إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

غير المغضوب عليهم

علي عويض الأزوري

تناولت أنا وعائلتي طعام الإفطار اليوم الخامس عشر من شهر رمضان عند صهري عادل وبنتي سجى وحفيديّ سارة وإلياس، دار نقاش هادئ بين عادل وبيني ونحن نرتشف فناجينَ من الشاي، قال لي:

– علمونا أن المغضوب عليهم في الفاتحة هم اليهود والنصارى، لكن عند قراءتي لكثير من الآيات التي ورد فيها المغضوب والغضب والضالين فإن المعنى يأخذ أبعادا أخرى، وذكر لي الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93].

أسّـريْتُ ما قال في نفسي حتى عدت سالما إلى بيتي وبدأت البحث ووجدت: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قرأ الجمهور: غير بالجر على النعت، قال الزمخشري: وقرئ بالنصب على الحال، وهي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب، ورويت عن ابن كثير، وذو الحال الضمير في (عليهم) والعامل: (أنعمت) والمعنى اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم ممن تقدم وصفهم ونعتهم، وهم أهل الهداية والاستقامة والطاعة لله ورسله، وامتثال أوامره وترك نواهيه وزواجره، غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين فسدت إرادتهم، فعلموا الحق وعدلوا عنه، ولا صراط الضالين، وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق، وأكد الكلام ب ” لا ” ليدل على أن ثم مسلكين فاسدين، وهما طريقتا اليهود والنصارى (تفسير بن كثير).

ويقول الشيخ بن باز: اليهود وأشباههم، الذين عرفوا الحق وحادوا عنه، وتكبروا عن اتباعه، وغير الضالين، وهم: النصارى وأشباههم، الذين تعبدوا على الجهالة والضلالة.

– بحثت عن الآيات التي وردت فيها مفردة غضب والضالين ووجدت أن غضب وردت في تسعة عشر موضعا، بينما الضالين وردت في ستة مواضع. (والضالون/ ضالون/ ضالين) في ستة مواضع أيضا، ومنها:

– (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا).

عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن قوله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) قال: إن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام، ثم قتل مؤمنا متعمدا، فجزاؤه جهنم ولا توبة له.

– {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} في قضية اللعان.

– {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

أخبر الله سبحانه أنه من كفر من بعد إيمانه، فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم، فأما من أُكرِهَ فتكلم به لسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوّه، فلا حرج عليه، لأن الله سبحانه إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم.

– {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} [البقرة: 198]

والمعنى في هذه الآية: وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِ الهدى والإسلام لمن الجاهلين لا تعرفون كيف تذكرون الله وتعبدونه.

– (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ)

إن العرب تضع من الضلال موضع الجهل، والجهل موضع الضلال، فتقول: قد جهل فلان الطريق وضل الطريق، بمعنى واحد، وكل من أخطأ في الوصول إلى الحق فإنه ضال حتى وإن كان مسلما، قال تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}

اخترت بعضا من الآيات التي وردت فيها مفردة الغضب والضلال وليس اختياري لحاجة في نفسي، وإنما لتبيان أن الغضب والضلال ليس حصرا على اليهود والنصارى، بل يشمل الأمم الأخرى ومنها المسلمون والمؤمنون.

السؤال: لماذا تم حصر فهمنا في اليهود والنصارى من قبل الدعاة والمشايخ والوعاظ؟

يظهر لي أننا لا نقرأ القرآن بقلوبنا ونتدبر معانيه ونبحث في التفاسير وما قاله العلماء الراسخون في العلم، وإنما هي التبعية التي توارثناها وأضيف إلى ذلك أننا نستمع أكثر مما نقرأ ولا نبحث، ونأخذ ما قالوه مُسَلَّما به، وذكرت في مقالة سابقة أن الاستماع يلغي مَلَكَة التفكير والخيال والتدبر.

شتان من يقرأ القرآن بقلبه ومن يقرؤه بعينيه.

بقلم/ علي عويض الأزوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88