إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

موسى والخضر وأفعال الحركة والإرادة البشرية والإلهية

علي عويض الأزوري

(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا)

هذه الآيات كما هو معلوم وردت في سورة الكهف وهي حوار بين موسى والخضر عليهما السلام. قبل أن أتعرض للأفعال في الآيات السابقة أعود إلى ما حدث من قضية خرق السفينة (فخرقها. أَخَرَقتها)، وقتل الغلام (لَقِيا غلاما فقتله)، إقامة الجدار (يريد أن ينقضَّ فأقامه)

– الأفعال (فخرقها، فقتله، فأقامه) أفعال حركة action verbs

– خَرْق السفينة يتطلب جهدًا وعملًا ولا نعلم ماهي الأداة التي استخدمها العبد الصالح لخرق السفينة، لكن ما يهم النتيجة.

– قتل النفس محرم إلا بالحق وهو فعل شنيع يتطلب شجاعة والتخلي عن الرحمة عند التنفيذ.

– هدم الجدار وبناؤه يدل على مهارة العبد الصالح في هذه المهنة.

هنا مسألة لغوية جميلة فيما يخص الجدار حيث تقول الآية (يريد أن ينقضّ):

قال بعض أهل البصرة: ليس للحائط إرادة ولا للمَوَات، ولكنه إذا كان في هذه الحال من رثة فهو إرادته وهذا كقول العرب في غيره:

يُريدُ الرُّمحُ صَدْرَ أبي بَرَاءٍ … وَيَرْغَبُ عَنْ دِماءِ بَنِي عُقَيْلِ

وقال آخر منهم: إنما كلم القوم بما يعقلون، قال: وذلك لما دنا من الانقضاض، جاز أن يقول: يريد أن ينقض، قال: ومثله ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْن﴾ وقولهم: إني لأكأد أطير من الفرح، وأنت لم تقرب من ذلك، ولم تهمْ به، ولكن لعظيم الأمر عندك، وقال بعض الكوفيين منهم: من كلام العرب أن يقولوا: الجدار يريد أن يسقط، قال: ومثله من قول العرب قول الشاعر:

إنَّ دهْرًا يَلُفُّ شَمْلِي بِجُمْلٍ … لَزَمانٌ يَهُمُّ بالإحْسانِ

وقول الآخر:

يَشْكُو إليَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى … صَبْرًا جَمِيلا فَكِلانا مُبْتَلى

قال: والجمل لم يشك، إنما تكلم به على أنه لو تكلم لقال ذلك، قال: وكذلك قول عنترة:

وازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ القَنا بِلَبانِهِ … وشَكا إليَّ بعَبْرَةٍ وَتحَمْحُمِ.

قال: ومنه قول الله عز وجل: ﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ﴾ والغضب لا يسكت، وإنما يُسْكت صاحبه، وإنما معناه: سكن. (الباحث القرآني)

– تلك الأفعال قام بها العبد الصالح بداية بخرق السفينة وهي نتيجة لسبب وهو: أن كان وراءهم ملك يأخذ السفن الصالحة ويصادرها. مفردة وراء تعني في اللغة خلف، ولكن تستخدم أيضا بمعنى أمام. في اللغة المحكية نقول: استعد وراك اختبار غدا، ووراك وراك ولو الزمن طويل، وتستخدم هنا للوعيد الشديد.

– عندما يكون الطلب حثيثا تستخدم مفردة (وراء) بمعنى أن لا مفر ولا مناص.

– ورد أن ابن عباس قرأ (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا)

– إن المسكين أحسن حالا من الفقير، وقيل: إنهم كانوا تجارا ولكن من حيث هم مسافرون عن قلة في لجة بحر، وبحال ضعف عن مدافعة خطب عبَّر عنهم بمساكين؛ إذ هم في حالة يُشفق عليهم بسببها، وهذا كما تقول لرجل غني وقع في وهلة أو خطب: مسكين. التفاسير (القرطبي، البغوي الطبري)

– السبب والنتيجة في الفعل الثاني (القتل) أن الغلام كان كافرا وهذا السبب والنتيجة إبدال والديه بطفل آخر يكون مؤمنا.

– هدم الجدار سبب لأن هناك كنز والغلامين صغيرين، والنتيجة يكبران ويجدا ذلك الكنز.

أما أفعال الإرادة وَرَدتْ على وجوه: فأردتُ، فأردنا، فأرادَ.

– العبد الصالح كان لديه ثلاث مهام ينفذها. تلك المهام من الله سبحانه وتعالى يعلمها هو ويجهلها موسى وفتاه. في الفعل أردت نسب ما قام به إلى نفسه مع أنه مأمور بخرق السفينة، لكن يقول العلماء أن ذلك تأدبا مع الله، وأضيف أن ذلك فعل بشري.

– الفعل الثاني (أردنا). هناك اشتراك في الفعل وفي الإرادة، فالقتل أمر من الله أراده، وكلف العبد الصالح فقام بتنفيذه عن رضا طاعة لخالقه، والإبدال (أن يبدلهما) من الله. يقال إن الأم كانت حاملا فلذلك قال يبدلهما.

– الفعل الأخير أراد ربك، وذلك من علم الغيب، فنسب الفعل لله سبحانه.

– يلاحظ أن الفعل الثالث يختص بالله سبحانه بينما الفعل الثاني بالله سبحانه والعبد الصالح فالفعل مشترك بينهما، لكن هناك فعل بشري (القتل مع أنه بأمر الله) والثاني الإبدال الذي لا يستطيع عليه الخضر ولكن هو بقدرة الخالق.

– الإرادة والمشيئة في الأفعال الثلاثة متداخلة، فالعبد الصالح كان على علم بالأسباب والنتائج، واشترك في الإرادة في شيء (خرق السفينة وقتل الغلام والهدم والبناء)

– لم يذكر النص القرآني فتى موسى وانقطع خبره عندما (فارتدا على آثارهما) ثم وجدا العبد الصالح. كان شاهدا ومرافقا لهما لكنه لم يشترك في الإرادة والفعل والتنفيذ، وإخفاء خبره لحكمة لا يعلمها إلا الله.

بقلم/ علي عويض الأزوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88