إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

تثوير الشعوب بـ “الواتساب”

لا يبدو النجاح حليفًا للديمقراطيات في الشرق الأوسط، لا سيما البلاد العربية، بعدما آلت نظريات التغيير السياسي في دول مثل العراق ولبنان، إلى عدم استتباب واضح، فيما لم تقدمّ الدول التي هبّت عليها رياح الانتفاضات في (ليبيا، وتونس، والجزائر، والسودان، ومصر)، تجاربا يُبنى عليها، ويُقتدى بها.

بل إنّ ما حدث، تفاقم تيار معاكس يمضي إلى غير الطريق المُراد منه في الوصول إلى ديمقراطية حقيقية.

في مقال كتبه الكاتب الأميركي، والصحافي السابق بجريدة “وول ستريت جورنال” روبرت مري، فانّ الولايات المتحدة تعقّبت في بلد مثل العراق، مشاريع دعم الديمقراطية، لكن واقع الحال يكشف عن أنّ بنية المجتمع والبيئة السياسية والقوانين، والتأثيرات الإقليمية، جعلت من تدوير الحياة السياسية بمحرّك الديمقراطية المستوردة غير ذي فائدة.

الولايات المتحدة تبنّت عبر عقود، برنامج نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، وكان أبرز محاولاتها في اجتياح العراق عام 2003، متأملة في أنّ الدروس المستقاة من التجربة العراقية سوف تكون مثالًا ورمزًا لدول المنطقة.

العراق ليس استثناءً، ذلك أن الكثير من الدول تشعر بالإحباط والتثبيط من انهيار المسار الديمقراطي، بعدما نجحت القوى المهيمن -النقلية والعرفية والتراثية- في تعويق التغييرات.

في الكثير من الدول التي تقف وراء واجهة الديمقراطية، يمكن للمحاكم الدستورية -مثلًا-أن تفرض رأيها على الشعب، كما يمكنها إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية، فضلًا عن أن المُستحكم على الحياة السياسية هي الديكتاتوريات الحزبية، والعائلية والعشائرية، في الكثير من البلدان.

تهتاب دول في الشرق الأوسط من المشاعر والخوالج الديمقراطية الفياضة، وتسعى إلى الحؤول دون شموليتها وتحولها إلى فعل دائمي في الحياة، اذ يُراد لها أن تكون موسمية، في وقت الانتخابات ثم يعود كل حال إلى ما كان عليه.

(مري) في كتابه “رمال الإمبراطورية” يذهب إلىأن انتصار أمريكا في الحرب الباردة أسدى القوميين الإيمان في أنفسهم، وباشر رؤساء أمري صحكا مثل جورج بوش الأب، في الحديث عن النظام العالمي الجديد، وبلغت موجة الدعوات (المثالية) لنشر الديمقراطية في الشرق الاوسط ولو بالقوة على أشدها حين خطب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن خلال فترة رئاسته الثانية في العام 2005، مهيبا بالأمركيين الوقوف معه للقضاء على “الاستبداد في العالم”.

وعزّزت حرب تحرير الكويت ثم الاجتياح الأمريكي للعراق، هذه الثقة، التي بدأت تترنح اليوم بسبب نتائج ثورات الربيع العربي السلبية، ومن ذلك إسقاط نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي آل إلى فوضى عارمة.

يُرجع المؤرخ والكاتب الألماني، أوسفالد شبينغلر، فشل محاولات إرساء الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي إلى جبروت القوى الاجتماعية والدينية التي تؤمن بالفعل الجمعي وليس الفعالية الفردية، معتبرًا أنّ من أسرار نجاح الغرب في هذا، هو تضخّم الأنا على حساب فكرة التسليم التي كانت تسود أيضًا الفكر المسيحي، وقدرة الفرد على الفعل خارج الجماعة الدينية والاجتماعية، ونجاحه في الفصل بين الدولة والدين.

الذي يتحكّم في مسارات ديمقراطيات عربية غير ذلك تماما، حيث الحكم والدين متشابكان، وحيث الثقافة الاجتماعية التي تفضّل الانطواء على الانفتاح، وتقرّ بالمعتِق الفرد، والقائد التراكمي الاستبدادي.

في عهد دونالد ترامب، يعود الأمل مجددًا بيْن ساسة الغرب والولايات المتحدة، في تغيير الشعوب الأخرى وإعادة صناعتها عبر دعم التثوير بالريموت كونترول والفيسبوك وتويتر والتراسل الفوري، تمهيدًا لجني ثمار الديمقراطية في المنطقة. والجديد في أدوات التغيير أن الغرب بات يمتلك أدوات التواصل الاجتماعي التي تمكنّه من التواصل المباشر مع الشعوب عبر ترابط مباشر، لا بواسطة أنظمة وحكومات.

الكاتب العراقي/ عدنان أبوزيد

مقالات ذات صلة

‫51 تعليقات

  1. لا يبدو النجاح حليفًا للديمقراطيات في الشرق الأوسط، لا سيما البلاد العربية فعلا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى