إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

المتحجر

علي عويض الأزوري

عندما فتحت عيني صباح الأمس، وقبل أن تغادر العصافير أعشاشها وتتنفس الشمس، فتحت الواتس كعادتي بعد أن أنهيت الفروض الواجبة عليّ، لأجد رسالة من صديقي (المرئي) الدكتور ربيع جان (المزعج فكريًّا لي) تتضمن الصورة أعلاه وتعليق منه تحت الصورة:

يسعد صباحك هذا طلب من أستاذة حفيدتي في أمريكا، كتابة قصيدة عن هذه الصورة وهذا ما كتبته  لها:

Stone Head

He lived and lived,

But never loved.

Saw but never looked.

Heard but never listened.

Stone head

Is now

Dead.

كنت بعدُ لما أستجمع قواي الذهنية، ولم ألملم شتات أفكاري، وبعد لم أُحَدِّث نظام عمل خلايا جسمي الحية. قرأت القصيدة وتركتها لأتصفح الرسائل الأخرى، ثم عدت مرة أخرى وقرأتها ونظرت إلى الصورة بعيون متفحصة لأنظر في داخل هذا الرأس من حجر، لأرى ما رآه ربيع، فكتب تلك الأبيات (للمعلومية ربيع لا يكتب بالعربية إلا نادرا، وأغلب كتاباته وتعليقاته بالإنجليزية؛ يزعجني كثيرًا لكنه يحفزني للكتابة التي تخاطب التفكير والعقل سواء مقالات أو دراسات، ونقاشاتنا أحتفظ بها، خصوصًا فيما أكتب من قصائد).

كتبت له بعد أن هضمت قصيدته:

– لو تسمح لي أضيف بعد

Heard but never listened.

Touched but never kissed.))

(لُمس ولم يُـقَبَل)

رد كاتبًا:

Nice addition.

Notice how English composition teachers design assignments that elicit creative thinking and writing.

إضافة جميلة.

لاحظ كيف أن معلمي التعبير الإنجليز يصممون الواجبات التي تثير التفكير والكتابة الخلَاقة/الإبداعية.

قلت: يجب الأخذ في الاعتبار البيئة التي ينشؤون فيها، والمجتمع المحيط بهم الذي لا يضع قيودًا على العقل وليس عنده حدود للتفكير.

وأكملت: سأخرج الآن لقضاء بعض الحاجيات وعندما أعود سأحاول ترجمتها.

عدت ووجدت منه:

Touched but never felt (لُمس ولكن لم يُحس)

وكان ردي:

I think kissed has more intimacy and warmth and love. If he had been kissed, he might have not died.

أظن قـبِّل بها حميمية ودفيء وحب أكثر. لو قُـبِل لكان هناك احتمال أنه لن يموت.

أرسل بعدها لي:

The word “kissed” is important as it relates to the “head.”

كلمة (قُبّل) مهمة لأنها تعود إلى الرأس

وأضاف: Kissed but never felt (لُثم ولم يُلمس)

وصلنا لصيغة نهائية بعد نقاش دام لساعتين على أن تكون القصيدة:

Stone Head

He lived and lived,

But never loved.

Saw but never looked.

Heard but never listened.

Kissed but never felt.

Stone head

Is now

Dead.

كانت أيدي الساعة تعانق الثانية عشر وخمس دقائق ظهرا عندما بريت قلمي لترجمة القصيدة. عانيت الأمرّين لا ثالث لهما في الوصول لصيغة إبداعية تعادل جمال وإبداع ربيع. هذا اليوم عند السادسة والنصف صباحا ألقيت عن خلايا مخي عناء الترجمة المضنية وأرسلتها له وكتبت:

صباحو:

 لقد حفرتَ أنفاقا في رأسي. من يوم أمس وأنا أعاني حتى جاءني شيطاني وأنا أحاول هضم طعام افطاري فنفث في قلمي فأنهيت القصيدة بقصيدة تعادلها في الروعة والجمال. وأضفت:

I enjoy it. I feel I am still alive and active (mind/thinkingwise), but it is outrageously exhausting.

أستمتع بما أقوم به. أشعر أنني ما زلت على قيد الحياة (ذهنيًّا وفكريًّا) لكنها متعبة بطريقة جنونية.

كتب يواسيني بطريقته الفخمة:

وصباحك

نعم، هو شعور متفرد يجده الكاتب/القارئ، يعيش في النص ويشع منه، وهي لذة وصفها رولان بارت

Plaisir du Texte

لذة النص التي يجدها الكاتب ومن بعده القارئ لا تعدلها سوى لذة اكتشاف وجودي لم يسبق إليه أحد.

المتحجر

…………………

عاش بين البشر

وما شعَـر

نظرَ

أعمى بصر

سمع

وما قـَـدَر

والقُـبَلُ

تسع عـشَـر

ثم

وافاه القدَر

بقلم/ علي عويض الأزوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى