إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

ضياع الخريجين بين التعليم ومتطلبات سوق العمل

علي عويض الأزوري

أظهرت إحصاءات سوق العمل للهيئة العامة للإحصاء، أن عدد المشتغلين في السعودية (سعوديون وغير سعوديين) بلغ 14.59 مليون مشتغل بنهاية الربع الثالث 2022 مقارنة بـ14.17 مليون مشتغل خلال الربع الذي سبقه.

وحسب بيانات الهيئة، فقد بلغ عدد الأجانب المشتغلين 10.9 مليون عامل، ما يمثل 75% من إجمالي المشتغلين في السعودية، فيما بلغ عدد المشتغلين السعوديين 3.69 مليون عامل، وهو ما يمثل 25% من الإجمالي.

وتركز أغلب المشتغلين في السعودية في القطاع الخاص بنسبة 63.8% ما يعادل 9.3 مليون عامل، ثم العمالة المنزلية بنسبة 24.5% وبنحو 3.58 مليون عامل، ثم القطاع الحكومي ﺑ11.7%. (عكاظ الاثنين 09 يناير 2023 20:39)

“وبناءً على البيانات الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة، فإن القطاع الخاص يحصل على أعلى تركيز للعمال في كل من بيع الجملة والتجزئة (المفرق)، يتبعه بعد ذلك البناء ثم الصناعة”.

في عام 2015، كانت نسبة العمال السعوديين في هذه القطاعات أقل بكثير منها في القطاعات التي تحتاج لمهارة عالية في العمل. فعلى سبيل المثال، كان معدل العمال السعوديين في قطاع البناء والتشييد 15.8%، بالمقابل كان في مجال تكنولوجيا المعلومات 49.5%.

يُمكِن وصف سوق العمل السعودي بأنه سوق يعتمد اعتمادًا كبيرًا على العمال الأجانب وتحديدًا في القطاع الخاص، ويعود ذلك لأسباب أهمها:

أولًا: الطلب الكبير جدًّا للعمال في قطاع النفط.

ثانيًا: مساحة المملكة العربية السعودية الكبيرة والتي تحتاج لمشاريع بنية تحتية ضخمة تتطلب عمال مؤقتين يعملون لفترة المشروع فقط، ولذلك فهي لا تُؤمِّن فرص عمل آمنة للسعوديين.

وجود هذا العدد الهائل من العمال يعني أن المملكة العربية السعودية تملك سوقي عمل مميزين بخصائص وصفات مختلفة، واحد للسعوديين والسوق الآخر للأجانب(1).

إن وجود سوقين للعمل ظاهرة غير صحية، فهي بيئة جاذبة للعمالة غير السعودية وطاردة للسعوديين.

“وجود فجوة عميقة بين مخرجات التعليم الأكاديمية وسوق العمل؛ تتجلى في زيادة عدد الخريجين والخريجات من تخصصات أكاديمية يحتاج اليها سوق العمل، واعتماد التوظيف على نوع الدراسة، فإذا كان التعليم انتظامًا يتم توظيفه، أما إذا كان التعليم انتسابًا فلن يقبل توظيفه، بالإضافة إلى الفجوة بين مخرجات التعليم العام ومدخلات التعليم العالي”2

هناك معضلة التوظيف للمنتظم والمنتسب ولا أعرف لماذا لا يتم توظيف خريج الانتساب مع أن الوزارة التي تتبع لها الجامعات هي وزارة التعليم، ولم أجد إجابة لذلك.

“صرح معالي وزير التعليم في 21 يناير 2020م في لقاء برنامج الصورة أن المرحلة الثانوية ستكون على مسارات متعددة مثل: الطب، والعلوم، والإدارة، والفنون، والحقوق، وذلك وفق ميول وإمكانات الطلاب مشيرًا إلى أن هناك خطًّا استراتيجيًّا مستمرًّا، وهو أن 100% من طلاب الثانوية يتم إعدادهم ليكونوا طلاب في الجامعة، وبالفعل نجد أن 80% منهم يتجه للجامعة في حين نجد 80% من المقبولين في الجامعة يتجهون إلى تخصصات نظرية وأدبية، وهذا عكس ما يتطلبه سوق العمل”3

التصريح السابق لوزير التعليم السابق الدكتور آل الشيخ عن المسارات جميل ومترف، لكن تلك المسارات تحتاج إلى تهيئة المدارس، وأضرب مثلا على أن الكثير من مدارسنا غير مهيأة للبرامج والمواد التعليمية ومنها مادة اللغة الإنجليزية. إن آلاف المدارس تفتقر إلى وجود معامل للغة الإنجليزية حيث يستطيع المتعلم (الطالبة والطالب) الاستماع إلى الدروس المعطاة لهم بصوت ولكْنَة أصحاب اللغة الأصليين native speakers، وينطبق ذلك على مسار الطب؛ فهل هناك في المدارس الثانوية مختبرات ومعامل طبية؟

عندما بدأت التفكير في كتابة هذه الخربشة تصفحت الإنترنت للبحث عن مواد أستند في كتاباتي عليها لتكون الكتابة ذات موثوقية علمية.

كثر الحديث والأخذ والكتابات والدراسات واللقاءات التلفزيونية وعلى وسائل التواصل عن الفجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، وأُشبع الموضوع تشريحًا وتحليلًا وتفكيكًا، وصدرت توصيات واقتراحات كثيرة، لكنني سأتناول الموضوع من جهة مغايرة.

ومن تلك الدراسات والمقالات التي قرأتها:

– تجسيرُ الفجوةُ بينُ مخرجاتُ التعليمُ الأكاديمي وسوقُ العملُ وفقُ رؤيةُ المملكة 2030 الكاتبة/ دينا مسفر الحربي  1442هجري

– خريج جديد؟ هذا ما عليك معرفته حول سوق العمل في السعودية سي إن إن بالعربية نشر الخميس،1 سبتمبر 2020

– الفجوة بين التعليم الجامعي ومتطلبات سوق العمل مسؤولية من؟ غدي منصر الغامدي صحيفة مال28 أبريل 2022.

Who Benefits from Dual Training Systems? Evidence from the Philippines

Takiko Igarashi

World Bank

Pablo Ariel Acosta

World Bank; IZA Institute of Labor Economics

Date Written: May 3, 2018

SAUDI ARABIA EDUCATION REPORT 2021-

,Shehzad Jamal

Education and Health Care Practice for the Middle East

(التقرير الأخير يتضمن بعض المغالطات وتواصلت مع الكاتب وحصل نقاش قصير بيننا وبينت له تلك المغالطات والأخطاء).

“الشركات التي توظف أفضل المواهب في العالم هي شركات تملك علاقات شراكة قوية مع الجامعات التي تضع نجاح الطالب على رأس أولوياتها.

تؤمن نسبة تفوق 30% من ممثلي القطاع الخاص في العالم العربي بأن ضعف مهارات الخريجين هو السبب الرئيسي في عرقلة النمو بحسب تقرير أعدته مؤسسة التمويل الدولية بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية، في حين لا تزال العديد من الجامعات ممتنعة عن تحمل مسؤوليتها والقيام بدورها في تأهيل الطلبة وتزويدهم بالمهارات المهنية التي يحتاجونها، ولا نستغرب من حداثة نشأة التعاون بين التعليم العالي والقطاع الخاص في المنطقة، حيث إن هذا التعاون يقتصر في العادة على الفعاليات والرعايات قصيرة المدى”. (ميساء جلبوط هارفارد بزنيس رفيو 2018).

وهناك إشكالية أن الكثير من الطلبة لا يملكون معلومات كافية عن الجامعات والتخصصات ولا عن متطلبات سوق العمل ولا يحصلون على التوجيه والتدريب والخبرة العملية، كل ما سبق ضروري لانتقالهم الى الحياة العملية وسوق العمل، وهنا تقع المسؤولية على المؤسسات التعليمية؛ فالكثير من الطلبة يتجهون للتخصصات الأدبية لأنه لا يوجد في المدارس من يوجههم للتخصصات التي تتناسب مع حسب قدراتهم وإمكانياتهم الفردية.

ويمكن لمؤسسات التعليم ”أن تنظر في اتباع نماذج تعليمية بديلة بهدف تحسين المحصلات التعليمية للخريجين وزيادة جاهزيتهم لدخول سوق العمل”، ومن ذلك ما قامت به جامعة فيكتوريا في استراليا بتطبيق نموذج الكتل blocks.

في جوهرها، الكتلة هي أداة جدولة، فبدلا من تدريس أربع مواد في وقت واحد على مدار 12 أسبوعًا، وفقًا لنموذج الفصل الدراسي، تقوم بتدريسها واحدة تلو الأخرى على التوالي، على مدار أربعة أسابيع لكل منها.

ما يجعل الكتلة مثيرة للاهتمام هو الطريقة التي تعمل بها كمحفز للتغيير الجذري على مستوى المؤسسة.

يعيد هذا النموذج الفريد تصور تصميم وهيكل وتسليم وحدات السنة الأولى من الدراسة من أجل تقديم برنامج يركز عمدًا على احتياجات الطلاب التربوية والانتقالية، والتوازن بين العمل والحياة. تطلبت هذه المبادرة تعطيل وإعادة تطوير جميع أنظمة الجامعة لضمان تجربة انتقال داعمة وسلسة إلى السنة الأولى من دراستهم في الجامعة ورحلتهم.

تحتوي الكتل عمومًا على نفس عدد ساعات الاتصال مثل الفصول الدراسية التقليدية التي تبلغ مدتها 12 أو 16 أسبوعًا، أحجام الفصول صغيرة، وهناك تركيز على النهج البنائية الاجتماعية المتعمقة والتشاركية للدراسة وغالبًا ما تتطلب من الطلاب الاجتماع بشكل متكرر، حتى يوميا، ولفترات طويلة من الوقت، غالبا ما تتجاوز فترات الفصل الدراسي التي تبلغ مدتها 50 أو 75 دقيقة.

هناك فجوة بين التعليم والقطاع الخاص، ولردم هذه الفجوة فإن من أنجح أشكال التعاون بين التعليم العالي والقطاع الخاص تكون في برامج التعليم التعاوني، حيث يدرس الطالب فصلا دراسيًّا واحدًا، ويعمل خلال الفصل التالي؛ هذا البرنامج معمول به في جامعة ووترلو الكندية وأسهم في توظيف 99.7% من المتخرجين من الجامعة. ولم تصل إلا جامعة عربية واحدة ضمن المراتب المئة الأولى (100) ضمن توظيف الجامعيين وذلك ضمن تصنيف كيو اس للتوظيف الجامعي لعام 2018 (هارفارد بزنس ريفيو).

وأما بالنسبة للتعليم المهني والتقني فإن برامج التعليم المزدوج الفعالة باستخدام مزيج من التدريس في الفصول الدراسية والتدريب على المهارات العملية الحالية نهج لتطوير القوى العاملة الماهرة والاجتماع مطالب القوى العاملة.

كسل الشباب Youth Idleness، وهو مصطلح يشير إلى الشباب الذين لا يعملون، ولا يلتحقون بالتعليم، ولا في برنامج تدريبي، ويصف واحدًا من كل أربعة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاما في الفلبين، ويطور البرنامج (التعليم المزدوج) معايير الكفاءة والمؤهلات، إلى جانب تدريب المعايير وأدوات التقييم، التي تعمل كأساس للتسجيل، الاعتماد، وتقديم البرامج المختلفة.

وتقدم برامج التدريب المهني في ثلاثة أنماط من التدريب، وهي: (أ) المؤسسات (القائمة على المدرسة والمركز)، (ب) القائمة على المشاريع، (ج) القائمة على المجتمع المحلي.5

يمكننا الاستفادة من برنامج جامعة فيكتوريا وبرنامج التأهيل التقني الذي تم تطبيقه في الفلبين وكانت النتائج مبهرة لكلا البرنامجين، ولكن يتوجب دراسة تلك البرامج والتنسيق بين الجهات ذات العلاقة قبل تنفيذها، ومدى مواءمتها لبيئتنا التعليمية وتعديلها بما يتوافق مع إمكانات وقدرات طلابنا.

وأن تصل متأخرًا خير من أن لا تصل أبدًا.

بقلم/ علي عويض الأزوري

…………………………….

المصادر والمراجع

1- منصة بكه التعليمية

2- تجسيرُ الفجوةُ بينُ مخرجاتُ التعليمُ الأكاديمي وسوقُ العملُ وفقُ رؤيةُ المملكة 2030 الكاتبة/ دينا مسفر الحربي 1442هجري

3- التعليم «في الصورة» مقال جريدة المدينة ، إبراهيم محمد باداود تاريخ النشر: 22 يناير 2020

4 – هارفارد بزنس ريفيو Harvard Business Review

5- Who Benefits from Dual Training Systems? Evidence from the Philippines

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى