إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

شهريار في ضيافة القرشي!

مرفت عبد الجبار

على غير العادة في تفضيلاتي لقراءة الروايات بتقديم الروايات القديمة على الحديثة غالبًا، إلا أنني استمتعت بقراءتي للرواية الحديثة الممتعة “شهريار” للأستاذ خلف القرشي، وهذا الخيال الساخر منه في جمعه بين الماضي والحاضر عبر استدعائه للملك شهريار من أروقة أساطير الكتب، فأنت تعيش لحظات ومشاهد يمتزج فيها الماضي الذي يمثله الملك شهريار ورفيقته شهرزاد، والحاضر الذي يمثله بطل الاستضافة أبو ناصر وزوجه ورفيقه.

تبدأ مغامرة خالد (بطل الرواية) عبر ورطته بتبعات استضافته للملك شهريار، حيث يلزم من هذه الزيارة التي لم يعلم إلى كم ستستمر من القيام بواجب الضيافة التي يتمتع بها العربي قديمًا وحديثًا مع كافة الناس، فضلًا عن ملك ذائع الصيت امتلأت الكتب بأخباره، ولا يتصور أن تكون ضيافته إلا على مقاييس زماننا الذي حل فيه، ومن ذلك نزوله بمقر إقامة يستطيع معها خالد تلبية جميع متطلبات هذه الزيارة، لكن المشكلة تكمن بكيفيه إخبار خالد للناس أو إقناعهم بأن الملك مسافر عبر الزمن!، حتى مع ملامحه وثيابه ولسانه الفصيح الدالة على كل مظاهر الاختلاف بينه وبين الآخرين.

فلك أن تتخيل ما هي العقبات التي واجهها خالد ليحدث العقلاء بما لا يعقله حتى المقربون منه (زوجه وصديقه)، ثم والي المنطقة، والناس في بلدته، وعن تلك المهمة المستحيلة التي واجهته، والحيل التي نسجها ليخبر الشرطة عن ماهية هذا الشخص، والتي فتحت على خالد باب مراقبتهم له والتقصي عن سجله الأمني، وعن حالته النفسية وسلامته العقلية.

من المشاهد أيضًا والتي احتلت فواصلَ فكاهية متتالية هي شخصية الملك شهريار نفسه الذي خلف له هذا السفر صدمة حضارية على كافة المستويات، خاصة أثناء استعراضه لصور الشهيرات في زماننا عندما أصر على خالد أن يأتيه بالجواري، فأسقط في يد خالد وعجز عن إفهامه باستحالة حصوله على إحداهن في عالمنا ولكن ساهم الآيباد في حل جزء من تلك المشكلة، إضافة لتعريفه بأشهرهن “أميرة ويلز”، وانبهارالملك بالتلفاز وحلول الناس فيه.

ثم ينتقل بك المشهد لأم ناصر (زوجة خالد) ودورها المحوري في جلب شهرزاد كي ترافق زوجها العالق في زمان غير زمانه لتكون رفيقة له في هذه الرحلة، والمشكلات التي حصلت بحضورها ومحاولة إلباسها الحاجب لشدة جمالها، وتقصي شخصية معينة عنها رغبة في خطبتها، تفاصيل لا تخلو أبدا من الطرفة والمتعة، والتي معها أدعو بقية المشاهد لقراءة القارئ.

تمتاز الرواية حقيقة بالإضافة للجانب الساخر فيها، بحسن توظيف بعض العبارات العامية مع لغة الرواية العربية، بطريقة لا تؤثر على لغة السرد ولا جمال الحبكة، وبعدها عن الحشو والتكرار الذي يخل بجمالية السرد واسترسال الخيال.

من الجميل أن تسلك الروايات الحديثة هذا المسلك الذي يعيد لقارئ الروايات استمتاعه بما يقرأ، لأن بعضها الآخر بعيد كل البعد عن مسمى “رواية”، وإنما هي أشبه بتجميعات من هنا وهناك لأغراض متعددة لا تضيف للمكتبة المعاصرة إلا التشوه وتدني الذوق الكتابي.

بقلم/ د. مرفت عبد الجبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى