إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

فرعون: الشخصية السادية/ النرجسية/ البارانوية

علي عويض الأزوري

هذه المقالة/ الدراسة عن فرعون وآله. ليس هناك شخصية بذاتها لأن فرعون سلالة حاكمة مثل القياصرة والكياسرة، وهو عَلَـمٌ لجنس يشمل كل من ملك مصر من تلك السلالة باستثناء من اقترن اسمه مع موسى وهارون، وهذا به اختلاف في الاسم وليس الملْك والسلالة. إن شخصية فرعون شخصية مركبة ومعقدة، تظهر فيها كثير من صفات النرجسية والسادية والبارانوية.

تعتمد المقالة/ الدراسة على الآيات القرآنية التي ورد فيها ذكر فرعون وآله، وبعض تلك الآيات تذكر موسى وهارون -عليهما السلام- وهي حقبة تاريخية من زمن الفراعنة.

إن الشخصية النرجسية ينتابها شعور دائم مبالغ فيه بأهميتها وقوتها؛ وهي بحاجة دائمة للاهتمام والإطراء والمديح من الآخرين وتسعى دائمًا الي ذلك. لكن وراء هذا الشعور الذي هو بمثابة قناع تجده غير واثق ومتأكد من تقديره لذاته؛ لذا تراه لا يقبل النقد ولا الملاحظة من أي شخص (فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا) وينفجر غضبًا لدى توجيه أي نصيحة له أو انتقاده.

والنرجسي له صفات تميزه عن الآخرين وهي:

– الشعور الفريد بالذات وبالعظمة ﴿مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ﴾ ﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ﴾

هذه الآيات تتحدث عن فرعون المستكبر(عاليا) الجبار العنيد، هذا الشعور ينتج عن الإحساس بالعظمة، وذلك ما جعله يتجاوز الممكن أحيانًا والمستحيل أحايين أخرى ويمنحه شعورًا لا محدود بالجرأة والتعدي على ما لا يملك سواءً كان حقًّا خاصًّا أو عامًّا. يرمي السحرة حبالهم وعصيهم وهم موقنون بالغلبة بقوته وجبروته وسطوته ويقسموا بقوّة فرعون وشدّة سلطانه، ومنعة مملكته.

يتقاطع هذا الشعور مع الصفات الأخرى، فهو يرى أنه محور الكون (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) والمبالغة في قدراته وانجازاته ومواهبه ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ﴾

يطلب فرعون من وزيره هامان أن يبني له ما يعرف الآن ناطحة سحاب. ولعل هنا للتعليل والأسباب هي ما يتوصل به إلى شيء، أي الذريعة التي تتوصل بها إلى أمر من الأمور هو السبب والطريق، هو السبب الذي يوصل إلى المقصود.

– يراوده شعور الارتياب ممن حوله، لمّا أحس أن السحرة فقدوا مصداقيتهم وتساقطت حبائل خدعهم وبدأوا في التحول إلى ما يخشاه الفرعون، وهو التصديق بما جاء به موسى. تتجلى هنا دكتاتورية هذه الشخصية التي تُظهره حاكمًا مستبدًّا على الأبدان والأقوال. تقرر عنده وعندهم أن قوله هو المطاع، وأمره نافذ فيهم، ولا خروج لأحد عن قوله وحكمه، وبهذه الحالة تنحط الأمم وتضعف عقولها ونفوذها، وتعجز عن المدافعة عن حقوقها ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾.

بدأ يقدح في حق من يقف أمامه وينتقدهم ويقلل من شأنهم (مَكْرًا مَكَرْتُمُوه)، وتتجلى صفة أخرى باعتقاده أن كل الناس مدينة له (قبل أن آذن لكم) فهو ربهم الأعلى (أنا ربكم الأعلى) وهذا يؤكد إحساسه الفريد بذاته وعظمته.

– تظهر الصفة السادية (الرغبة في إسقاط الأذى على الآخرين) الممزوجة مع النرجسية في عدة مواضع ومن أبرزها ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾. ﴿قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى﴾

تجبر فرعون في الأرض التي يحكمها وتكبر وبغى، وعلا أهلها وقهرهم، حتى أقرّوا له بالعُبُودِيّةِ (نرجسية). وتتبدى السادية أن جعل أهل تلك الأرض فرقًا (شيعا) يذبح أبناء طائفة منهم، ويستحيي نساءهم. إن معنى يستحيي أن يتركهن على قيد الحياة ولا يقتلهن مثل أبنائهن؛ تلك السادية في أعلى صورها؛ عندما تشاهد النساء أبناءهن يُقتلن أمامهن ويُجبَرْن على العيش مع ذلك الألم، فالموت والألم يعتصر قلوبهن وأفكارهن كل يوم، يتعايشن مع ذلك الإرهاب والرهاب النفسي والذهني كل يوم مما يزيد من خوفهن وقلة حيلتهن لمواجهته، وينتج عن ذلك: الخضوع والخنوع له.

إن الفرعون يعاني من صعوبة في التعاطف مع الآخرين، مجرد من الرحمة، عديم الشفقة، ميت القلب، فهو يرى أنهم أقل منه منزلة وقدرًا، أليس هو الإله في ظنه؟

تعاني تلك الشخصية من اضطراب البارانويا وأهم ما يميزها:

– التفكير الإزردائي/ الاسقاطي projective thinking

– المركزية centrality

﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ ومن هذا الذي تزعم أنه رب العالمين غيري؟ هذا السؤال يحمل في طياته استنكارًا أن يكون هناك إله سواه. والسؤال أيضا عن جنس الشيء فاستفهمه استفهامًا عن مجهول من الأشياء كما يستفهم عن الأجناس، فلذلك استفهم ب “ما” (تفسير القرطبي).

هذا هو التفكير الإسقاطي، وهو حيلة دفاعية من الحيل النفسية اللا شعورية، وعملية هجوم يحمي الفرد بها نفسه ﴿وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾

﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ هنا يصنف فرعون نفسه أنه المركز لكل شيء فهو الذي يرى الحق (في ظنه) وهو من يهديهم إلى الطريق القويم وإلى الخلاص، وهي أيضا حيلة دفاعية، فأنا ما أريكم أيها الناس من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي ولكم صلاحًا، وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصواب.

ويستدل على مركزيته وعظمته حينما قال: ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾. يدعو الفرعون قومه إلى التفكير (تبصرون) الذي يتحكم فيه ويسيطر عليه بقوته وجبروته.

غير أن تلك الصفات التي تتسم بها الشخصية النرجسية/ السادية البارانوية غالبًا لديها شعور بالخوف من الموت (رهاب الموت)، ﴿حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾

تبين هنا ضعف تلك الشخصية على جميع المستويات وخوفها من الشيء الوحيد الذي لا تستطيع إيقافه أو دفعه أو التغلب عليه. إنه الموت.

بقلم/ علي عويض الأزوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88