إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

والذكريات (8)

علي عويض الأزوري

عندما يلقي إنسان قصيدة في أي محفل كان، لا يتجاوز زمن الإلقاء 10 دقائق، لكنني عندما بدأت في إلقاء قصيدتي في حفل زواج ريتا ونيكولا جلست ما يقرب من الساعة لأنني كلما انتهيت من مقطع تتعالى الأصوات والضحكات “أعد. أعد”.

كانت القصيدة باللهجة اللبنانية وحازت على إعجابهم وأسرت جميع جوارحهم. هممت بالقيام والرجوع إلى الطاولة التي كنت أجلس عليها، فتلقفني بعض الجالسين على يمين المسرح (عرفت فيما بعد أنهم المدعوون وأقارب العريس، ومن كان يجلس على يسار المسرح وأنا منهم أقارب والمدعوون من أهل العروس). كانت ليلة من ليالي العمر التي لا أنساها؛ رأيت بها اختلافًا عن أعراسنا وعن حفل زواج صديقي الإنجليزي ديفيد نيوتن في بريطانيا، ويشبه إلى حد كبير حفل زواج أصدقاء لي في الأردن. ربما أتحفكم في يوم بالقصائد التي ألقيتها في حفلهم.

ذكرت في (والذكريات7) عن زيارتي الأولى إلى لبنان ومن عادتي عند نزولي في أي بلد أن أقضي الأيام الأولى في استكشاف معالمه؛ طلبت من موظفي الاستقبال في الفندق تنظيم رحلات سياحية لي بدءًا من اليوم الثاني لوصولي. ركبت الحافلة التي أخذتنا إلى مغارة جعيتا وهي عبارة عن مغارة ذات تجاويف وشعاب ضيقة، وردهات وهياكل وقاعات نحتتها الطبيعة، وتسربت إليها المياه الكلسية من مرتفعات لبنان لتشكل مع مرور الزمن عالمًا من القباب والمنحوتات والأشكال والتكوينات العجيبة يتجلى فيها الإبداع الإلهي مع تمرد الطبيعة على نفسها. تنقسم المغارة إلى قسمين:

– المغارة العليا: تتميز هذه الطبقة من المغارة بأنها تمنح زوارها متعة السير على الأقدام، وبعد عبور نفق يبلغ طوله حوالي 120 مترًا، يطل في الممرات بعد ذلك على الأقبية العظيمة الارتفاع، والموزعة فيها الأغوار بالإضافة إلى الصواعد والهوابط والأعمدة الكلسية وما إليها من أشكال مُبهرة.

– المغارة السفلى: يصل طول كهف جعيتا السفلي إلى حوالي 7 كيلومتر، وينخفض بمقدار 60 مترًا عن المعرض العلوي، ويعد هذا الكهف قاعة ضخمة تحتوي على رواسب كلسية مثيرة للإعجاب، ويجري خلال هذا الكهف نهرٌ تحت الأرض.

واستمتعت بزيارة غابة (أَرْز الرب) التي تقع بالقرب من بلدة بشرِّي. رأيت شموخ الأشجار الذي أخذ منه اللبنانيون شموخهم وأنفتهم.

كان لزامًا علي أن أزور كاتبي المفضل العملاق ميخائيل نعيمة أو نعيمي كما ينطقه اللبنانيون، (ناسك الشخروب) في (بسكنتا) الذي قرأت جميع كتبه وأنا في المرحلة الابتدائية، ثم أعدت قراءته وأنا في الخمسين، وكلما بدأت في التفكير في الكتابة أتذكر مقولته التي نقشتها في خلايا مخي: (كلما بريت قلمي براني).

تكررت زياراتي للبنان أكثر من 10 مرات، زرت فيها شتورا، وزحلة، والبقاع، وصيدا، وطرابلس. وأذكر أنه في أحد الصباحات البيروتية ركبت سيارة أجرة وطلبت من سائقها الخروج من بيروت إلى القرى. قضيت يومًا كاملًا أتنقل من قرية إلى قرية، وكان موسم جني التفاح، وتوقفنا عند أحد المزارع ونزلت وساعدت المزارعين في قطف التفاح وأعطوني سلة مليئة بالتفاح حلو اللون والمذاق حلاوة طبعهم وأرواحهم.

تبقى لبنان في ذاكرة فؤادي بلدًا جميلًا ومختلفًا عن كل البلدان التي زرتها. كتبت بها ولها قصائد أزعم أنها من عيون الشعر، ومما كتبته:

إلــى بـــيروتها

مــساءُ “الطائــــفِ” “لبــيروتْ”

تراقـــــــصَ فــي شـــــفاه الــــتــوت

بها أَلَـقــي

بها أرَقــــي

بها غـــــــرقي

نــبــيًّا يـبـتـغـــــــيـني “الحـــــوت”

…………………………………….

دعـــــــد

جســــــدٌ

يتحــــدث

في “المهــــد”

عيناها

“شِــــيــتا

والفَـــــهْــد

فـــــــــمها

محــــــــرابٌ

غار حــــــــــراءٍ

“معــــــبـــد”

والصوتُ

“زريـــــابٌ”

“معْـــــبَـــد”  المغني المشهور بالمدينة وسكينة بنت الحسين كانت تستأنس به

شــفـتاهــا

عيـــسى

ومحمـــــد

وماذا بعـــــد؟!

ثم. ماذا بعــد!

ثم. ماذا بعــد؟!

……………………..

وتتزاحم الذكريات

بقلم/ علي عويض الأززوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى