إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

والذكريات (11‏)

علي عويض الأزوري

يدعوني ديفيد كلما كنت في بريطانيا لقضاء عيد الميلاد (الكريسماس) مع عائلته التي يعتبرني هو ووالده فردا منها، بينما والدته كان لديها الكثير من التحفظات على ذلك ولا أعلم الأسباب.

صحبني في سيارته في عيد الميلاد لعام 1993 من اكستر إلى هونيتون Honiton، حيث يعيش والداه، وتبعد عن اكستر 17 ميلا. واكستر وهونيتون تقعان في مقاطعة ديفون Devon، ويبلغ تعداد سكانها بضعة آلاف.

كان صباح اليوم الخامس والعشرين من ديسمبر كئيبا حيث الضباب يغطي المقاطعة بكاملها، والبرد القارس والثلج يلقيان عباءتيهما على الطريق والأجسام. وصلنا عند الساعة الثامنة فاستقبلنا أبوه ريتشارد بحفاوة وشد على يدي وهو يصافحني بحرارة أذابت الثلج وأحسست بحرارة تسري في جسدي أدفأت عظامي. قابلتني والدته بابتسامتها المعهودة التي تنم عن عدم رضا بوجودي، لكنها (مرغمة لا بطلة). قابلت جدته التي جاوزت الثمانين عامًا وصافحتها أدبا ولم تنبس لا بولد أو بنت شفة.

جلست مع السيد ريتشارد نيوتن والد ديفيد فهو رجل مضياف وإنجليزي تسري دماء الإمبراطورية في دمائه. كان إنسانًا لطيفًا ودودًا ويحبني بجنون على العكس من والدة ديفيد التي تكرهني بجنون.

تحدث الأب عن الحرب العالمية الثانية التي شارك فيها في الجيش البريطاني وتناول بعض الكتب من على رف الدولاب في غرفة المعيشة وبدأ يريني بعض الصور والكتابات عن تلك الحقبة. عند الساعة الحادية عشر زارنا بعضا من جيرانهم ولم يطيلوا الجلوس وقدموا لنا الدعوة لزيارتهم مساءً في منزلهم الذي يبعد بضعة أمتار عن بيت آل نيوتن.

حان وقت الغداء عند الساعة الواحد وجلسنا على الطاولة المستطيلة وأحضرت والدة ديفيد صينية الديك الرومي الذي كان يربض في وقار يكسوه اللون الذهبي بعد أن قضى بضع ساعات في فرن الغاز ليصبح مشويا يسر الناظرين والآكلين، وأحضرت معه صينية بطاطس وجزرٍ وبازلاء مسلوقة. كنت اجلس في مقدمة الطاولة من الجهة الجنوبية للغرفة وعلى يميني والد ديفيد وعلى يساري ديفيد وعلى يساره جدته. جلست والدته في مقدمة الطاولة من الجهة الشمالية ليصبح الحبيبان اللدودان متقابلين. قامت بتقطيع أجزاء من الديك في صحون وإضافة شيء من البطاطس والجزر والبازلاء الخضراء في الأطباق. كانت قطع اللحم مشبعة إلا صحني فقد كانت قطعة اللحم تكاد تطير من خفتها، وتتثنى من رقتها. ملَأتْ صحني بباقي البطاطس والبازلاء والجزر فلم أعد أستطيع رؤية قطعة لحم الديك ووضعت الصحن أمامي وهي تبتسم في براءة وقالت:

Is it enough for you Ali?

هل هذا كفاية لك يا علي

كانت تقصد الخضروات وليس لحم ديك الحبش.

حملت قطعة اللحم في يدي والتي كانت 4X6 سم وأستطيع النظر من خلالها وقلت:

Mum this is too much; you are going to kill me

يا أمي (كنت أناديها كذلك لعلي أكسب حبها ورضاها) هذا كثير جدا، أتريدين قتلي من الشبع!

كنت أتميز غيظا لكن شيطاني همس في أذني أن أهدأ فلديه خطة جهنمية للانتقام.

عند الساعة الخامسة أعدت الأم بعضا من شطائر لحم ديك الحبش وسألتني هل أريد شيئا من ذلك. أجبت وابتسامة خبيثة تعلو محياي: لا أستطيع أن أتنفس يا أمي من بعد وجبة الغداء والصحن الذي أعطيتني إياه.

لبسنا معاطفنا عند الساعة السادسة؛ استعدادًا للذهاب لبيت جيرانهم لمعايدتهم والسهر معهم. وصلنا بعد دقيقة ونصف وفتحوا لنا الباب واستقبلونا بحفاو، كان البيت يعج بالضيوف.. قمت بجولة استكشافية فهناك أناس يستمعون للموسيقى في إحدى الغرف ويرقصون، وآخرون من كبار السن يتحلقون في دائرة ويتجاذبون الحديث، وفي غرفة ثالثة يجلس خليط من الرجال والنساء يتفرجون على التلفزيون. ألقيت عصا التجوال معهم وعند الساعة السابعة بدأ الجوع يعض ثنايا معدتي، قلت لديفيد الذي كان يجلس بجانبي: أريد الذهاب للنوم.

أجاب: سأذهب معك.

– لا داعي لذلك فأنا أعرف الطريق.

– سأذهب لأفتح لك الباب فالمفتاح معي

مشينا إلى البيت وفتح الباب وتمنى لي ليلة سعيدة وعاد أدراجه، وما إن أقفلت الباب حتى بدأ شيطاني في تجهيزي لتنفيذ خطته، كان المطبخ على اليسار مباشرة، وصلت إلى حيث ما نسميه بالبوتاجاز وجلست على الأرض وفتحت باب الفرن فرأيت الحبيب يربض في الصينية فسحبتها ووضعتها على الباب وشمرت عن يدي وبدأت رحلة التلذذ بلحم ديك الحبش الذي حرمتني منه والدة ديفيد. كانت أصابعي ويداي تفتك به من كل ناحية حتى أصابه تشوه بصري. أعدتُ الصينية إلى مكانها وقمت إلى المغسلة ونظفت بقايا الجريمة وذهبت إلى غرفة المعيشة حيث غرفة نومي (الأريكة). خلعت الجاكيت والجزمة وما إن هممت بتناول موزة من طبق الفواكه الذي على الطاولة أمامي إلا وباب المنزل يفتح وتدخل والدة ديفيد. جلست إلى جانبي وتحول وجهها وعيونها إلى المحقق كونان. هضمت تلك الموزة ثم سحبت البطانية ونظرت إليها قائلا:

– تصبحين على خير يا أمي.

– تصبح على خير علي

سبحت في عوالم أخرى حيث كنت متعبًا ولم أتنبه إلا وديفيد يقف عند رأسي عند الساعة السادسة إلا ربعا فجرا.

– أمي ليست سعيدة منك يا علي

– نظرت إليه وابتسمت وانا مستلقٍ على الأريكة: بسبب ديك الحبش

– نعم

– أعرف

– قالت لو وجدتكما عند الساعة السادسة والنصف عندما أصحو سأتصل بالشرطة، وهي تعني ذلك يا علي.

قمت على عجل وغسلت وجهي ووضعت جزمتي في رجلي ولبست الجاكيت وغادرنا ونحن نضحك.

ما زال ديفيد يذكرني بتلك الحادثة في كل عيد ميلاد عندما يتصل بي.

أرسل لي الدكتور غازي القصيبي -يرحمه الله- الذي كان سفير المملكة في بريطانيا وشمال إيرلندا، قصيدة قبل تلك الحادثة بأيام يسألني عن الكريسماس. كانت تلك الجريمة البريئة حافزا للرد عليه بقصيدة تتطاول جمالا وروعة في السبك والمعنى.

من الدكتور غازي القصيبي / علي أيها …. الأزوري!

ألا تأكل في عيد النصارى

طيب التيركي؟ Turkey

 

فإن مذاقه في الفم

مثل الحش والهكِّ

 

وقالو إنه يأتيك محشوا

مـــــــــــــن الجنكِ junk

 

وبالمالح والحلو

فكله دونما رسكrisk

 

وإن جاءك في الأمعاء

شيء بعدها … فابكي

 

وقل يا قوم ديككمُ

سيأخذني إلى هلكي

 

وقد كنت صحيحا

ثم صيرني

فري سكvery sick

 

………………………………..

2 الرد:

ملأت البن pen بالإنكِ ink

شحذت الفكر للسبكِ

 

وهذي قصتي غازي

فبيpay أذنا لما أحكي

 

أتاني ديفDave يأخذني

لأقضي العيد في توركيTorquey *

 

وقال القوم ما يؤذيك؟

قلت الهامham والويسكي

 

فأكلي ال فشfish والبيتزا

وشربي الشاي بالملك milk

 

وجاءوني بديكهمُ

كديك الجن في النسكِ

 

فبالسكين في اليمنى

واليسرى بها الفورك fork

 

لهفت الصدر من جوعي

وبطني فوندfond بالورك

 

وفي الحشوات والبودنجpudding

كن أصابعي سنكsunk

 

وتالي الليل في دعة

غزوت بقية التيركيTurkey

 

فألحقت الدمار به

ففكّي بارع الفتك

 

ولم أترك لدى المرحوم

أي مجال للشك

 

ختمت الريتشول ritual الديني

بأكلي موز كالمنكيmonkey

…………………..

بقلم/ علي عويض الأزوري

*Torquay: توركي مدينة ساحلية وتم تغيير الاسم من هونيتون إلى توركي ليتناسب مع القافية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى