إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

حوار مع صديقي .. (مدخل إلى مهارات وأساسيات القابلية للتوظيف)‏

علي عويض الأزوري

عندما يدور نقاش بين شخصين من بيئتين عمليتين مختلفتين لكن هناك تفاهم وتواصل فكري بينهما تكون النتائج ذات هدف ومعنى.

دار نقاش صوتي بين الدكتور أحمد الحازمي وبيني في 11 يونيو 2023؛ وسأورد بعضا مما قاله في تسجيله الصوتي.

إن التباعد في المسافة ونوعية التركيبة المجتمعية لا يؤثر كثيرًا في تقبل أحدنا لأفكار الآخر، فهو يعيش في الرياض مدينة المستقبل المنطلق من الحاضر، وأنا أعيش في قرية في الجنوب الشرقي لمحافظة الطائف، ولا شتان بينهما.

يقول الدكتور أحمد من الأسئلة والاستفسارات التي تواجهني:

(التحول الحاصل في البيئة الوظيفية وخصخصة بعض الشركات ودخول صندوق الاستثمارات العامة كلاعب رئيسي في السوق أو صانع رئيسي للسوق ينشيء شركات حتى تصبح رابحة ثم يطرحها للاكتتاب حتى يستفيد المواطن يثير سؤالًا: ما هو وضع الموظف بعد أن كان يتمتع بالأمان الوظيفي؟

يتوجب عليه أن يتحول إلى employ-ability أو القدرة على التوظف وهذا يتطلب ارتفاع مسؤولية الفرد وزيادة وعيه وبالتالي رفع مستواه المهاري والمتطلبات الوظيفية المتغيرة باستمرار، والحصول على الشهادات المهنية في المحاسبة، والتحليل المالي، والتسويق الرقمي، وسلاسل الإمدادات، والأمن السيبراني، أكثر من الشهادات العلمية مثل الماجستير والدكتوراه، وبدلا من أن يكون هذا تهديد للموظف وخوف من المستقبل سيكون فرصة للترقي والحصول على رواتب أعلى وأعلى وسيكون الهدف السماء the sky is the limit بدلا من أن يكون أسيرًا للسلم الوظيفي الذي انتقلنا منه إلى أداة الأداء، وبهذا سيكون التعامل مع الكفاءات البشرية مما يزيد من التنافسية وخلق جيل من أصحاب المهارات الذين ستكون المملكة بحاجة لهم للانتقال من المستقبل الحاضر إلى المستقبل الحالم).

في كلام صديقي عدة محاور تختلف في الاتجاهات لكنها تتفق في الهدف والغاية، واللاعب الرئيسي هو الموظف أو لأكون أكثر تحديدًا المتخرج -أيا كانت شهادته- الباحث عن وظيفة.

في الحقب الماضية وقبل 40 سنة كانت كليات التربية تسمى (كليات رضا الوالدين) والسبب لأنها تخرج معلمين في تخصصات كانت البلد وسوق العمل في أشد الحاجة لها، حتى بدأ التغير والانتقال إلى عصر يختلف في شكله ومضمونه ومتطلباته واحتياجاته.

المحور الأول: المتخرج بين التخصص وسوق العمل

قرأنا وسمعنا وشاهدنا تصاريح كثيرة لبعض المسؤولين على أن بعض المخرجات الجامعية والخريجين الجامعيين غير مؤهلين لسوق العمل، وهنا تقع المسؤولية على الجامعة والطالب ولكن باختلاف نسبي تتحمله الجامعة، والجهات المسؤولة عن العمل، حيث من المفترض أن يكون هناك تنسيق بين الجهة المسؤولة عن التعليم والجهات المسؤولة عن العمل والتوظيف لاستحداث تخصصات تتناسب مع سوق العمل والاستغناء عن التخصصات التي أصبح المجتمع يعاني (تخمةً) منها وبها. ولعل الأنظمة والمناهج الجديدة للتعليم العام بمراحله المختلفة توفر للمستقبل كوادر تعليمية تحقق تطلعات الدولة والتحديات المستقبلية على مختلف المستويات.

وأضع جزءًا من المسؤولية على الخريجين ولا أقصد أصحاب الشهادات العليا (دكتوراه وماجستير)، ولكن المتخرجون من التعليم العام والجامعة بدرجة دبلوم أو بكالوريوس لأنهم اختاروا تخصصات لا تتناسب مع سوق العمل، وكان بمقدورهم (وما زال) أن يبحثوا عن تطوير أنفسهم، والجزء الآخر على الشركات التي إذا وُجد الخريج المناسب والذي يمتلك المهارات أو بعضا منها تضع شروطا تعجيزية وأولها الخبرة التي لا تأتي إلا بممارسة النظريات والمهارات التي تعلمها الطالب/ الباحث عن فرصة وظيفية.

المحور الثاني: Employability (القابلية للتوظيف)

تُعرف هارفارد بزنس رفيو Harvard Business Review القابلية للتوظيف على أنها:

(امتلاك مجموعة من المهارات والقدرات والمعارف والسمات الشخصية التي تجعل الشخص أكثر قابلية لأداء العمل والحصول على وظيفة، ومن المعاني المدرجة ضمن هذا المفهوم: قدرة الموظف على الحصول على عمل جديد إذا دعته الحاجة، أي أن يكون مستقلًّا في سوق العمل من خلال الاستعداد والقدرة على صناعة تحول متى ما أراد ذلك. مهارات القدرة على العمل هي المهارات التي يحتاجها المرء للدخول في العالم المهني والتي تساعده أن يبقى فيه ويتقدم إلى مستويات وظيفية أعلى.

في الأساس يتعلق مفهوم قابلية التوظيف بالتعلم. ليس التعلم المرحلي ولكن التعلم المستمر مدى الحياة، فالأمر لا يتعلق بالتعلم والتدرب من أجل الحصول على وظيفة فقط، بل بتأهيل الذات معرفيًّا ومهاريًّا للتأقلم مع التغييرات الكبيرة التي تشهدها الحياة خاصة مع صعود التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الذي أظهر أن الروبوتات ستعوض الإنسان في الكثير من الوظائف.

التعلم المستمر يعني الخروج من دائرة التعليم النمطي والمقولب والدخول إلى عالم التعلم عن طريق الدورات التي تتوافر على مواقع الإنترنت، التي تقدم آلاف العناوين، والأهم اختيار ما يتناسب مع كل مرحلة لأنه تعلم مستمر وتغيير لا يتوقف.

والمنافسة شديدة ليست بين موظف وموظف آخر من بني البشر، ولكن بين إنسان وآلة تمتلك من المعلومات كمًّا هائلًا يتفوق على معارف ومهارات الكثيرين (لكنها تفتقر إلى بعض المقومات التي سأذكرها لاحقًا)، ومتطلبات الأعمال المستقبلية ستختلف نوعًا وكمًّا عن الوقت الحالي.

يعرف لي هارفي قابلية التوظيف: بأنها قدرة الخريج على الحصول على وظيفة مُرضية، مشيرًا إلى أنه لا ينبغي إعطاء الأولوية لاكتساب الوظيفة على الاستعداد للتوظيف لتجنب القياس الزائف لقابلية التوظيف الفردية. يجادل (لي) بأن قابلية التوظيف ليست مجموعة من المهارات ولكنها مجموعة من الخبرات والسمات التي تم تطويرها من خلال التعلم عالي المستوى، وبالتالي فإن قابلية التوظيف ليست “منتجًا” بل “عملية تعلم”.

يتفق (لي هارفي) مع التعريف السابق في جزئية كبيرة، لكنه يرى قابلية التوظيف ليست مهارات ولكنها خبرات وسمات تتطور مع التعليم، وأجدني أختلف معه، فالخبرات تأتي من الممارسة العملية أولًا عند تطبيق المهارات التي تعلمها الموظف.

ويرى (لي هارفي) أن قابلية التوظيف ليست “منتجًا”، بل عملية تعلم، وهذا ما ينقص الكثير من الخريجين، فهم يرون أن الشهادة التي حصلوا عليها هي نهاية المطاف.

أذكر أنني عندما حصلت على البكالوريوس بتفوق في اللغة الإنجليزية، وحصلت على درع التفوق الدراسي من الجامعة قال لي أستاذي وصديقي الدكتور عبد الرحمن مرغلاني وأنا أمسك بالوثيقة: أنظر لكل هذه التواقيع والأسماء التي تذيل الوثيقة ماذا تعني؟ قلت: أنني حصلت على الشهادة وأنني متفوق. ابتسم وقال: كلهم يقولون لك في صمت نشهد أنك جاهل وهذه الشهادة دليل على ذلك، وأقول لك: لقد بدأتَ رحلة التعلم الآن.

المحور الثالث: أساسيات قابلية التوظيف

ترتبط قابلية التوظيف بالعمل والقدرة على التوظيف، مثل:

أولا: “القدرة على الحصول على عمل أولي؛ ومن هنا يأتي الاهتمام بضمان تضمين “الكفاءات الرئيسية” والمشورة المهنية والفهم حول عالم العمل في نظام التعليم”[1]

ثانيا: القدرة على الحفاظ على التوظيف وإجراء “انتقالات” بين الوظائف والأدوار داخل نفس المنظمة لتلبية متطلبات الوظيفة الجديدة[2]

”تتطلب كل وظيفة مزيجًا من المهارات الفنية ومهارات مكان العمل (تسمى أحيانا المهارات الشخصية). بمعنى آخر، ستحتاج على الأرجح إلى معرفة كيفية أداء العمل الخاص بدورك وكيفية القيام بذلك بشكل فعال. تميل مهارات التوظيف إلى الإشارة إلى المهارات في مكان العمل أو مهارات قابلة للتحويل تساعد في جعلك موظفًا مؤثرًا. ولكن يمكنك أيضا التفكير فيها على أنها مهارات يميل أصحاب العمل إلى تقديرها. وفي الواقع، إن العديد من مهارات التوظيف هي “مهارات معرفية أعلى” لا يمكن تنفيذها في المهام الآلية (الروبوتات) لأنها تتطلب الإبداع والتفكير النقدي، والقدرات الاجتماعية والعاطفية المهمة الأخرى”.

هناك تسع مهارات يبحث عنها أصحاب العمل في المرشحين الذين يجرون مقابلات معهم وكيف يمكنهم دمج مهاراتهم في التوظيف في سيرتهم الذاتية وخطاب التعريف cover letter.

ما يلي التسع مهارات بتصرف وإضافات مني من موقع كورسيرا coursera.org

التواصل Communication:

التواصل هو جزء أساسي من أي دور؛ أنت تتواصل بطرق مختلفة في العمل، بما في ذلك تقديم حلول لمشكلة مستمرة، وتحديث حالة المشروع، ومشاركة أحدث البيانات في تقرير مرئي، وإرسال بريد إلكتروني إلى زملاء العمل، لكونك متواصلًا فعالًا هو مهارة ثمينة بسبب مدى اتساع نطاقها.

التفكير النقدي/ التحليلي Critical Thinking:

عادة ما تكون هناك طرق لجعل الأشياء تعمل بشكل أفضل في مكان العمل، سواء كانت عمليات أو استراتيجيات أو حتى عمل جماعي، وذلك عن طريق التفكير النقدي والإبداعي، لتكون فردًا ملتزمًا يطرح الأسئلة ويستخلص رؤى يمكن استخدامها لتحديد الحلول، هو مهارة جديرة بالاهتمام لشحذها.

في عالم اليوم المتنامي والمتغير باستمرار، تعد القدرة على التفكير الإبداعي والابتكاري مهارات أساسية. قد يكون من الصعب في بعض الأحيان أن تخطو إلى الأمام في عملك بدون تلك المهارات التي يمكن اكتسابها وتعلمها مع القدرة على الإبداع والعصف الذهني.

حل المشكلة/لات Problem-solving:

تعتمد القدرة على حل المشكلات على قدرتك على التفكير النقدي وتوصيل الحلول، وبالتالي الاعتماد على مهارتين أخريين في هذه القائمة. وحل المشكلات ليس مجرد مهمة إدارية، إنها مهارة يمكنك تقويتها على أي مستوى، تـُقـدِّر العديد من أماكن العمل ذلك عندما تعمل على الكشف عن حل بدلا من مجرد الإشارة إلى المشكلة.

يعد حل المشكلات واتخاذ القرارات الفعالة من المهارات الأساسية في مكان العمل سريع الخطى والمتغير باستمرار. كلاهما يتطلب منهجية وتفكير إبداعي يعتمد على معرفة بنظرية القرار، التحليل، اتخاذ القرار، حل المشكلات، التفكير النقدي

إدارة الوقت Time management:

إدارة الوقت هي عملية التخطيط الواعي والتحكم في الوقت الذي يقضيه في مهام محددة لزيادة الكفاءة. قد تكون على دراية بتحديد المواعيد النهائية وكتابة قوائم المهام ومنح نفسك مكافآت صغيرة لإنجاز أنشطة معينة.

تقول آني ديلارد Annie Dillard في كتابها حياة الكتابة The Writing Life

How we spend our days is, of course, how we spend our lives. What we do with this hour, and that one, is what we are doing. A schedule defends from chaos and whim

“كيف نقضي أيامنا هو، بالطبع، كيف نقضي حياتنا. ما نفعله بهذه الساعة، وتلك الساعة، هو ما نفعله. جدول يحفظنا عن الفوضى والنزوة”

سواء كنت تعمل في مكتب أو عن بعد، فإن إدارة وقتك بفعالية أمر مهم. عند القيام بذلك، يمكنك تحديد المزيد من الأهداف وتحقيقها وتقليل التوتر والبقاء على المسار الصحيح. وهناك بعض النصائح والاستراتيجيات لإدارة الوقت بشكل فعال ربما أتعرض لها في خربشة أخرى.

القدرة على العمل بشكل مستقلAbility to work independently:

هذه المهارة لها ارتباط بالمهارة السابقة إدارة الوقت.

عند الحديث عن إدارة الوقت، ستحتاج غالبًا إلى العمل بمفردك لإكمال مهمة أو مشروع. في هذه الحالة، فإن تعزيز القدرة على العمل دون إشراف، أو بشكل مستقل، ويمكن أن يأخذك بعيدًا، مما يخلق ثقة أكبر بينك وبين فريقك ومديريك. هذا مهم بشكل خاص للعمل عن بعد.

التفاني Dedication:

قد يبدو التفاني مثل الولاء للشركة، وبالتأكيد يمكن أن يكون كذلك في كثير من النواحي، ولكنه يشير أيضًا إلى صاحب العمل أنك تـُقـدّر العمل عالي الجودة وتبذل الجهد لتحقيق نتائج رئيسية في كل مرة. وكونك موظفا متفانيًا يعني الاهتمام بعملك ومستوى هذا العمل.

التعاون Collaboration:

يُعـدّ التعاون مع الآخرين في فريقك المباشر أو عبر الأقسام الأخرى مهارة شخصية حاسمة. نظرًا لأن العديد من الفرق يجب أن تعمل معا لإكمال المشاريع أو تحقيق النتائج، فمن المهم معرفة كيفية العمل بشكل جيد مع الآخرين من خلال إشراك العديد من المهارات الأخرى في هذه القائمة، مثل التواصل وإدارة الوقت وحل المشكلات.

المرونة Flexibility:

يمكن أن تتغير طبيعة العمل بمرور الوقت. وفي الواقع، ففي العديد من الشركات الناشئة، التغيير أمر مسلم به، يعد الحفاظ على المرونة في مواجهة التغيير مهارة قيمة يجب تطويرها ومواصلة العمل عليها طوال حياتك المهنية. غالبًا ما تعني المرونة التزام الهدوء في مواجهة التغيير، والبقاء إيجابيًّا، ومحاولة التخطيط للمستقبل حيثما أمكن ذلك.

القيادة Leadership:

ليس عليك أن تكون مديرًا لتكون قائدًا في العمل؛ تظهر مهارات القيادة أنك استباقي، وتتحمل المسؤولية، وتفكر بشكل نقدي في التأثير الأكبر لدورك. على المستوى الإداري، يظهر أنك تعرف كيفية إدارة فريق من الموظفين، مما يضمن أن الجميع يعملون معًا لإكمال المهام المطروحة.

المهارات السابقة ربما تجتمع بالتعلم في موظف وربما بعضها، وإن كان من الأفضل أن يتغلب الموظف على نفسه لتعلم مهارات أكثر لتمنحه فرصًا أكثر في اختيار الوظيفة التي هو يرى أنها تناسبه وتمكنه تلك المهارات والخبرات من وضع سقف أدنى/ أعلى للمقابل المادي، لأن مساهماته ستكون أكثر وذات فائدة للمؤسسة.

وأضيف إلى المهارات السابقة اقتراحا ومهارة Practice/ التدريب:

أرى أن تقوم الشركات التي تحصل على عقود بمئات الملايين وفي أحايين بالمليارات أن تقوم بإنشاء مراكز تدريب في الجامعات مساهمة مجتمعية منها contribution، ويكون تدريبًا منتهي بالتوظيف، ويستطيع الانضمام لهذه المراكز الطلبة من التعليم العام (خريجي الثانوية العامة) ولا يقتصر على طلاب الجامعة.

يقول الدكتور أحمد:

Do not pay them well; pay them according to their contribution.

لا تدفع لهم بشكل جيد. ادفع لهم وفقا لمساهمتهم.

ويحفزني الدكتور أحمد أكثر للبحث والتفكير بسؤاله:

كيف أطرد المخاوف من التغيرات الحاصلة حاليًا والقادمة، وأحقق أكبر استفادة ومنفعة من الفرص القادمة مع التغيير؟

والإجابة وردت في ثنايا هذه الخربشة، لكن أوجزها في عبارة: المرونة (Agility) وسرعة الاستجابة للمتغيرات، وتعلم كل ما هو جديد وطاريء.

بقلم/ علي عويض الأزوري

………………………………….………………….

المصادر [1, 2]

 Berntson, Erik (2008). Employability perceptions: Nature, determinants, and implications for health and well-

being. Stockholm University.

Forrier, Anneleen; Sels, Luc (2003). “The concept employability: a complex mosaic” (PDF). International Journal of Human Resources Development and Management. 3 (2): 102–124. CiteSeerX 10.1.1.553.5006. doi:10.1504/IJHRDM.2003.002414

………………………………………………………

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى