إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

التكيف الديناميكي

علي عويض الأزوري

يتساءل البعض عن الطلبة الذين يسافرون للخارج للدراسة، أو عن السياح عندما يسافرون خارج المملكة وتتغير طباعهم وسلوكياتهم حسب أنظمة البلد الذي يذهبون إليه. نشاهدهم يلتزمون بربط الحزام عند قيادة السيارة (قبل تطبيق النظام عندنا والمصحوب بمخالفة)، ويلبسون ما يلبسه أهل البلد (بنطلون وقميص) وتتغير أفعالهم وسلوكياتهم التي نراها خاطئة في بلدنا إلى أفعال حسنة وصائبة. ونرى الصينيين عندما يذهبون إلى أوروبا وأمريكا يتخلون عن الأكل بالعصي chop sticks   ويأكلون بالملعقة والشوكة والسكين.

كنت أعمل في شركة كبيرة تتبع لمؤسسة حكومية هامة وكبيرة أيضا. كان يعمل في القطاع والقسم الذي أعمل به، بريطانيون وأمريكيون، وكانوا عندما يحضرون مناسبة ما ويوضع الطعام (مفطحات) والصحون ملأى بالأرز، يشمرون عن أياديهم ويأكلون بدون ملاعق ويجدون في ذلك متعة. أذكر أنني ذهبت إلى قسم مجاور، وعند الساعة التاسعة قام الموظف البريطاني بإطفاء آلة التصوير وجلس على الأرض (ركبة ونص) وكشف عن أحد الصحون البلاستيكية، وهو يقول:

ما هو الإفطار اليوم؟ شكشوكه!  What is for breakfast today? Shakshoka!

نسعد ونرى أننا قمنا بإنجاز عظيم عندما يلبس أحدهم الثوب والشماغ والعقال ويردد بعض الكلمات باللهجة المحلية. ولا أنسى التأثير في العاملات المنزليات من حيث الكلام.

ما يقوم به السعوديون والبريطانيون والأمريكيون وغيرهم من الجنسيات الأخرى التي تتخلى عن بعض من سلوكياتها الحياتية اليومية عند تواجدها في مجتمع تختلف طبائعه جذريًّا أو جزئيًّا هو ما يسمى Dynamic Adaption التكيف الديناميكي، والذي عرفه إريك فروم Erich Fromm بقدرة الإنسان على تعديل سلوكه وشخصيته وفقًا للظروف الاجتماعية والثقافية المتغيرة، ولكي يصبح مقبولا أو ليستطيع التكيف أو الانصهار وليجد القبول in order to fit في مجتمع أو مع مجموعة من الناس.

أنـواع الـتـكـيـف:

التكيف الهيكلي. التعديلات الهيكلية هي تغييرات في الكائن الحي

Structural Adaptation. Structural adjustments are changes in living organisms

هيكل للتكيف بشكل أفضل مع البيئة. Structure to better adapt to an environment

التكيف السلوكي Behavioral Adaptation

التكيف الفسيولوجي Physiological Adaptation

التكيف المشترك Co-adaptation

هذا التكيف الديناميكي يزول بزوال المؤثر، ربما أستطيع القول إنها مؤثر واستجابة، وهذا التكيف الديناميكي محمود وحسن، لأنه في حالات يحسن من سلوكيات الشخص ويجعله يتكيف مع البيئة التي يعيش فيها (مؤقتا) لسبب ما، وغالبًا عند زوال المؤثر يعود الشخص إلى سابق عهده وسلوكياته.

هناك مفهوم آخر وهو ما يعرف بالتبني Adoption ومنه نوع أستطيع أن أسميه (التبني الفكري) ونلمس ذلك في بعض الدارسين في أوروبا وأمريكا، فهم يتبنون أفكارًا ربما لا تتناسب مع ما هو سائد في بلدانهم، ويعود السبب في رأيي إلى الانبهار أو الصدمة الحضارية التي يصاب بها الشخص عندما ينتقل من بيئته إلى بيئة أكثر انفتاحًا، ويظن أن هذه البيئة الجديدة هي الأفضل والأمثل وينسى أن المدينة الفاضلة واليوتوبيا لا توجد على الأرض. لا بأس في ذلك التبني في البيئة المؤقتة، لكن نقل تلك الأفكار ومحاولة تطبيقها في بيئته لا يكون مناسبًا، وربما يؤدي إلى كوارث.

الفرق بين التكيف والتبني فارق كبير ومهم. التكيف يكون بتغيير أشياء أو سلوكيات لتقبل عوامل خارجية ومحاولة الحصول على القبول في بيئة جديدة لفترة من الزمن. التبني يكون مدروسًا ومقصودًا، ومخطط له.

ما يهمني هو التكيف السلوكي الذي ينشأ في مجتمعنا من بعض الإخوة الوافدين على مختلف جنسياتهم.

أشاهد بعضًا من الوافدين وخاصة سائقي مركبات النقل الصغيرة والمتوسطة والسيارات الخاصة (سائقون منزليون) يتكيفون ديناميكيًّا مع ما نقوم به من مخالفات قيادة السيارات، يعكسون السير في شوارع رئيسية وفرعية في أحياء كثيرة، ويقفزون من فوق الأرصفة ليصلوا إلى الشارع المقابل. تلك المخالفات تبناها ديناميكيًّا هؤلاء الأخوة الوافدون بسبب ممارساتنا الخاطئة عند قيادة السيارات في شوارعنا. هناك مخالفات أخرى يقوم بها بعض هؤلاء الوافدون في البناء ولا يتبين ذلك للعين المجردة، لكن بعد السكن تظهر العيوب ويكون الثمن فادحًا.

لن يتجرأ أيّ إنسان على تبني ديناميكي خاطئ ومخالف للقوانين والأنظمة إلا عندما يجد مثالًا وتشجيعًا من مواطن يفتقد إلى حس المواطنة والولاء والإخلاص لبلده، ويكون الناتج كوارث جسيمة يدفع ثمنها المجتمع بسبب سلوك خاطئ من أحد أو بعض أفراده.

وبين التكيف والتبني تكمن مشكلة الفهم والتفريق بينهما وممارستهما.

بقلم/ علي عويض الأزوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى