى منصور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى