ذكرت في سلسلة (والذكريات) قصة معرفتي بعائلة وارنر Warner، العائلة الإنجليزية الأرستقراطية ودعوتهم لي لقضاء بعض الوقت في مزرعتهم Upcott Farm التي تبعد عن مدينة اكستر حوالي الساعة بالحافلة. كانت المزرعة ملاذا روحيًّا ونفسيًّا؛ تأخذني إلى عالم آخر. كنت أعيش حياة تتناقض مع تكويني الذهني فأنا حفيد الفلاحين، والجدة للأب بول Paul جيناتها ملكية وتعود بأصولها للعائلة الملكية البلجيكية ويغلب على نطقها الإنجليزي اللكنة الفرنسة، ويتسم سلوكها بالوقار الفاخر، ملامحها تختلف عن سحنتي وملامحي (لا شك في ذلك) فأنا من ثقيف وفصيلة دمي ولونه أحمر قانٍ لا يتقاطع ولا يلتقي مع دمها الأزرق (عمرك الله كيف يلتقيان)، هي بلجيكية إذا ما استقلت وأنا إذا انتسبتُ من ثقيفِ.
لم نتحدث كثيرًا غير تبادل التحايا الاعتيادية casual greetings وليس ذلك لأرستقراطيتها وعلو شأنها وأصلها، لكن لم يكن هناك عوامل مشتركة تجمعنا، لكنها كانت تبتسم حين تراني وحين ألقي عليها تحية الصباح والمساء. كان يجمعنا عامل مشترك ألا وهو حب الماشية. كانت تملك قطيعا من الخراف التي تأخذها في الصباح للرعي مع أنه لا حاجة لها بذلك فأينما أدارت الخراف رأسها وحيثما وطأت قدماها ترى وتمشي على عشب أخضر يصل إلى بطونها.
بعد أن طردتني والدة ديفيد من منزلها لما فتكت بالديك الرومي لم أتحسر على ذلك بقدر حسرتي على أن ديكا روميا قطع حبل الوصل بيني وبينها، وعرفتُ أنه أغلى عندها مني.
دعتني عائلة وارنر لقضاء بضعة أيام في المزرعة في شهر نوفمبر وعندما حزمت أمتعتي للعودة إلى اكستر سألوني عن خططي لعيد الميلاد فقلت لا شيء بعد، فعرضوا عليّ قضاء عيد الميلاد معهم. كانت تلك الدعوة ثمينة بالنسبة لي فهي رد له أبعاد كثيرة على والدة ديفيد فأنا لست منبوذا كما كانت تظن.
استقبلتني كارولاين وفيث في محطة الحافلات مساء عيد الميلاد وذهبنا إلى (قصرهم) العامر في المزرعة، كانت الصالة أو غرفة المعيشة تتزين بشجرة الميلاد وإضاءاتها، قابلت بول وبيرتي (كلب العائلة والصديق الوفي). تحدثنا لبرهة من الزمن ثم افترقنا للنوم فاليوم التالي حافل لهم.
استيقظت كالعادة والطيور لم تغادر أوكارها، وذهبت للمطبخ حيث كانت كارولاين قد أعدت كأسا من عصير البرتقال وكوبا من الشاي لي، أخبرتني أنهم سيذهبون للكنيسة للصلاة وأستطيع البقاء في المنزل لمشاهدة التلفاز أو التجول في المزرعة فالبيت كما يقال بيتي.
اجتمعنا على طاولة الطعام فالرجال يلبسون بدلة وربطة عنق والنساء والفتيات يلبسن فساتين (ماركات). لبست بنطال جينز وربطت حول رقبتي كرافه/ كرفته وكأنني أضع حبل المشنقة حول عنقي فأنا أكره المناسبات التي تكون ضد طبيعتي، لا أحب أن البس إلا ما يناسبني ولكن تحتم عليّ فأنا في حضرة أرستقراطيين.
حضر بعض من أقاربهم من الجنسين وقضينا وقتًا ممتعًا لكن ليس بمستوى المتعة التي كنت أجدها في صحبة ديفيد وعائلته ربما لأن (شقاوتي) تظهر عندما لا أخنق نفسي بربطة العنق.
كان الدكتور غازي القصيبي -يرحمه الله- قد أرسل لي رسالة مقتضبة في بداية ديسمبر يقول فيها: أين أنت!؟ لا أفرغ الله لك جيبا ولا معدةً ولا دماغا.
جاوبته بقصيدة أخبره فيها بانشغالي عن مراسلته بعيد الميلاد وتأبين ديكٍ روميٍ آخر:
مرثية Turkey بن الرومي
وجاء العيد يا غازي *
وسانتا Santa
يحمل الآمالْ
للأطفالْ
في كيــــسِ
تجمعنا في Upcott Farm
هنا كارولينْ
هنا بولٌ Paul
هنا فيثٌ Faith
هنا بولين Pauline الجدة
هنا تريسي Tracy قريبة لهم
هنا الـنيفيو nephew
معَ النيــسِ niece
……………………..
(2)
وجاؤا
بالحبيب له
سكنُ skin
Crispy للمسِ
وأفخاذٌ يسيل لها
لعاب العين والنفسِ
وصدرٌ
ببعض الـ lust ألثمه
رعاها الله من كـــسِ kiss
فتنسيني هموم غدٍ
وحال اليوم والأمـــسِ
وتنسيني حساباتي
بالدولار والفلـــسِ.
…………………….
(3)
تحف جنازة المرحومْ
خمس صحون
بطيطاتٌ
معَ بيزٍ peas
معَ جزرٍ
مع قريفي gravy
مع لدسِ lettuce
تشرف جده الأعلى
من زمنٍ
بورثة هذه الـ legacy
………………………
(4)
وصاح الديك حين رأى
سكاكينا
وفوركاتا fork
مشرّعةً:
ألا ترحموا شيخا
قضى عمره نسكا
قضيت العمر كالقسّ
أنشادكم
بحق الجن والإنسِ
تراعوا
كل ماي رايتس my rights.
وإلا
رفعت عليكم دعوى
لـ أمنستيamnesty
…………………….
(5)
قرأت وصية المرحوم
وهو ينام في رستِ rest
ولم يبقى سوى سكلتون Skelton
من الأفخاذ والشستِ chest
ذكرت محاسن المرحوم
رثيت له
له أهديت ملحمتي.
بقلم/ علي عويض الأزوري