إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

جانبي الأیسر

وداد الإسطنبولي

صورة ذهنية مشوشة، لا أذكر سوى أني كنت أجید البكاء؛ عندما مد یده ووضع على راحتي اليسرى  قطعة شوكولاتة، فھذا الجانب غیرالمضيء في ذاكرتي يزيدني ولعًا بالأشياء؛ نظرت إلیھا طویلًا ولا أذكر كم ثانية أو دقیقة، وربما مرَّ وقت طويل وأنا أنظر إلیھا.

آلمتني ضرسي اليسرى؛ فقد كانت عملية إقلاعه صعبة؛ نتج على إثرھا تورم واضح على وجھي، تأملته على المرآة وأنا أشیح بنظراتي عنه كي لا أراه بصورة واضحة، أخذتني خطواتي إلى السرير، فسبقني ذلك الظل الذي یقبع أمامي كلما تحركت بي الخطوات، وتذكرت مقولة مشھورة:” إذا مرضت الأسنان فھو شؤم على أھل الدار”.

ربما أنا أهلوس الآن من شدة الألم ولكني أشعر بھا جيدًا، تُربت بیدھا على كتفي اليسرى، وتبتسم لي بحنان وارف، شعرت وكأني لا أطیق على النهوض بفقد  ضرسي، ذھبت أمي عني فذكرتني بذلك الظل المشروخ المغتصب من طفولتي.

أرخيت عیناي للنعاس وظلت عيني اليسرى تتفقد ما تبقى من ظلام ينتشر على السرير، شعرت وكأن أفكاري بدت بلیدة وھشة.. مثل أنفاسي اللاهثة، ثوبي الرفيع أراه یرتفع من دقات قلبي الصغیرة المتسارعة. راودتني ابتسامة حالمة، بماذا یاترى؟ فهل هو حلم الطفولة؟ وما حلم الطفولة إلا طيران بحریة، وسماع زقزقة العصافير، وحافلة المدرسة، واللعب مع الأصدقاء، أما ھي فحافلتھا سیارة جیب تخفي نفسها فيها، وحریتھا كفجوة ضرسھا في فم  خاوية.

أتقلب الآن على جانبيّ، ويستقر بي المقام على الجانب الأيسر، فتنكمش نفسي من الألم، وأشرد بنظراتي بعیدًا تحت ظل صوت ضئيل مسموع:

“لقد لمحت بعیني اليسرى في ذاك الحلم، معلمة التاریخ تخط بيدها، فھل كانت تسطر شيئًا؟ أم كنت أنا ألعب مع الأموات؟!

وعدت مجددًا إلى راحتي اليسرى متأملًا قطعة الشوكولاتة، نظرت إلیھا  طویلًا، ولا أذكر كم ثانیة أو دقیقة مرت، وربما مر وقت طويل وأنا  أنظر إلیھا، ولكني أذكر أني أطلقت ساقي اليسرى  وأخیرًا قذفتھا بعیدًا.. بعیدًا، ومرغت راحتي بالتراب مخافة من اللعق.

بقلم/ وداد الإسطنبولي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى