زوايا وأقلاممواسم الخير

بين حج (الأونطة) وحج الشعارات!

السعودية لا يمكن أن تمنع مسلمًا عن شعائر الله والبيت الحرام وأداء مناسك الحج والعمرة في مكة المكرمة وزيارة رسول الله في المدينة المنورة.

ولكن مع كثرة أعداد المسلمين ومحدودية المكان والزمان والطاقة الاستيعابية للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، فإن تنظيم الحج خصوصًا أصبح واجبًا ومسؤولية تقع على عاتق المملكة العربية السعودية ويتفهمها صناع القرار والواعون من الناس في كافة الدول الإسلامية.. لأن الأمر ليس مسألة مزاجية أو مسألة فرض إرادة وعضّ أصابع وأخذ وجذب، بل مسألة تحتمها الجغرافيا التي لا يمكن تغييرها، إذ إن حدود مِنى ومزدلفة وعرفات مرسومة معلومة منذ عهد النبوة ولا يمكن للسعودية تغيير تلك الحدود والمعالم لتستوعب أعدادًة أكبر، وكذلك يحتمها الوقت الذي يكون في أيام معلومات منذ عهد النبوة أيضًا يتحرك فيها الحجيج سويًّا من موقع إلى موقع، منذ طواف القدوم، وأيام التروية، ويوم عرفة، ويوم العيد، ورمي الجمرات، وصولًة إلى طواف الوداع.. ولا يمكن للسعودية أن تغير أوقات الوقوف بعرفات مثلًا أو تمددها ليومين أو ثلاثة لتوزع هذه الكتل البشرية على أيام الأسبوع أو على الساعات، والجميع يعلم أن الوقوف بعرفة مثلًا محدود بساعات لا زيادة فيها ولا نقصان. وغير ذلك من أيام وساعات المناسك الأخرى.
ولهذا اتفقت الدول الإسلامية -بما فيها السعودية نفسها- على نسب معينة من مواطنيها يأتون للحج كل عام. وفرضت السعودية على مواطنيها والمقيمين فيها ضرورة الحصول على تصريح للحج مثلهم مثل القادمين من الخارج، بحيث يكون مجموع الحجاج القادمين من جميع الدول ومن داخل السعودية ملائمًا لمحدودية الزمان والمكان كما أسلفنا، ويكون مناسبًا أيضًا للطاقة الاستيعابية ليس فقط في الحرمين الشريفين والمشاعر بل وحتى في عدد الوحدات السكنية وتجهيزات البنية التحتية، والخدمات المقدمة كالاتصالات والكهرباء والطرق والرعاية الصحية وإمدادات الماء والغذاء والصرف الصحي، وضمان الأمن والسلامة للجموع البشرية الهائلة. وتعمل السعودية جاهدة كل عام من أجل توفير تلك الخدمات وتسخر كافة إمكاناتها البشرية والمادية لتحقيق ذلك.

ومن المؤسف أن يستغل بعض المقيمين وجودهم داخل السعودية بغرض العمرة أو الزيارة أو العمل ليحجوا دون الحصول على تصريح، ويُزَورون الأوراق ويكذبون ويتحايلون ويرتكبون الحرام لأداء الحلال دون استشعار لأهمية وقيمة ركن من أركان الإسلام، ودون استحضار لمقاصد الشريعة التي يسّرت على الناس باشتراط الاستطاعة وليس تكليف النفس فوق طاقتها أو حملها على الغش والتدليس. ويحاولون الدخول إلى مكة والمشاعر بكافة الطرق دون ضمان سكن أو وسيلة مواصلات، فيملؤون الطرقات ومسارات الحجاج ويفترشون الأرض ويرمون بفضلاتهم كيفما اتفق، ويربكون الخطط الأمنية التي وضعت أساسًا لسلامة الحجاج وضمان راحتهم وانسيابية تنقلاتهم، ويرهقون كافة القطاعات بتقديم خدمات أكبر لمجموعات بشرية خارج الحسبة وخارج النظام. ولهذا فإن السعودية لن تتساهل مع كل من يريد الاحتيال (والفهلوة) لأداء الحج (بالأونطة) ويعتبر نفسه أفضل من مواطنيه الذين ينتظرون لسنوات طويلة من أجل الحصول على هذه الفرصة العظيمة؛ وستضرب بيد من حديد على كل مخالف للأنظمة.

ومن المؤسف أيضًا أن يأتي بعض الحجاج ليروج لأفكاره الحزبية والسياسية أو المذهبية والطائفية.. وينسى أن هذا من الجدال المنهي عنه في الحج، فليس كل الحجاج من دولتك ولا من حزبك، ولا هم على مذهبك ولا من طائفتك، بل معظمهم يخالف فكرك وتوجهك وانتمائك، ولن يقبل الناس أن تفرض عليهم أمورًا لا يريدونها أو زعماء لا يطيقونهم؛ ومن الطبيعي أن تجد من يقابل فعلك برفع شعار حزبه (هو ودولته، هو وطائفته، هو وزعيمه، هو …)، ثم يصبح الحج مرتعًا للخلاف والجدال والنقاش وربما الصراع والمواجهة؛ فتجد أبناء الدولة الواحدة يتقاتل سنيهم مع شيعيهم، ويمينيهم مع يساريهم، وتجد الشرق ضد الغرب والشمال ضد الجنوب، وهكذا.

ولذلك منعت السعودية منعًا باتًّا صارمًا حازمًا رفع الشعارات والرايات، ليكون الحج عبادة خالصة نقية من كل الشوائب العنصرية والآفات المذهبية، حج لا فرق فيه بين عربي وأعجمي، ولا غني ولا فقير، ولا مأمور ولا أمير. حج يجمع المسلمين ولا يفرقهم.. كما أراد الله له ورسوله.

بقلم/ صالح جريبيع الزهراني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88