إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

شعور الفقراء

خالد بركات

الأشياء التي نملكها هي ليست لنا في الحقيقة، بل مُنحت لنا لكي نستخدمها مؤقتًّا وستؤخذ منا عندما نغادر هذا العالم، لذلك يجب علينا أن نترفع عن وعي التملّك وأن نعطي ما نقدر عليه، وعندئذ سنجلب تلقائيًّا الخير والبركة لأنفسنا، لأن من يعطي يُعطى له. (برمهنسا يوغانندا)

قِصَّـةٌ وَعِبْرَةٌ:‏

ذاتُ ليلةٍ من ليالي الشِّتاء الباردة، كانت السَّـماءُ تُمطِرُ بشدة، وكان النَّاسُ في الشوارع يركضون محاولين الوصول إلى منازلهم بأقصى ‏سُرعةٍ وهم ممسكين بمظلاتٍ تحميهم من الأمطار، والبعض يركضون وهم يحتمون بسترتهم الجلدية.‏

في هذا الجو شديد البرودة كان هناك رَجُلٌ واقِفٌ كالصَّـنم لا يتحرك، ملابسه رثَّةٌ ويبدو عليه الفقر شديد الوضوح، وقف دون أن ‏يتحرك حركةً واحدةً، ولم يحاول الاحتماء بأي شيءٍ من الأمطار، حتى أن البعض ظنه تمثالًا. كان شارد الذهن ودمعة تبعث الدفء ‏على وجهه؛ نظر إليه أحد المارَّة باستحقار وسأله بسخرية:‏

ألا تملك أي ملابس أفضل مِن هذه؟

ووضع يده في محفظة النقود الخاصة به وقال له: في تكبر وازدراء: هل تريد شيئًا منها؟

أجابه الرجل بهدوء: أريدك أن تغرب عن وجهي.

فما كان من المار إلا أن ذهب غاضبًا وهو يتمتم: تبًّا لهذا المجنون المجنون.‏

جلس الرجل تحت المطر لا يتحرك حتى توقَّف المَطَرُ، بعد ذلك ذهب إلى أحد الفنادق بالجِوَار، فأتاه موظف الاستقبال قائلًا له: لا ‏يمكنك الجلوس هنا وَيُمنَعُ التسول، رجاءً انصرِف.‏

فنظر إليه الرجل وأخرج من سُترَتِهِ مفتاحًا عليه رقم ‏B1‎‏ هو أكبر وأفضل جناح في الفندق حيث يطل على النهر، ثم أكمل سيره إلى ‏المصعد والتفت إلى موظف الاستقبال قائلًا: أنا سوف أخرج بعد نصف ساعة، أفلا جهزت لي سيارتي من فضلك، ثم صعد دون أن ‏يقول كلمة أخرى.‏

صُعِقَ مُوظَّفُ الاستقبال؛ ووقف لا يدري ماذا يفعل، فحتى جامِعُوا القمامة يرتدون ملابس أفضل من هذا الرجل فكيف يكون بهذا ‏الثراء.‏

ذهب الرجل إلى جناحه، وبعد مرور نصف ساعة خرج رَجُلٌ ليس بالزي الذي دخل فيه، بل يرتدي بدلة فاخرة وربطة عنق وحذاء ‏يعكس الإضاءة من شدة نظافته وبريقه.‏

لا يزال موظف الاستقبال في حيرة من أمره

ولا يعرف ما سر هذا الأمر العجيب.‏

خرج الرجل وركب سيارته الرولز رايس، ونادي الموظَّفَ قائلًا: كم راتبك؟

قال الموظف: 2000 دولار يا سيدي.

فسأله الرجل: هل يكفيك؟

قال الموظف: ليس تمامًا يا سيدي.

فقال الرجل: هل تريد زيادة؟

الموظف: ومن لا يريد يا سيدي؟

قال الرجل: أليس التسول ممنوع هنا؟

رد الموظف في حرج شديد: بلى

فقال الرجل: ” تبًّا لكم “تُرَتِّبُون النَّاس حسب أموالهم، فليت شعري مَن بَدَّلَ سلوكك معي في دقائق وأردف قائلًا: في كل شتاء أحاول ‏أن أجرب شعور الفقراء، أخرج بلباس تحت المطر كالمشردين، كي أحس بمعاناتهم، أما أنتم فتبًّا لكم، من لا يملك مالًا ليس له احترام، ‏وكأنه خُلِقَ عارًا على الدنيا، إن لم تساعدوهم فعلى الأقل لا تحتقروهم، فليسوا أقلَّ منكم في شيء.‏

العبرة: لا يأسرك جمال الصورة والمظهر في الملبس، كما يأسرك جمال النفس في الإنسان، ولا يستهويك يومًا جمال اللون في أية نبتة كما يستهويك جمال العبير في النباتات.

اللهم اجعلنا من الذين تيقنوا وأيقنوا أن الخير كله بيدك فلا ننتظر مخلوقًا وَلا منزلة عند أحد.‏

رسالة من عبدِ الله لعبدِ الله

بقلم/ أ. خالد بركات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88