تشكيل وتصويرفن و ثقافة

آسيا الكعلي: الفن بحث عن المعنى المتخفي في عمق الأشياء

من فكرة الفن المحفوفة بالإبداع والإمتاع والأسئلة يمضي الكائن إلى عوالمه بكثير من الحلم والنشيد تقصدا للقول بالأشكال والألوان والهيئات الجمالية في تعدد ملامحها وتنوع دروبها، نشدانا لما به تسعد الدواخل وهي تعانق هواجس الكينونة واعتمالاتها.. ثمة بهاء كامن في القلب وهيام بثنايا الفن حيث المعاني العالقة بأبجديات القلق الجميل.. قلق البحث والانشداد لهاجس الابتكار والدأب تجاه ما هو اتيان بالجديد.

هي لعبة الفن من طفولات عابرة تسكن الذات وهي تعلي من شؤون الحلم وشجونه في أكوان التداعيات والتحولات وفق نظر وبحث وإعادة اعتبار للكامن فينا من تأملات نحو القديم وتجاه الراهن.. التقاء القديم بالراهن في المجال الفني يقضي إلى مساحات قول وإعادة نظر بقصد التشكيل وما يحيل على جماليات مبتكرة.

هو قول بالمعنى المتصل بالحرية ومن ذلك وعلى سبيل المثال في العلاقة بالصورة الفنية من حيث الرسم الأكاديمي ضمن سياقات وآفاق البحث التشكيلي لتصبح العملية الإبداعية، هي مجال محاولات وتمارين شتى بعناوين التخييل النابع من كوامن الطاقة في الذات الفنانة التي ترنو إلى الإبداع نهجا وجمالا وضفافا.

هكذا نمضي في فسحة الإبداع والفن بجمالياته مع الفنانة آسيا الكعلي التي تخيرت طرائق فنها وفق نهج مخصوص قائلة بالإبداع والبحث والإمتاع وقد انطلقت في تجربتها الفنية في الرسم باستعمال القلم الفحمي وقلم الرصاص، بغاية ونشدان لصفات تشكيلية وجمالية معينة بلغة بصرية ثنائية الأبعاد، ولتمثيل مواضيع كالمجسمات والمنحوتات النصفية والأجساد والطبيعة الصامتة بمختلف أشكالها، وهو مسار له صلة بالذاكرة وفق المتحوّل بين الحقب الزمانية…

هي سياقات جمالية انتهجتها الفنانة التشكيلية والدكتورة آسيا الكعلي وعملت عليها في تجربتها المفتوحة بين البحث الأكاديمي والرسم والتلوين..

آسيا الكعلي فنانة تشكيلية وباحثة في مجال الفنون المرئية وخريجة المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، متحصلة على الإجازة في الفنون التشكيلية “اختصاص رسم” وشهادة ختم الدراسات المعمقة اختصاص “علوم وتقنيات الفنون” بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، وهي أستاذة بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة منذ سنة 2011، متحصلة على الشهادة الوطنية للدكتوراه في مجال جماليات الفنون وممارساتها، مادة نظريات الفن بالمعهد للفنون الجميلة بسوسة، بالإضافة إلى أنها كاتبة عامة بالجمعية المتوسطية للفنون التشكيلية المعاصرة، إلى جانب أنها شاركت في العديد من المعارض الجماعية بتونس، المنستير، سوسة، القيروان، الكاف، المهدية، كما أنها شاركت في العديد من الملتقيات والندوات العلمية بسوسة والمنستير وتونس ونشرت لها العديد من المقالات في مجال الفنون المرئية المعاصرة، لها العديد من المعارض الشخصية: معرض تشكيلي فردي بعنوان “تجليات” بدار الثقافة بقصر هلال مارس 2013، معرض تشكيلي فردي بعنوان “عود على بدء” بالمركب الثقافي محمد معروف بسوسة يناير/كانون الثاني 2021، معرض تشكيلي شخصي بدار الثقافة القلعة الكبيرة مارس/آذار 2023.

وشاركت الفنانة التشكيلية في الملتقى الدولي للمبدعات العربيات بسوسة بعنوان “الثالوث المحرم في إبداع المرأة العربية” في مايو/أيار 2022، وشاركت في المنتدى الدولي للفنون البصرية تحت إشراف المعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة وجامعة سوسة والجمعية الوطنية لتأطير الشباب من 21 إلى 26 سبتمبر/أيلول 2022.

وعن تجربتها تقول الفنانة آسيا “انطلقت في تجربتي مع فن الرسم باستعمال القلم الفحمي وقلم الرصاص، لخلق صفات تشكيلية وجمالية معينة بلغة بصرية ثنائية الأبعاد، ولتمثيل مواضيع كالمجسمات والمنحوتات النصفية والأجساد والطبيعة الصامتة بمختلف أشكالها، هذا المسار الذاكراتي المتحوّل من حقبة زمنية إلى أخرى انعكس في هذه التجربة التي عكست بدورها مرونة هذه التقنية وانفتاحها ومطاوعتها للتوجهات الجديدة في مجال الإبداع الفني. وهي رسوم تنتقل بنا من مرحلة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر، لتشكل رؤية أو قراءة في ذهن القارئ، بل تنتقل لتحيك رؤية فنية تترجم وتألّف ما بداخلنا من أفكار وذكريات”.

وتضيف “هي ليست رسوم صامتة، بل فيها روح مني، وأسلوب يترجم أفكاري وطريقة تناولي للمواضيع، فذاكرتي مع الرسوم في تصفحها وتأمّلها مؤانسة وحنين وعود واستمتاع، فالماضي عود وإمتاع ومؤانسة في الحاضر.. (أفروديت تستحم رسم بالقلم الفحمي 1998، أفروديت تستحم أكريليك على قماش، أفروديت تستحم فوتومنتاج رقمي 2021)”.

وتوضح “استمتعت برسم تمثال “أفروديت” باليونانية (Venus) إلهة الحب والجمال والإخصاب، حيث يتّسم جسم أفروديت بالرشاقة وتناسب المقاييس، أما ملامح الوجه فهي مثالية وخيالية من أي تعبير، حدقتا العينين محدّدتان والشعر مقسوم من الوسط بتموّج خفيف في خصلات كثيفة مجمّعة من الخلف. وكانت “أفروديت” من أكثر الآلهة الإغريقية ظهورا في الفن نظرا لكونها شخصية قريبة من القلوب، ونظرا لظهورها في العديد من الأساطير. تتعدد الطرق والتقنيات. فتنوّع التقنيات والتجارب والبحث عنها من قبل الفنان ليس فقط إثراء للوسائل العملية، لكنها أيضا تعديد للمضامين التشكيلية الممكنة، فالتقنية تصبح مبدعة عندما نكف عن اعتبارها مجرّد وسيلة لتصبح عنصرا خلاقا في العمل الإبداعي، وبعبارة أوضح عندما يعمل الفنان على تجريب طرق جديدة لإيجاد علاقات مادية في الإنتاج الفني هي مازالت مجهولة، وهذا ما بحث عنه الفنان الحديث والمعاصر”.

وتتابع “يقول رونيه باسرون (1920 – 2017) في هذا الغرض “ليس هنالك تقنية دون مشكل، التقنية في معناها التّام هي التقنية المفتوحة والمغامرة والمناضلة، هي تكتشف نفسها، هي مبدعة”… عملت على التلاعب بالصورة الأصلية في ساحة برمجيات “الفوتوشوب” من خلال استنساخها من النسخة الأصل وتركيبها مع صورة جديدة، لتتعدّد وتتحول وتتشابه في برمجيات الفوتوشوب، فالمعالجة الرقمية بوصفها عنصرا من عناصر التشكيل الفني أدّت حضورا مهما في بناء الفكرة وأهمّيتها الوظيفية والجمالية، ّ من بين الممارسات كذلك ما هو قابل للتحيين بلغة العصر والمعاصرة، لكنّ العمل داخل السلسلة عادة ما يتأطّر تحت راية الممكن المتجدّد أو التنويعات ضمن الذات “Variations dans le même” فتكون المواكبة منصهرة مع التحوّل الطبيعي للعقل البشري في كل ما يحمله من رؤى وفي كل ما يتحمله خيال الفنان من انصياع للتطوّر العلمي ومن استجابة لمنطق التحول الوظيفي للأداة التي يستهلكها أو التي يعتمدها في ترجمة الخيال إلى لغة بصرية… هي فكرة تجاوز وحدة الاختصاص التي تؤدي بدورها إلى فكرة نفي الحدود بين مختلف الفنون، مما يعني ذوبان الفوارق وانتفاء الحدود بين مختلف الأشكال والتقنيات، وبالتالي إرساء علاقة جديدة تحاول أن تكون مطروحة بأثر فاعلية وبروز أكثر على الساحة الفنية بين المتلقي والعمل الفني…”.

وتشير إلى أن “الاهتمام بكل ما يتعلق بذاكرتنا أصبح متقلصا جدا إن لم يكن منعدما. والذاكرة في التجربة الفنية مغامرة بحثية وجمالية في سياق الإبداع الفني، ووسيلة نقل عبر الأزمنة تحملنا إلى المخزون الذي عايشناه وحفظناه في ذاكرتنا، حلمناه وتمثلنا صوره في خيالنا”، موضحة “في هذه التجربة اخترت الاشتغال على مجموعة من الرسوم بآليات تشكيلية وتقنية رقمية وفق منهج جمالي معاصر، رسوم تعود بي إلى فترة دراستي بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، مارست هذه التقنية قبل دراستي الأكاديمية ثم صقلت موهبتي بعد دراستي في المعهد. لذلك سميتها بـ”عود على بدء”، اخترت إعادة توظيف هذه الرسوم التراثية بإعادة رسم بعضها بتقنيات ومواد أخرى لتتحول إلى رؤى جمالية تسرد حكايات وذكريات، إنّ الذاكرة وهذه العودة تتطلبان منّا قدرة على الإبداع والتغيير والنقد والتفتّح على المعرفة. إنّ العملية الإبداعية، هي بالأساس تمرين على التجاوز والحرية… تدرّجت في الانتقال بالرسوم من مرحلة التعلّم والممارسة والاكتشاف إلى مرحلة التجريب والتجديد والانفتاح، انفتاح يمنحني أحقية التجاوز في بناء العلاقة المختلفة بالأشياء والمواضيع اخترت أن تكون التمارين الأكاديمية التشكيلية مواضيع لأبحاث متواصلة ومتجددة فاشتغلت عليها من جديد، تثمينا إنشائيا لما حصلته في المدة الزمنية الفارقة…

وتقول “حسب اعتقادي، فإن الفن هو بحث عن المعنى المتخفي في عمق الأشياء من وجوه ومنحوتات وطبيعة صامتة وتكوينات وتجريدات وغيرها من تقنيات وأساليب التعبير التشكيلي.. هو بحث عن معنى متفرد يجد لذاته أشكالا عديدة ومتنوعة للتجلي. والعمل الفني لا يكون متكاملا إلا إذا كانت له روابط وثيقة بالفنان بذاته وبمجتمعه، وهو ليس عمل تلقائي محض، فالفن يشكل من أهم وثائق تاريخ الإنسان. وقد تطور الفن التشكيلي الحديث والمعاصر، وظهرت الكثير من الأعمال التجريدية والمفاهيمية لهذا النوع من الفنون، استطاع الفن الحديث والمعاصر أن يغيرا المفاهيم التقليدية للصورة الفنية فجعلا منها فكرا وحدثا وحديثا، بل وموقفا أيضا تطرح مضامينه الخطوط والألوان والأبعاد والمسافات والأفكار منطلقا من ملامح الواقع ومرتبطا بحياة الفنان نفسه وبتجربته الحياتية”.

آسيا الكعلي فنانة وباحثة بها قلق الفن الجميل وهي في مسارها الفني أبرزت في العديد من المناسبات من تظاهرات ومعارض ومنتديات جدية تمشيها الجمالي المتخير وفي هذا الخصوص تعد لمعرضها الخاص بالعاصمة حيث المناسبة السانحة لأحباء الفن والبحث الجمالي للاطلاع على التجربة وتجلياتها المختلفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88