إسبوعية ومخصصةالإفتراضيزوايا وأقلام

الكتابة والحالة المزاجية

علي عويض الأزوري

(ما أوردته راقي ومتميز أسلوبًا ومحتوي، وتميز في السرد؛ ليتك تبقي دائما على هذا السمو في الكتابات، لكنك لا تبقي على حال، فما يميزك تعدد شخصيتك بين الجد والهزل، وبين الجدية والسطحية فيما تطرحه؛ تنوع المحتوي فن لا يقدر عليه إلا أمثالك، أبو ذي يزن، حفظك الباري عانيًا وزميلا وصديقا).

كان ذلك رأي صديقي العزيز وأخي الجميل بروفيسور علي بن فهيد الفعر. نعرف بعضنا منذ نعومة أظفارنا (مع أنه في الفترة التي عشناها لم تكن لنا أظفار ناعمة لعدة أسباب). والده ووالدي يرحمهما الله كانا صديقين (من الروح وفيها) كما يقال. كانا مثالًا للصداقة النقية الصافية المبنية على المحبة والاحترام المتبادل والسمو في التعامل، وورثنا ذلك عنهما.

أكرر دائمًا عندما أبدأ التفكير في كتابة موضوع أو قصيدة أو خربشة ما، مقولة كاتبي المفضل ميخائيل نعيمة: (كلما بريتُ قلمي براني.. لست من الذين يمسك بالقلم ويكتب ما يطرأ في خلايا مخه. أنا ابن بيئتي، ومنحني الله نعمة حُرم منها البعض وربما الأكثرية، ألا وهي: التفكير).

بدأت الكتابة منذ خمسين سنة وبضعة أيام وساعات وثوانٍ. نشرت في صحف ومجلات داخلية وخارجية متخصصة وغير متخصصة. لم أتقاض في يوم دانقا أو درهما على ما أكتب إلا مرة واحدة. كنت أنشر ترجمات من الأدب الروسي والصيني واليوناني في مجلة (نوافذ) التي كانت تصدر عن النادي الأدبي في جدة. (توقفت) وأرسل لي الدكتور عبد العزيز السبيّل -حينما كان مشرفا على المجلة- شيكا بمئتي وخمسين ريالا؛ مقابلا لقصة نشرت في المجلة، وما زلت أحتفظ بالشيك من أكثر من عشرين سنة؛ ذكرى جميلة.

ما كتبه البروفيسور (علي) عن معرفة قريبة بشخصيتي الداخلية، فهو يعرف أنني يغلب على طبعي الهزل والسخرية، فالحياة جميلة عندما يكون الإنسان متصالحًا مع نفسه، وأحاول أن أغير من حالتي النفسية بالفكاهة والضحك. يقول بعض الدارسين لعلم النفس أن من يضحكون يحملون آلامًا داخلية يحولونها إلى مواقف ساخرة. لا أنكر أنه تعروني حالات من الحزن لها مؤثرات خارجية أكتمها في نفسي وتمر عبر مراحل من الفلترة. أكتب عنها أحيانا وتظهر عليها مسحات الحزن والألم الذي يعتصر الحروف والكلمات.

ولماذا أكتب؟

يستفزني موقف أو عبارة أو تعليق أو تسجيل مرئي أو رسالة تصلني على تطبيق الواتس آب، فتلمس وترًا؛ فأبدأ بالعزف على آلة المعاني والمفردات. وتتنوع كتاباتي بين دراسات عميقة يحفزني صديقي الدكتور ربيع جان (الذي كتب لي: بس لا تفضّح بي وتقول صديقي الخفي كأني جني)!.

قلت له ممازحا: إن اسم عائلتك (جان) وهو جمع جني فلم أخرج عن الإطار اللغوي والمعنى لكلمة خفي لكتابتها بعد أن يطول النقاش بيننا على الواتس فأجدني مكرها برغبتي لكتابة تلك الدراسة أو المقال، ويتطلب مني ذلك جهدا في التفكير والبحث والكتابة، ثم إعادة الصياغة والحذف والإضافة؛ ليكون المحتوى يليق بي وبالقارئ الباحث عن شيء مختلف وعميق ومفيد.

والكتابة عملية تفكير Thinking Process تمر بمراحل عديدة وتعتمد على القراءة أولًا وثانيًا وعاشرًا. إن المهارات الأساسية للتعلم: الاستماع ثم التحدث، والقراءة ثم الكتابة.

العنصران الأولان: الاستماع ثم التحدث مرتبطان ببعضهما فالطفل يسمع ثم يردد، وكذلك أي شخص يتعلم لغة جديدة يستمع ثم يردد، ويكون الترديد ميكانيكا، وعند التمكن على قدر جيد من اللغة يأتي دور القراءة ثم الكتابة.

وهنا يقفز الحواجز سؤال: ما نوع القراءة التي تحفز على الكتابة؟

أعترف أن الكتابة هبة gift، يمكن تلمعيها وتحسينها لتصل إلى درجات عالية من الإتقان والإبداع. إن من يقرأ في مجال معين لا يتعداه إلى مجالات أخرى لن يتعلم أبدا، ولن يستطيع الكتابة حتى في المجال الذي يقرأ فيه فقط؛ إن الكتابة مزيج من اللغة والسياسة والاقتصاد والأدب والطب، وكثير من مجالات العلم المختلفة حتى وإن لم تظهر كلها في دراسة أو مقالة لكنها مرتبطة ببعضها البعض.

يتوجب على القارئ أن يكون واعيًا أيضًا، والقراء أنواع. هناك قارئ يسلم بكل ما يقرأ ويعتبره ثابتا من الثوابت، وهذا قارئ سيء، وهناك قارئ عندما يقرأ يتوقف ثم يبدأ في التفكير فيما قرأه هل يتوافق مع العقل والمنطق وينتقد ما قرأه وهذا قارئ جيد.

أذكر أنني عندما كنت أدرس في الكلية أهداني أستاذي في الكتابة والأدب الدكتور مختار شودري، كتبًا في الشعر والقصة، وكان هناك في بعض الصفحات علامات استفهام أو في الهوامش عبارة أو سؤال فسألته لماذا؟ أجاب: عندما تقرأ بعض الأفكار تجد أنها لا تتوافق مع قراءات أخرى أو مع أفكارك فعليك أن تضع علامة استفهام أو تعليق، وربما تعود مرة أخرى بعد فترة من الزمن لذلك الكتاب وتقرأه مرة أخرى، وتوافق على ما كتبت أو علقت أو توافق على أفكار الكاتب بناءً على تطور تجربتك واستزادتك من القراءة والعلم.

ويقفز سؤال آخر فوق كل الحواجز: هل يمكن صنع كاتب جيد؟

وبدون أن أفكر أقول نعم شريطة أن يكون هناك موهبة بنسبة بسيطة ثم نكثف عملية القراءة في مجالات عدة مع التركيز على جزء تميل له نفس الشخص الذي يود تعلم الكتابة ليكون مبدعًا في ذلك المجال.

إن الكتابة عمل مرهق ومتعب لمن يكتب لنفسه مثلما أفعل أنا، فالجهد الذهني يساوي أضعاف الجهد البدني، لكني أجد البعض يستكتبون الذكاء الاصطناعي وسبق وأن قاموا بسرقة مقالات أو دراسات بلغات أخرى وترجموها عن طريق التطبيقات المتوفرة على الشبكة العنكبوتية ونسبوها لأنفسهم.

يقول صديقي (المرئي) دكتور ربيع جان في رسالة هذا الصباح:( الغش ثم القص واللزق والآن شات جي بي تي Chat Gpt أتوقع تحول المعرفة إلى عملية Recycling إعادة تدوير).

عندها سأصلي على التفكير والقراءة والكتابة صلاة الغائب.

بقلم/ علي بن عويض الأزوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى