إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

قراءة في قصة “أمي ترضع عقربًا”

صباح أحمد العمري

أحداث هذه القصة القصيرة تدور بين أرجاء قرية افترشت سفوح الجبال، حيث الطبيعة الهادئة الجميلة، والحياة التي تسود فيها العادات والتقاليد وبعض المعتقدات التي يؤمن بها أصحابها.

سارد القصة طفلٌ صغير عاش حدثًا أثر في نفسه وترك بصمة على حياته، يومٌ استثنائي في حياة والدته،تلك المرأة الحنون التي تخاف على أسرتها وتهتم بهم.

في صباح كل يوم كعادتها تؤدي صلاتها بروحانية وخشوع وتدعو بصدق لزوجها وأبنائها وأحبتها، إلا في صباح ذلك اليوم، لاحظ أنها قد أطالت الصلاة وراحت تدعو بشدة وكأنها تطلب حدوث أمر هام وتلح فيه، ثم قامت تتابع تفاصيل بقية يومها من اهتمام بتجهيز الإفطار ومساعدة زوجها، وتجهيز أبنائها للمدرسة، ولكن ما أثار فضوله في ذلك الصباح أنه رآها تتجه نحو الحظيرة، ولم تساعد زوجها كعادتها،فرآها تبحث بين شقوق جدار الحظيرة عن شيء ما،ليكتشف أنها عقربٌ ضخمة! ذُهل حين رأى أمه تدرُ حليبًا من ثديها لتشرب منه العقرب، وبالفعل امتصته. تذكر حينها الحكاية الشعبية التي كانت تقصها عليهم، التي تقول: بأن العقرب إذا رضعت من ثدي امرأة تصبح أختًا لأبنائها، إلا أن المفاجأة أن العقرب لدغتها فولت هاربة لتداوي نفسها.

تخيل الساردُ الصغير بأن أمه تناجي العقرب وتعاتبها كيف أنها لدغتها وهي التي أطعمتها غذاءها وحنانها. لتكون أختًا لأبنائها.

رجَّح الطفل الصغير أن العقرب قد استجاب لمشاعر أمه الحنون، فأصبحت صديقة بالفعل لأبنائها ولم تصب العقرب أيًّا منهم بسوء، وكأنها تواسي الأم الحنون المكلومة التي فقدت ثلاثًا من أبنائها وكاد قلبها أن ينفطر حزنًا عليهم فاستماتت من أجل حماية ما تبقى من أبنائها.

 ————————————————————

عناصر السرد ظهرت جلية من خلال تسلسل الأحداث وبروز الشخصيات التي تمحورت حول القصة، كما أنَّ تدافع الأحداث  أسهم في تجلي الصراع الداخلي والخارجي، أما عنصري الزمان والمكان فكانا بارزين جدًا منذ بداية القصة.

العنوان:

من خلال العنوان اتضحت بؤرة القصة والحبكة التي ستدور حولها الأحداث.

لقد عبر عنوان هذه القصة عن قدر  من الغرابة والإثارة والتشويق، حيث إن الرضاعة ستكون (لعقرب)؛ الأمر الذي يثير الفضول ما إذا كان ذلك واقعًا فعلا أم أنه رمزية تحتمل ما هو أبعد، ذلك أن العدو قد يتحول إلى صديق في يوم ما.

(أمي) الإضافة إلى ياء الملكية دلت على شدة الالتصاق بين الطفل السارد للحدث وأمه، كما أنها تظهر أن الحدث الذي حصل صادرٌ من مقربٍ إليه وهي (الأم).

الفعل المضارع (ترضع) دل على استمرارية الحدث وتواصله وأنه قد يتكرر في المستقبل إذا لزم الأمر. وبناءً على ذلك كله فالعنوان مرتبط بصورة مباشرة بالقصة، لم يخرج عن واقع الحياة الريفية وما يسود فيها من عادات وتقاليد ومعتقدات.

الفكرة:

تصور مدى حب هذه الأم لأبنائها وتضحيتها بنفسها من أجل حمايتهم، حتى لو استجابت لحكاية شعبية أقرب للخيال، فتقوم بإرضاع عقرب لتصبح أختًا لأبنائها فلا تصيبهم بأذى مدى الحياة.

ظهرت الفكرة شاملة تنتظم فيها المواقف مع الشخصيات، فاستطاع الكاتب أن ينقل فكرته إلى القارئ عن طريق بناء فني متماسك.

الشخصيات:

– الأم: التي تقوم على شؤون أسرتها وتهتم بتفاصيل حياتها اليومية التي تقوم بها الأم القروية كل يوم.

– السارد الصغير: وهو الابن الأوسط الذي كان مهتمًا بكل ما يدور حوله وخاصة تصرفات والدته في ذلك اليوم.

الزمان: تناول عنصر الزمان فترتين زمنية:

أ- الفترة الزمنية التي عاشها سارد القصة، حيث كان صغير السن آنذاك مما يدل على أن أحداث القصة دارت قبل عقود من الزمن، الأمر الذي صور طبيعة الحياة القروية وما يدور فيها من أحداث ومعتقدات يؤمن بها أهل القرية ويصدقونها.

ب- الفترة الزمنية التي دارت فيها أحداث هذه القصة حيث إنها في وقت الصباح الباكر، الذي بدا مختلفًا عن سائر الصباحات الأخرى.

المكان:

دارت الأحداث التي اتسمت بالمشهدية داخل حدود المنزل وجدار الحظيرة المخصصة للعناية بالمواشي وإطعامها.

الصراع: اشتمل الصراع في هذه القصة على نوعين:

– الصراع الداخلي: يتمثل في خوف الأم من فقد أبنائها والاستماتة من أجل حمايتهم والدفاع عنهم حتى لو وصل بها الأمر أن تضحي بنفسها.

– صراع مع الطبيعة (خارجي): وذلك حين ترضع الأم عقربًا؛ لتكسب ودها فتأمن شرها على أبنائها، فتخالف بذلك الطبيعة وتقف ضد كون العقرب عدوًّا خبيثًا لتحوله إلى صديق حميم.

البعد الاجتماعي:

ظهر في هذه القصة من خلال طبيعة الحياة الاجتماعية القائمة على ترابط الأسرة والتفافها حول بعضها، فيقوم كل فرد فيها بواجباته؛ الأم تهتم بشؤون أسرتها وتساعد زوجها في أعمال المزرعة، والأب يخرج إلى مزرعته ويهتم بمواشيه. كذلك يظهر الاهتمام بالشعائر الدينية حيث يحرص أفراد الأسرة على أداء الصلوات في أوقاتها فتحث الأم أبناءها على ذلك.

نجد هنا نمط حياة القرى من حيث رواية الحكايات الشعبية وتداولها بين الناس التي عادة ما يصدقونها، لذلك نجد أن الأم كانت تروي لأبنائها حكاية إحدى الأمهات التي أرضعت عقربًا فصارت أختًا لأبنائها.

البعد النفسي:

– المحبة المطلقة من الأم تجاه أبنائها والتي تصل إلى التضحية بالنفس.

– سيطرة مشاعر الخوف والحزن، الخوف على أبنائها من أن تفقدهم، والحزن على أبناءٍ قد فقدتهم.

– تصديق بعض المعتقدات وتطبيقها، حتى وإن لم تصل إلى درجة الإيمان الكامل بها.

البناء القصصي:

جاء بمثابة تجسيد لخطوط الصراع، فظهر إيقاعٌ يخلط بين الفعل الماضي والمضارع، مما زاد تشويق القارئ لمتابعة الأحداث، التي تتابعت لتصل ذروتها حين بدأت الأم في در الحليب للعقرب ثم تندفع بعد هذا الصعود لتصاب الأم بشيء من خيبة الأمل إلا أنها تواصل سعيها للوصول إلى اتفاق مع العقرب، لينتهي الصراع بحماية الأبناء من شرها مع أنهم يعيشون على مقربة منها.

السرد في هذه القصة مباشر متتابع ينقل الموقف والحدث ويخدم الفكرة، كما يجعل القارئ يتوغل في نفسية الشخصية من خلال سلوكها، فهي أمٌ تكاد أن تضحي بنفسها من أجل حماية أبنائها حتى لو تطلب الأمر (أن ترضع عقربًا)!

القصة فيها تساؤلات وتناقضات،خوفُ وسكينة، أملٌ وخشية من عدم تحققه.

لغة القصة:

اتسمت لغة القصة بإبداع يراعي القاص فهي لغةٌ وسطى يفهمها كل قارئ، جلية في إظهار المواقف والمشاعر والرؤى والآمال، كما صورت الصراع الداخلي بعمق الدلالة الإنسانية من خلال مشاعر الأم الفياضة شديدة الخوف على أبنائها بفطرتها وحبها الصادق، لأنها ذاقت مرارة فقد ثلاثة من أبنائها دُفنوا بحسرتها عليهم فهي تعمل المستحيل لحماية ما تبقى منهم.

الرؤية الانسانية تؤطر هدف هذه القصة، كما أن تجربة الكاتب الشخصية لعبت دورًا مهمًا في نضج الرؤية الفنية لهذا التدفق الفني والإنساني، في نسج وحكاية هذه القصة.

☘️??☘️??☘️??☘️??☘️??

بقلم/ صباح أحمد العمري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى