إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

التعليم .. إلى الأمام سر (1)‏

علي عويض الأزوري

تـمـهـيـد:

ما زالت صورة ذلك الكاريكاتير الذي رسمه الأستاذ/ على الخرجي -يرحمه الله- في منتصف السبعينات ميلادي -عندما بُـديء وضع المطبات الصناعية في الشوارع لتهدئة سرعة السيارات- عالقة في خلايا ذاكرتي الصدئة، وقد دخلت عامي الخامس والستين (ربنا يعطيني طول العمر لأتذكر وأتذكر). كان الكاريكاتير لشخص يقف وأمامه مطب صناعي كأنه سِنَام بعير وفوق رأسه ما يشبه البرج (ما نراه في أفلام الكرتون عندما يضرب أحدهم على رأسه فيظهر في رأسه مثل العمود) والتعليق: أنا كل ما تطلع فكرة في رأسي أنزّلها في الأرض.

تـوطـئـة:

بعد أن انتهيت من كتابة سلسة هذه المقالات، أرسلتها لصديقي الدكتور/ ربيع جان، لإبداء ملاحظاته. الدكتور ربيع (ينكشني) أغلب الوقت للكتابة في مواضيع فكرية وأدبيه، ووصلني تعليقه:

There are three goals of education:

– Freedom: Learners are empowered to be FREE and think for themselves.

– Uniqueness: As learners become free, each becomes UNIQUE. They are not copies.

– Tolerance: learners accept each other’s uniqueness

These three goals are interrelated and are the underlying principles of education.

هناك ثلاثة أهداف للتعليم:

– الحرية: يتم تمكين المتعلمين من أن يكونوا أحرارًا ويفكرون بأنفسهم.

– التفرد: عندما يصبح المتعلمون أحرارًا، يصبح كل منهم فريدًا. إنهم ليسوا نسخًا.

– التسامح: يقبل المتعلمون تفرد بعضهم البعض هذه الأهداف الثلاثة مترابطة وهي المبادئ الأساسية للتعليم.

وأضاف صديقي: نحن نتحدث عن قيم، وذكر مقولة تنسب لجون ديوي

القيم تُـكتسب ولا تُـدرس Values are caught, not taught

تـقــديــم:

يقول الدكتور غازي القصيبي:

“ينعقد الإجماع بين الباحثين التنمويين على أن التعليم هو مفتاح التنمية، وبالتالي مفتاح أي تقدم يمكن أن يطمح إليه شعب من الشعوب. وتؤكد الشواهد التاريخية أنه لم تتحقق نهضة في أي دولة إلا وكان منطلقها النظام التعليمي”.

ويقول أيضًا: “الطريق إلى التنمية يمر أولًا: بالتعليم، وثانيًا: بالتعليم، وثالثًا: بالتعليم، باختصار هو الكلمة الأولى والأخيرة في ملحمة التنمية.”

ويذكر في مقالة له باللغة الانجليزية A view of education في كتابه Arabian Essays إن: نظامنا التعليمي بدأ في مصر بأربعة مراحل: الابتدائي/الأساسي، المتوسط/الإعدادي، الثانوي ثم الجامعي. وانتشر من هناك إلى معظم الدول العربية. والنظام التعليمي المستورد لم يتمحور حول طبيعة كل دولة عربية في ضوء تجربتها الخاصة ومتطلباتها، ولكن تم أخذه (معلبًا) بالكامل كما هو من التجربة المصرية. واستمر النظام التعليمي المصري يؤثر على تركيبة الأنظمة التعليمية العربية الأخرى، وأي تغيير يحدث هناك يتبعه تغيير هنا.

الدخول في الموضوع:

طرأ على بالي لما تنفس صبح الثلاثاء 21 أغسطس 2023 سؤال:

– هل التعليم العام عندنا ممل، ولماذا؟ وإذا كان مملًّا للطلبة كيف يمكن تحسينه وجعله مسليًا؟ بمعنى كيف نجعل من المدرسة بيئة يتحمس الطلبة للذهاب إليها كل يوم؟

هل البيئة التعليمية طاردة للمعلمات والمعلمين، ولماذا؟

أذكر أنه عندما بدأتُ المدرسة الابتدائية في منتصف الثمانينات هجري، كان النظام يخضع لاختبارات شهرية، فيكون لكل مادة امتحان شهري والدرجة هي 30 درجة. استمر ذلك النظام حتى المرحلة الثانوية حيث تم تطبيق نظام الفصلين (الترمين) الدراسيين. وفي بداية الثمانينات ميلادي بدأ تطبيق نظام الثانوية الشاملة في بعض المدارس وبقاء أخرى على النظام السائد (الفصلين) وقتها.

مر التعليم عندنا بمراحل تجريبية كثيرة (ضع خطين تحت تجريبية)، ويتبع ذلك لكل مسؤول يتولى دفة التعليم لدينا، فيظهر بأفكار ربما تكون مستوردة وناجحة في بلدان أخرى وتفشل عندنا لأسباب كثيرة منها: أن ما ينفع في البرازيل والصين وجزر الوقواق ليس بالضرورة أن ينجح عندنا؛ إن تلك الدول عندما تبدأ في تطبيق برنامج تعليمي تأخذ في اعتبارها طبيعة المدارس والطلبة والحالة الاجتماعية والاقتصادية والمناخية لبلدانها، ونحن نستورد تلك التجارب حزمة كاملة بدون إخضاعها للتجربة أولًا، وبدون معرفة مدى ملازمتها لبيئتنا وطبيعتنا الاجتماعية والتعليمية ثانيًا وثالثًا ورابعًا.

في الأبحاث العلمية وخصوصا ما يتعلق بمسائل مثل التعليم يكون هناك مجموعة ضابطة وأخرى تجريبية إذا أرادت المنظومة التعليمية تطبيق منهج ما، أو طريقة أو وسيلة حديثة للتعليم، أو تحسين نتائج الطلاب، وتقارن النتائج بين المجموعتين ويتم اتخاذ القرار على أساس تلك النتائج.

ومن المسلم به أن التعليم له ركائز مهمة: المعلم، والطالب، والمدرسة، والمنهج، والإدارة.

سأبدأ من آخر ركيزة وهي الإدارة، سواء كانت على مستوى المنطقة أو المرجعية وهي الوزارة.

المحور الأول: الإدارة التعليمية المناطقية والوزارة:

– الكاتب الصحفي خلف الحربي وصف وزارة التعليم بالسفينة العملاقة المحملة عن آخرها بالملفات المعلقة التي تنتظر الحسم سواء في قضايا المعلمين والمعلمات، أو قضايا المبتعثين، أو مسألة التجهيزات والمباني المدرسية، وغير ذلك من المشاكل المختلفة التي يمكن أن يغرق فيها الوزير قبل أن يخطو خطوة واحدة باتجاه الرؤية التي يريد تحقيقها.

– وصف وزير تعليم سابق نتائج المملكة في اختبارات PISA الدولية 2018 التي أعلنتها منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي OECD اليوم (الثلاثاء) من باريس، بأنها «أقل من المتوسط»، مشيرًا إلى أن «ضعف التحصيل الدراسي أحد أهم المشكلات التي تواجه نظامنا التعليمي».

التصريح السابق للوزير بعد أن ترك الوزارة، وعندما كان وزيرًا للتعليم جاءت النتائج مخيبة للآمال في عهده، وفق مختصين، عاد ليتحدث عن ضعف التحصيل الدراسي على الرغم من أنه كان المسؤول الأول عن تحسين أوضاع التعليم في المملكة. وقد ألَّفَ كتابًا قبل تسلمه للوزارة يـُشخص فيه مشكلات التعليم والحلول لها، وكتب عنه بعض المسؤولين مديحًا وأنه سيكون المنقذ لسفينة التعليم لو تسلم دفة الوزارة. الثلاثاء 03 ديسمبر 2019 «عكاظ».

– أتذكر تصريح أحد القيادات من أوكلت له مهام وزارة التعليم حيث قال للصحفيين: أنه يحتاج إلى مهلة 100 يوم لمعرفة مشاكل التعليم وإيجاد الحلول لها، وبعد مضي المدة قال يبدو أنه نسي صفرًا، ثم قال بعد ذلك أن 10000 يوم غير كافية.

التصريح السابق (كان من مسؤول على رأس الهرم، وكان لديه سلطة استثنائية) يعكس حجم المشاكل التي لمسها في بدايات تسلمه للوزارة، وفترة العشرة آلاف يوم لما تكن تفاؤلًا منه بقدر ما كانت رقمًا ظن بأنه كافٍ لحل المشاكل السابقة، ومن ثم تبدأ مرحلة جديدة وعشرة آلاف يوم آخر، وأظن السبب أن كل من جاء إلى الوزارة ورأى ولمس حجم الطلبات والمتطلبات والفارق بين الحقيقة والواقع والمأمول شاسع، والتركة ثقيلة و(متلتلة) ف (تنسد نفسه).

إن من السهولة بمكان التنظير والنقد ووضع الحلول السهلة والممكنة ( مثلما أفعل أنا الآن)  عندما يكون الشخص خارج أسوار المعركة، ولكن عندما يتسنم مهام العمل ويجلس على الكرسي وتوضع أمامه الملفات يصطدم بجبل هائل من المشاكل التي لا أول لها ولا آخر، ويتسبب غبار الملفات العتيقة/ الجديدة بإصابته بحساسية وأزمة صدرية، ناهيك عن جفاف في عينيه، فيؤثر ذلك على رؤيته السابقة وتصوره، ويكتفي بإغلاق الملفات، والبدء بفكر جديد (في تصوره)، وبهذا تتراكم المشاكل ويتضاعف حجمها، ولا يستطيع هو ولا من يأتي بعده على حلها.

– يقول الدكتور/ محمد بن إبراهيم الملحم (مدير تعليم سابق) في مقال نشر في جريدة الجزيرة بتاريخ الخميس 17 اغسطس 2023 بعنوان: ماذا يريد المجتمع؟

”لا شك أن اتخاذ القرار هو مسؤولية المسؤول الأول لكن أتحدث عن صناعة القرار، هناك ندوات ولقاءات واجتماعات يمكن أن يُدعى إليها أولياء الأمور والمهتمون بالشأن التعليمي للاستماع إليهم والإفادة منهم، فلماذا لا يحدث ذلك؟ أعرف الإجابة مسبقًا: وهي أن أغلب بل ربما كل المسؤولين والمسؤولات الذين يشاركون بشكل رسمي في اجتماعات صنع القرار هم آباء أو أمهات! ولكن هذه الإجابة الدبلوماسية مع كامل الاحترام لها تحتاج مزيدَ تأمل، فقد كنتُ يومًا أحد هؤلاء وأنا ولي أمر، ولا يمكن للشخص «كمرؤوس» يريد رضا رؤسائه أو على الأقل «عدم إزعاجهم» أن يقول ما يخالف توجهاتهم ولو كان رأيه الأفضل ولديه مبرراته المنطقية وربما العلمية أيضًا. بل إني أعرف بعض زملائي من المسؤولين عندما أسولف معهم عن قرار ما، لماذا لم تقل رأيك فيه؟ فإنه يجيب «أظن» أن المسؤول فلان «ربما» لا يحب ذلك فلا أريد أن أقول شيئًا «ربما» يزعجه، ومع أنه لا يجزم بما يريده المسؤول أو ما لا يريده لكنه يعيش في رغد عيش منصبه تحت مظلة «ربما» هذه.”

يقول طاغور: “إن عدو الشعوب ليس الفقر ولا الجهل ولا المرض، وإنما الخوف”.

ما ذكره الدكتور الملحم عن خوف أو لأخفف من ثقل المفردة وأقول “مجاملة” بعض من في إدارات التعليم لمن هم أعلى منهم منصبا واستعمالهم لعبارة الرأي رأيك يا يبه والشور شورك يا يبه) أدى إلى اتخاذ قرارات خاطئة لا تصب في مصلحة المؤسسة التعليمية، ونتج عن ذلك: تكـَـوّن تلال من الأخطاء المتراكمة.

إن الخوف من خسارة الرئيس الأعلى أو خسارة المنصب أستطيع تفهمه، لكن المصلحة العليا والأكبر هي مصلحة الوطن، (فهل نخاف من الوطن ونخسره بسبب خوفنا من شخص ما)؟!. وفي رأيي غير المتواضع ولأسيء الظن أن هؤلاء المسؤولين لا يدرس أبناؤهم في المدارس الحكومية مثل باقي أبناء الشعب، بل في مدارس خاصة من فئة السبع نجوم، وعليه يقومون بهز رؤوسهم (هزازة قاووق) في الاجتماعات وتأييد ما يقوله المسؤول المباشر لأنهم لا يلمسون حجم المعاناة التي تتعلق بالمدارس والطلبة والمعلمين.

إن السفينة التي وصفها الكاتب خلف الحربي “بالعملاقة” إن تحركت للأمام ميلا تراجعت ميلين، وهي ما زالت تراوح في مكانها ليس بعيدًا عن الميناء، وليست قريبة من وجهتها، ولعل (الملفات) أثقلتها فآثر النواخذة التوقف وطلاءها من الخارج لتحافظ على رونقها وشكلها في انتظار الفرج من الله.

للخربشة بقية…

بقلم/ علي عويض الأزوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى