إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

مرحلة التحول الإنساني (مكينسانية) وما بعد الإنسان والتفرد (الجزء الثاني)

علي عويض الأزوري

يمكن إرجاع جذور المكينسانية إلى حركات فكرية وثقافية مختلفة عبر التاريخ. على الرغم من أن المصطلح نفسه صاغه عالم الأحياء جوليان هكسلي في عام 1957، إلا أن أسس التفكير المكينساني كانت تتطور لبعض الوقت.

يتتبع العلماء جذور الإنسانية humanism إلى تيارات في الفكر اليوناني والروماني، وبعد ذلك إلى عصر النهضة الأوروبية حيث بدأ الكتاب والمفكرون في تركيز اهتماماتهم على الشؤون الإنسانية والفكر الإنساني والحالة الإنسانية، بدلا من اللاهوت أو ضيق الأفق (يتعلق فقط بمجموعتهم الخاصة المحددة بالدين والعرق، أو الجغرافيا). لكن كتقليد فكري محدد وأيديولوجية اجتماعية تحمل الاسم، تشكلت الإنسانية بدءا من أوائل القرن التاسع عشر. ترى المبادئ الأساسية أن البشر، على عكس أجزاء أخرى من الطبيعة، يتمتعون بالعقل والقدرة على التفكير والوعي الذاتي، وأن البشر غير مصممين، وأحرار في وضع قوانينهم، وتشكيل بيئتهم الخاصة بهم بالأدوات والخيال، وأنه لا يوجد مستقبل محدد سلفا، أو مصير ثابت، أو وجهة متعالية وأخرى، مما يعني أن البشر كانوا مسؤولين تماما عن صنع تاريخهم وبالتالي مستقبلهم في هذا العالم الأرضي (Janicaud 2005; سارتر [1946] 2007 تشاكرابارتي 1997; تايلور 2005). حددت هذه المجموعة من الادعاءات في وقت واحد طبيعة البشرية ككل وبنت فكرة عن البشر على عكس الكائنات الأخرى التي لا تنطبق عليها نفس الصفات وبالتالي لم تمتد نفس المجموعة من الحقوق السياسية والقانونية.

يقترح علماء المكينسانية أن العقل البشري قابل للاختزال ليس فقط في ركيزته الكيميائية الحيوية ولكن أيضا إلى شيء أكثر جوهرية يسمى المعلومات التي تميز كل الوجود في الكون، ونظرا لأن الحوسبة القائمة على السيليكون هي أساس العمليات المعلوماتية اليوم، يجادل علماء المكينسانية بأن ذكاء الآلة يمكن أن يصبح واعيا؛ مما يجعل البشر المكتنزون لحما في النهاية شيئا عفا عليهم الزمن. تعتبر عملية التقدم التكنولوجي هذه نحو حضارة حسابية فائقة الذكاء جزءا من تكشف أكبر للذكاء في الكون، وهو نهاية عالمية للوجود لا يشكل البشر سوى مثال واحد عليها.

هنا يظهر جليا عملية الاستبدال أو الإحلال replacement. سيصبح البشر في يوم ما كائنا مهدد بالانقراض. الإنسان يستبدل نفسه بآلة أو ماكينة أو ما أسميناه ماكينسان. تلك النهاية العالمية للوجود تشمل أشياء كثيرة ربما جميع الكائنات الحية على الأرض، والخطورة أن يتعدى هذا إلى الكواكب الأخرى، فالتفكير البشري ليس له حدود، لا سيما أنه ألغى المعتقدات الدينية واللاهوتية والأخلاقية.

يرتبط العديد من اللاعبين الأقوياء في قطاع التكنولوجيا في شركات مثل قوقل Google وPayPal  بـَـيَ بال وSpace   Xإكس سبيس  بالمكينسانية. الأكثر من ذلك، أن الأفكار التي تم تداولها بين أنصار المكينسانية قد دخلت بيئة اجتماعية أوسع: على سبيل المثال، كما وثقت عالمة الأنثروبولوجيا والإعلامية تمارا كنيس، فإن الخلود الرقمي والسيبراني (الحفاظ على الصور الرمزية والملفات الشخصية والمحادثات بعد الموت) أصبحت الآن جزءًا من خطاب واهتمامات العديد من شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة.

مثال آخر على ما يقترحه أنصار المكينسانية هو تعزيز القدرات المادية بما يتجاوز الحدود الطبيعية. يشمل ذلك ربما الأطراف الاصطناعية التي توفر قوة أكبر من تلك المكونة فقط من اللحم والعظام.

قد يتضمن أيضا هياكل خارجية مصممة للعمليات العسكرية أو غيرها من الأعمال الشاقة جسميا، والتي تعزز القوة والقدرة على التحمل عن طريق زيادة العضلات البيولوجية بدلا من استبدالها.

يبدو هذا على أنه (قطع غيار). يدور التخطيط على استبدال أعضاء الإنسان بأعضاء اصطناعية تتناسب مع الغرض والهدف الذي يفكرون فيه. هذا المخلوق الجديد يقوم الذكاء الاصطناعي برسمه مسبقًا، وتوضع الخطط لاستخدامه ويكون بناؤه وتصميمه على أسس تخدم مصالحهم، وفي الغالب تكون الأهداف مدمرة وشريرة.

لعب أدب الخيال العلمي أيضًا دورًا مهمًّا في تعميم أفكار المكينسانية. تصوّر كتّاب مثل آرثر سي كلارك وإسحاق أسيموف مستقبلا يندمج فيه البشر مع التكنولوجيا، أو يتجاوزون القيود البيولوجية، أو يطورون ذكاءً خارقًا.

 ولعل مشروع Neuralink نيورا لينك التابع لإيلون مسكElon Musk أحد تلك المشاريع التي تهدف في النهاية إلى الغرسات التي من شأنها أن تمنح البشرية علاقة تكافلية مع الذكاء الاصطناعي.

لكن يبقى السؤال المحير: إلى أين؟

بقلم/ علي عويض الأزوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى