إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

يا حبذا لو..!‏

مروة الأماسي

أحببت هذه المرة أن أقدّم لكم باقة مختلفة من الأحاديث المنمقة وغير المنمقة، والخواطر المرتبة و(المشعترة)، وأتحدث إليكم وكأنّي أحدّث انعكاسي في المرآة، فعلى الرغم من اختلافاتنا نحن البشر، إلّا أننّا في نهاية المطاف نعيش على الأرض ذاتها، ونتشارك الهواء نفسه، ونتقاسم حلو الحياة، ومرارة الزمان، وعلى الأرجح بأننّا نتفيأ الظلال وقت حر الهجير، وترسو قوارب هواجسنا على الشاطيء نفسه في كل زمان، وفي كل حين.

فيا حبذا لو

استطاع أحدنا إيجاد مساحة للاسترخاء، والابتعاد عن ضوضاء الحياة وصخبها. قوقعة نسكنها لبرهة فلا نشعر داخلها بسرعة مرور الساعات والأيام، لا لشيء إلا لنذوق طعم الحياة العضوي والحقيقي دون طبقة السكر التي لا نتوقف عن رشّه لتحمُّل مرارتها. مساحة فارغة نخصصها للتأمل والتفكر، والتجول في فضاء الإلهام والإبداع اللا متناهي. رحلة قصيرة لكنّها نافعة. ليست عزلة للشفاء ولكنّها للانسحاب التكتيكي المحسوب، كسهم يسحبه الرامي مثبتًا على وتر قوسه، ومتجهًا به للخلف بذراعه، ثم يُطلقه فيجده قد استقر في الهدف، ولم يزده التقهقر الاختياري إلا سرعةً ورشاقةً وتركيزًا. أمنية لا أعتقد شخصيًّا بأنّي قادرة على تنفيذها، فأقصى ما يمكنني فعله هو الانعزال داخل عقلي، وترتيب أفكاري، ثم العودة سريعًا لهاتفي المحمول وأنا مستاءة ومتذمرة كعادتي من تعلقي وتعلّق أبنائي الشديد به!.

يا حبذا لو

عادت جودة الصناعة لسابق عهدها، فكما يقال (قديمك نديمك ولو جديدك أغناك)، فكل منتج قديم له رونق خاص، وجمال ودقة في الصنع والتصميم تجعل منه قطعة لا نستطيع الاستغناء عنها. فلطالما لاحظنا سرعة تعطل بعض المنتجات الجديدة على الرغم من التطور الملحوظ المستمر!، فكثيرًا ما نجد بأن بعض تلك المنتجات إذا تعطلت اتجهنا فورًا لشراء بديل لها، وذلك لأنّ تكلفة الصيانة تساوي قيمة الجديد منها، بالطبع كلامي قد يكون مبالغ فيه إلى حد ما، ولا يشمل كل ما هو مطروح في الأسواق، لكن هل يمكن أن نتفق بأنّ ضعف الجودة مقصود أحيانًا لنستمر في الاستهلاك والشراء؟!.

المحير في الأمر بأن محدثتكم من أنصار القديم لكنّها تتطلع وتتمنّى دائمًا وأبدًا اقتناء كل ما هو جديد!.

يا حبذا لو

لم تكن علاقتنا بالمال علاقة طردية، فكلما زاد في حساباتنا البنكية زاد تعلّقنا به، فكثيرًا ما أسمع عبارة “الأثرياء في غالبيتهم بخلاء!”، فلولا (التدكين) أي وضع القرش على القرش كما يُقال لما أصبحوا بهذا الثراء!، ولكنّنا أيضًا يجب أن لا ننسى المرحلة المهمة والمفصلية التي تلي عملية الجمع والإدخار، ألا وهي الوصفة السحرية التي نجحوا من خلالها في تنميته وتضخيم عدد الأصفار.

أتعجب حقيقة من ثري آتاه الله الرزق الوفير ولكنّه مُقتّر على نفسه وأولاده، فمن المؤكد في هذه الحالة بأن المال أحب إليه من أقرب المقربين!، وذلك يدفعني حقيقة للتساؤل عن الدافع الحقيقي وراء ذلك السلوك العجيب. ولذلك أحب تذكير نفسي وغيري بأنّ المال وسيلة وليس غاية، وبأننّا سنتركه لا محالة إذا انتقلنا للدار الآخرة، ولكن تنميته وادخاره مطلب لغايات محددة، ومشاركته وصرفه مكسب من حين لآخر لأهدافٍ سامية.

ليتنا نغير شكل تلك العلاقة من طردية لعكسية، فكلما زاد في أيدينا زهدنا فيه، وصرفناه على مستحقيه، وتعلّقنا بالله الرازق المُعطي وحده، فهو في كلا الحالتين ابتلاء يستوجب الشكر، وبالشكر تدوم النعم. فاللهم بارك لنا فيما رزقتنا، واكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمّن سواك.

يا حبذا لو

آثرنا السكوت على الكلام، فمحدثتكم في حياتها الواقعية كانت ثرثارة، وعاشقة للجدال والنقاش، ولكن منذ بلوغي أواخر الثلاثين خبت ذلك الحماس، وأصبح الصمت هو خياري الجديد في الحياة، فليس كل ما يُقال يستحق الرد.

 تفضيل شخصي بحت، أُطبقه في أغلب المواقف، ولا أعلم إن كان خيارًا حكيمًا أم لا، ولكنّ العجيب في الأمر بأنّ عقلي ما زال عبارة عن حلقة نقاش مستمرة صاخبة؛ أشبه ما يكون بغرفة اجتماع بلا أجندة محددة، وأتمنى لو استطعت إطفاء النور وإرغام جميع الأصوات على مغادرة القاعة ولو لبرهة، ولكنّ القلم ربما أضحى وسيلة التنفيس الوحيدة لتدوين ما يتم تداوله في تلك المناظرة، ولأكون أكثر شفافية، هو ليس قلمًا بل مجموعة أحرف على لوحة مفاتيح هاتفي المحمول.

وفي نهاية هذا المقال المتمرد على الشكل التقليدي للمقالات،يا حبذا لو…

أسعدتموني بتعليقاتكم على مشاركاتي المتواضعة، وأفكاري العشوائية المتضاربة، والتي إن حازت على إعجابكم سأُحولها بمشيئة الله إلى سلسلة من المقالات المُشابهة.

دمتم أعزائي جميعًا بخير وسعادة وعافية.

بقلم/ مروة الأماسي

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. يعجبنا كل ما يخطه يراعك من جمال استمري في كتابة سلسلة المقالات كاتبتنا المميزة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى