زوايا وأقلاممشاركات وكتابات

نزاهة .. ودهاليز الفساد‎ ‎

محمد أحمد الجلمود الغامدي

تنقلت خلال أسبوع بين عدد من مناطق ومحافظات المملكة، ولفت نظري عبارات على الطرق السريعة بين المدن “معًا ضد الفساد” و “الفساد يعطل عجلة التنمية”.

هذه العبارات نراها تتكرر بعد كل بضع كيلو مترات، إذ تقطع تأملاتنا في الطبيعة الفاتنة بين المدن، وتذكّر المارين بمخاطر الفساد، وتقود إلى ترسيخ الفكرة في العقول، وتمنع من تُسوّل له نفسه بممارسة ذلك الفعل المقيت “الفساد”.

ومن هذا المنطلق قضت دولتنا الحكيمة بتأسيس “نزاهة”؛ حمايةً للمال العام، ومحاربة للفساد والقضاء عليه، وتطهيرًا للمجتمع من آثاره الخطيرة، وتبعاته الوخيمة على الدولة في مؤسساتها وأفرادها ومستقبل أجيالها.

ومما لا شك فيه.. فإن “نزاهة” قامت بدورها كما يجب عليها القيام به، وقطعت شوطًا لا يستهان به حماية للمال العام وللمجتمع، وما زال الطريق أمامها طويلًا؛ نظرًا لعدم جاهزية بعض المؤسسات التي اعتادت أن يكون هناك ميزانيات مفتوحة والصرف بسخاء من الدولة دون وجود مراقبة فاعلة تقوم بدورها كما هي اليوم في عهد قيادتنا الرشيدة بقيادة مليكنا أطال الله في عمره، وولي عهده الشاب الطموح عراب الرؤية حفظه الله وسدده.

وتعددت منافذ وطرق ووسائل ومناهج الفساد التي يقتضي على مملكتنا العظيمة القضاء عليها، وقد تمركزت في الإدارة والمال كأقوى منفذين مرتبطين ببعضهما؛ فالفساد الإداري يمهد للفساد المالي، إذ تتفق سلسلة بشرية على نية الإفساد مدعمين نواياهم الخائبة بثقة زائفة، فيمثل كل منهم دوره حتى تُعقد الحبكة وتكتمل حلقاتها، ويُخال إليهم أنهم في منأى عن الضبط والمساءلة والحساب.

والفساد نتيجة وليس سببًا في ذاته، إنما السبب الحقيقي هو غياب الأسرة والأخلاق والقيم، فإذا غابوا فسيجد الفاسد ألف طريقة وطريقة لممارسته، وسيستمري ما يقوم به حتى تطمئن نفسه إليه، ويصبح سلوكًا يصعب تغييره.

ولا شك أن أحد الوسائل الرئيسة للحد من آفة الفساد وتقليص انتشاره في الدوائر والمؤسسات الحكومية والأهلية؛ هي زراعة الأخلاق والقيم الإسلامية في عقول ونفوس النشء في جميع مراحل التعليم بدءًا من الروضة إلى الجامعة، وتخصيص مناهج خاصة تُعنى بهذا الموضوع؛ لتعزيز الرقابة الذاتية لدى أفراد المجتمع، إضافةً إلى العقاب وسن الأنظمة والقوانين للحد من انتشاره؛ لأن الأخلاق إذا فسدت، والمبادئ إذا انتكست، والقيم إذا انتُهِكَت؛ فإن نتيجتها الحتمية فساد المجتمعات.

“دَهَالِيز” ممتدة أمام نزاهة، وطرق وعرة ومتعرجة أشبه ببيت النمل تحت الأرض؛ فلا يُرى منه إلا ما يظهر للعيان؛ فالتركيز على أن الفساد هو الفساد المالي أو الإداري فقط وأنهما سببان لتعطيل التنمية وننسى أو نتناسى العوامل المؤدية إليه؛ هذا في رأيي اختزال لمفهوم الفساد الواسع.

وتحقيقًا لرؤية ولي العهد فنحن في حاجة لدك حصون الفساد، وإزالة كل ما يقف حجر عثرة في طريق الرؤية 2030 وما بعدها من رؤى، وأقترح أن يكون لدينا مشروعًا على مستوى الوطن -تقوم به الجهات ذات العلاقة- يحارب الفساد بكل أشكالهِ وصورِه من جهة، ومن جهة أخرى يعزز الدين والأخلاق والقيم في عقول ونفوس الأجيال؛ فهي كفيلة بالقضاء عليه والحد من انتشاره وإبقائه عند أدنى مستوياته.

بقلم/ محمد أحمد الجلمود الغامدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88