أخبار حصرية

تقرير الشهر / كيف يستفيد الموساد الإسرائيلي من مواقع التواصل الاجتماعي

فرضت وسائل التواصل الاجتماعي نفسها على التطورات السياسية في العالمالعربي وفي العالم، فالربيع العربي كان، بشكل ما، نتاجاً لحراك اجتماعي وسياسي على السوشال ميديا، كما أن تنظيم داعش ازدادت قوته بفضل وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في بث أفكاره واستقطاب مؤيدين جدد له من مختلف أنحاء العالم.

وعالمياً، ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في خلق تحولات سياسية أبرزها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووصول شخصيات من خارج مؤسسات الدولة الرسمية إلى سدة الحكم، مثلما حدث في حالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

“لقد فشلت إسرائيل في توقع سقوط نظام مبارك في مصر”،قالالسفير الإسرائيليالأسبق لدى القاهرة، إسحق ليفانون، وكان ذلك تلميحاً إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية الميدانية التي تغاضت في ذلك الوقت عن متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، لم تستطع تقديم تصور كامل لمنظومة الأجهزة الأمنية والسياسية الإسرائيلية عن الوضع في مصر ومآلاته.

وتعليقاً على ذلك، تقولدراسةصادرة عن معهد دراسات الأمن القوميالإسرائيلي، أعدها ضابط في شعبة الاستخبارات العسكرية، إن الربيع العربي والفشل الإسرائيلي في توقع سقوط نظام مبارك هما اللذان لفتا أنظار الموساد إلى كنوز المعلومات التي يمكن استقاؤها من وسائل التواصل الاجتماعي، سواء في ما يتعلق برصد التيارات الفكرية والسياسية العميقة في الدول العربية، أو من خلال التنبؤ باعتداءات قد تحدث في المستقبل القريب أو البعيد، أو حتى معرفة مناطق تمركز الفصائل المتناحرة في البلاد التي تشهد حروباً أهلية مثل الحالة السورية

نتيجة بحث الصور عن الموساد الاسرائيلي

كيف تستفيد الاستخبارات الإسرائيلية من السوشال ميديا؟

تقول القناة الثانية الإسرائيليةفي تقريرلها عن هذا النوع من الاستخبارات، إن جمع المعلومات من مواقع التواصل الاجتماعي يطلق عليه “أوسينت” والكلمة اختصار لعبارة “Open Source Intelligence”، أي المصادر الاستخباراتية المفتوحة، وتقوم به وحدة في الاستخبارات الإسرائيلية يطلق عليها اسم وحدة “العنصل”.

تقوم هذه الوحدة بجمع المعلومات عن أنشطة تنظيم داعش في سوريا، ونوايا حركة حماس في الأراضي المحتلة، ولا يمكن تصور حجم المادة الاستخباراتية التي يتم الحصول عليها من صور السيلفي والتعليقات والتدوينات على فيسبوك وتويتر.

يقول قائد الوحدة إن ما يُجمع من معلومات، سواء الصور أو البوستات أو مقاطع الفيديو، يتم تحليله ثم يُوضع ما جرى التوصل إليه أمام الجهات المختصة، ابتداء من الجندي الموجود على الأرض، إذا كان في حاجة إليها، وصولاً إلى رئاسة الأركان ورئيس الوزراء.

ويضيف أنه بعيداً عن فشل الإسرائيليين في توقع ثورات الربيع العربي، وهو ما أحدث تحولاً جذرياً في الاهتمام بمعلومات المصادر المفتوحة، فإنه تم تحقيق الكثير من الانجازات، التي كانت سبباً في تحقيق مكاسب عسكرية ومعنوية لإسرائيل.

INSIDE_MossadSocialMedia

الحالة الفلسطينية

ويوضح أحد عناصر المجموعة في التقرير، أنه بعداغتيال القيادي في حركة حماس، أحمد الجعبري،عام 2012، بدأت تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صور لجثته، وتم رصد هذه الصور من قبل الوحدة، ونقلها إلى الجهات المختصة، ولولاها لاحتاج الأمر إلى جهود مضنية لتأكيد نبأ مقتله ونجاح الغارة الإسرائيلية في تصفيته.

ويروي العنصر حادثة أخرى تتعلق باغتيال القيادي في حركة حماس، محمد طلعت الغول، الذي تصفه إسرائيل بأنه كان وزير مالية حماس، ويقول إنه بعد تنفيذ الغارة التي استهدفت الغول، نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر تطاير الكثير من أوراق الدولارات في الهواء، فالتقطت الوحدة هذه الفيديوهات وقامت بتحليلها.

كان تطاير الأوراق النقدية بهذا الشكل في الهواء يشير إلى أن الغول كان يتجول وبحوزته كميات كبيرة من المال، وعلى الفور تم نقل هذا الفيديو إلى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الذي استطاع عمل بروباغندا إعلامية مفادها أن شعب غزة يموت جوعاً وقادته يتجولون ومعهم كميات كبيرة من المال.

 

نتيجة بحث الصور عن الموساد الاسرائيلي

 

صالح العاروري، القيادي في حركة حماس، كانت له تجربة أيضاً مع تلك الوحدة الإسرائيلية. فبحسب القناة الإسرائيلية، كانت تل أبيب تعرف أن حماس هي المسؤولة عن اختطاف الإسرائيليين الثلاثة الذين شنت إسرائيل بسببهم عملية الجرف الصامد (العصف المأكول) على قطاع غزة في 2014، لكنها كانت تحتاج إلى دليل واعتراف رسمي من الحركة، وهو ما عثر عليه أعضاء الوحدة في مؤتمر كان يتحدث فيه العاروري بتركيا، إذ تم نشر مقاطع فيديو من المؤتمر، وبتحليله، اعترف العاروري بمسؤولية الحركة عن اختطاف الثلاثة.

لا تتوقف الاستفادة الاستخباراتية الإسرائيلية عند تأكيد إصابة الأهداف المحددة عبر ضربات جوية، بل يمتد الأمر إلى أن تصبح البيانات التي يتم جمعها من السوشال ميديا هي الأساس الذي يجري بناءً عليه اعتقال شباب وناشطين فلسطينيين بالاستناد إلى منشورات كتبوها، أو اعتقال أشخاص ينفذون عمليات ضد الجنود بناء على صور أو مقاطع فيديو يتم إرسالها مباشرة إلى أقرب قوة برية من موقع الحادث.

الحالة السورية

“إن الثورة السورية وثورات الربيع العربي في تونس ومصر حوّلت الإنترنت إلى ساحة لتشكيل السياسات الخارجية بشكل لم يسبق له مثيل. والهوية الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط لا تتم بلورتها اليوم من داخل مكاتب كبار مسؤولي المنظومة السياسية أو العسكرية، بل عن طريق فيسبوك بواسطة المواطنين الثوريين والنشطاء الاجتماعيين”. هكذاوصفت صحيفة “ذا ماركر” الإسرائيليةدور السوشال ميديا والفرص الاستخباراتية الكامنة فيها، والتي يمكن للموساد الاستفادة منها في رسم صورة تقديرية للأوضاع في الدول العربية.

وتضيف القناة الثانية الإسرائيليةأن استخبارات الـ”أوسينت” تقوم أيضاً بجمع معلومات مهمة للغاية حول حزب الله والقوى المتقاتلة في سوريا، وتوضح أن كل صورة وكل مقطع فيديو يقوم حزب الله بنشره على وسائل التواصل الاجتماعي لمعاركه في سوريا، يتم تحليله بشكل دقيق ومن خلاله يمكن التوصل إلى نوعية الأسلحة التي يمتلكها حزب الله في الحرب، وكيفية استخدامه هذه الأسلحة.

جمع المعلومات من مواقع التواصل الاجتماعي يطلق عليه “أوسينت” والكلمة اختصار لعبارة Open Source Intelligence، وتقوم به وحدة في الاستخبارات الإسرائيلية اسمها “العنصل”

 

أما في ما يتعلق بالجيش السوري النظامي، أو تنظيم داعش، فيقول مسؤول في وحدة “حتساف” (العنصل) إنه كلما ازدادت كميات المنشورات والصور على مواقع التواصل الاجتماعي، فهذا يعني زيادة كميات المعلومات التي يُحصل عليها مثل أماكن تمركز القوات المتحاربة.

ويتم تحديد مواقع المجموعات بدقة كبيرة من خلال معالجة الصور وما تحتويه من طبيعة جغرافية بواسطة تطبيقات مثل غوغل إيرث، أو خرائط غوغل، بالإضافة إلى برمجيات أخرى مخصصة للاستخبارات الإسرائيلية، بحسب ما ذكرت صحيفة “ذا ماركر”.

ويشرحرقيب من العاملين بالاستخبارات العسكرية لصحيفة “معاريف” أنه توجد في سوريا أماكن لم يسمع عنها أحد، وعندما يريد أحد معرفة ماذا يدور في تلك الأماكن بالضبط، ما عليه سوى البحث في فيسبوك وتويتر عن أشخاص يسكنون في تلك المناطق، ومتابعة ما ينشرونه حتى يمكن التعرف على ما يجري سواء من خلال المنشورات أو الصور أو الفيديوهات التي يتم نشرها.

آليات جمع المعلومات

وتشيرالدراسة الصادرةعن معهد دراسات الأمن القوميالإسرائيلي إلى أن جمع المعلومات من وسائل التواصل الاجتماعي يتم عن طريق برمجيات تعمل وفق خوارزميات ترصد كل ما يتعلق بكلمات يتم تحديدها سلفاً من قبل عناصر الوحدة المكلفة بجمع المعلومات مثل جهاد وعملية وهجوم، إلخ. وبعدها تخضع هذه البيانات لعمليات تحليل كمي ثم تقارن بما هو متوافر لدى الأجهزة الأمنية من معلومات عن الدولة أو المنطقة محل المراقبة.

وأخيراً، أعلن الموساد الإسرائيلي أنه سوف يستثمر في شركات خاصة ببرمجيات الهاي تك، وهي الشركات التي تقوم بجمع المعلومات من السوشال ميديا وتقديمها للعملاء سواء كانوا أنظمة سياسية أو شركات أو أجهزة أمنية، مع اشتراط عدم نشر أيّة أسماء أو بيانات للشركات التي سوف يستثمر فيها، بحسب ماذكرتصحيفة “كلكليست” الإسرائيلية.

على سوشال ميديا، إسرائيليون يتقنون اللهجات الخاصة ويجمعون المعلومات عن مصر وسوريا ولبنان وفلسطين والسعودية

نتيجة بحث الصور عن الموساد الإسرائيلي قسم تجنيد العملاء

 

كما يتم إعداد الجنود أو الموظفين المدنيين العاملين في مجال جمع المعلومات من وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يؤهلهم لئلا يكونوا موضع شك من أحد، ويتم ذلك من خلال إتقانهم الممتاز للغة الدولة الهدف.

فمثلاً، هناك أقسام مخصصة للعراق ومصر وسوريا ولبنان وفلسطين والسعودية وغيرها، مع اشتراط أن يتمكن العنصر من السيطرة التامة على اللغة الدارجة في تلك البلاد، بل إتقان اللهجات الخاصة بكل منطقة من المناطق،بحسبصحيفة “ذا ماركر”.

ويتخذ العاملون في الوحدة الخاصة بجمع المعلومات تدابير صارمة من أجل ضمان عدم كشف هويتهم، فيقول أحد العاملين لصحيفة “ذا ماركر” إنهم دائماً ما يستخدمون أسماء مستعارة، بينما لا تحتوي حساباتهم على تويتر وفيسبوك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي على أيّة معلومات عن مكان إقامة هذه العناصر.

ويقومون بضبط الحسابات الخاصة بهم بحيث لا تظهر منشوراتهم التي يكتبونها ويتفاعلون بها مع الجمهور العربي، المناطق حيث يقيمون. كما يتجنب هؤلاء الأشخاص تشغيل خدمات الجي بي أس وغيرها من الخصائص التي يمكن من خلالها تحديد موقعهم.

ويؤكد مسؤولون في الاستخبارات الإسرائيلية أن المعضلة الحقيقية التي تواجههم حتى اليوم، ولم يتمكنوا من إيجاد حل لها هي مشكلة البوستات الساخرة، أو البوستات التي أحياناً ما تكون دعابة بين مستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي.

نتيجة بحث الصور عن الموساد الإسرائيلي قسم تجنيد العملاء

أشهر الجواسيس في الموساد الإسرائيلي

يُعدّ الصراع العربي الإسرائيلي من أكثر الصراعات التاريخية الممتدة التي عرفها العالم المعاصر. على خطّ مواز للحروبالعسكرية، كانت هناك حروب أخرى لا تقلّ في الأهمية، حروب في عالمٍ غامض متفرّد بأسراره ومتغيّراته، عالم الجواسيس والمخابرات. خلال سنوات الصراع المستمرّة إلى اليوم، كانت إسرائيل حريصة على اختراق الدول العربية لا سيّما “دول الطوق”، ولم تدخر جهداً في تجنيد العملاء والجواسيس. في ما يلي أبرزهم.

نتيجة بحث الصور عن احمد خميس بيومي 

أحمد خميس بيومي

من مواليد صيدا في لبنان جنّده الموساد الإسرائيلي عن طريق تاجر مجوهرات في بيروت. يعدّ بيومي المسؤول عن هجمات صاروخية تعرّض لها مقرّ منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وكذلك مركز البحوث التابع للمنظمة ومكتب شؤون الأرض المحتلة. قبض رجال الأمن الفلسطينيون على بيومي في 9 يناير 1975 عندما كان يرسم لوحة “كروكيه” لأحد مباني المنظمة الفلسطينية.

أمينة داود المفتي

من مواليد عمّان- الأردن وحائزة بكالوريوس في علم النفس المرضي من جامعة فيينا.اعتنقت اليهودية سنة 1967 وتزوّجت من موشيه بيراد الطيّار العسكري الإسرائيلي، واستبدلت اسمها بـ”آني موشيه بيراد”.

هاجرت إلى إسرائيل سنة 1972 وبدأت حياة الجاسوسية بُعيْد مقتل زوجها على يد الجيش السوري. عاشت في بيروت وأقحمت نفسها في ملاجئ الفلسطينيين بحجّة أنها طبيبة متطوّعة لشفاء الجرحى. وصلت إلى مكتب ياسر عرفات وحصلت منه على إذن موقّع على تصريح يتيح لها دخول جميع المواقع الفلسطينية على أنها طبيبة ماهرة تشارك في تأهيل الجرحى. كانت ترسل معلومات وتقارير عن العمليات الفدائية وأفراد المخابرات الفلسطينية، إلى أن اعتقلتها الأخيرة في سبتمبر 1975. بقيت معتقلة مدة خمس سنوات إلى أن تمّت مقايضتها بأسيرين فلسطينيين لدى إسرائيل.

إبراهيم سيناء

لبناني من مواليد 1964، بدأ نشاطه الجاسوسي مع الموساد الإسرائيلي في سن السابعة عشرة، بتمرير معلومات عن نشاط وعمليات منظمة التحرير الفلسطينية وغيرها من المنظمات الفلسطينية النشطة في لبنان. انضمّ لاحقاً إلى حزب الله، وكان يمرر للحزب معلومات عن نشاط حركة أمل خلال الصراع الذي دار بين التنظيمين. استمرّت عضويّته في حزب الله عشرة أعوام كان خلالها يمرّر معلومات للموساد عن الخطط التشغيلية للحزب. استجوبه الأخير بعد اغتيال إسرائيل للموسوي عام 1992 لكن لم يستطيعوا فضح أمره. استطاع الحزب لاحقاً كشف جاسوسيته فانتقل إلى صفد مع عائلته، وأصدر كتاباً بعنوان “رجل صواب من أرض حزب الله” حول حياته.

إبراهيم سعيد شاهين

فلسطيني- مصري من مواليد مدينة العريش 1929، بدأ حياته الجاسوسية سنة 1967 بُعيْد احتلال إسرائيل لسيناء، وجنّد زوجته انشراح موسى وأولاده في العمل الجاسوسي. منح رتبة عقيد في الجيش الإسرائيلي سنة 1968. اعتقلته المخابرات المصرية وعائلته سنة 1974 بعد التقاطها مراسلات صوتية بينه وبين الموساد. أعدم إبراهيم شنقاً وأفرج عن زوجته وأولاده خلال عملية تبادل أسرى مع إسرائيل.

إيلي كوهين

يهودي من مواليد الإسكندرية 1924، بدأ حياته الجاسوسية في الخمسينيات من القرن الماضي في مصر، وكان وراء التفجيرات التي طالت مقارَّ ومؤسسات أميركية. انتقل إلى سوريا بعد أن رتّبت المخابرات الإسرائيلية له قصة ملفقة يبدو بها سورياً مسلماً يحمل اسم كامل أمين ثابت، هاجر وعائلته إلى الإسكندرية ثم سافر إلى الأرجنتين، ووصل إلى دمشق بعد أن بنى علاقات واسعة مع الدبلوماسيين السوريين في الأرجنتين. خلال أشهر عمله الأولى تمكّن كوهين من إقامة شبكة واسعة من العلاقات المهمّة‏‏ مع ضبّاط الجيش والمسؤولين العسكريّين وصل من خلالها للمعلومات والمواقع التي يريد، لاسيما في الجولان المحتلّ.

قُبض على كوهين سنة 1965 بعد أن رصد الأمن السوري اتصالاته مع الموساد الإسرائيلي، وأعدم شنقاً في ساحة المرجة. أنتج حول حياة كوهين عام 1987 فيلمٌ أمريكيٌّ بعنوان “الجاسوس المستحيل”.

باروخ زكي مزراحي

يهودي مصري من مواليد القاهرة 1926، هاجر إلى إسرائيل سنة 1957 تابعاً فتاة يهودية يحبّها، ولم يتمكّن من الزواج بها بسبب القوانين الإسرائيلية ، فـ”فورتينيه” من أم غير يهودية.

بدأت حياته الجاسوسية في هولندا بإقامة علاقات مع دبلوماسيين وشخصيات مصرية تمكن عبرها من الحصول على معلومات أمنية مهمة. ثم أرسله الموساد بجواز سفر مغربي يحمل اسم “أحمد الصباغ” إلى الإمارات واليمن، بعد هجوم مصر على سفينة إسرائيلية في خليج عدن، بهدف جمع أكبر قدر من المعلومات عن هذه البلاد، ومتابعة نشاط منظّمة التحرير الفلسطينية فيها.

استطاعت المخابرات اليمنية القبض على مزراحي بعد تحذيرات مصرية منه، ونُقل إلى القاهرة، ثم أفرج عنه سنة 1974 مقابل الجاسوس المصري عبد الرحيم قرمان. توفي سنة 2005 بصمت، وأُنتج مسلسلٌ عن حياته في رمضان سنة 2012 بعنوان “الصفعة”.

شولا كوهين

لؤلؤة الموساد الإسرائيلي، ولدت في الأرجنتين سنة 1920، وجنّدت وأرسلت إلى بيروت سنة 1947. نذكرها رغم أصولها غير العربية للدور البارز الذي لعبته. تزوّجت من اللبناني يوسف كشك وأسست شبكة دعارة كانت أحد أهم أسلحتها في الحصول على المعلومات والإيقاع بالفرائس. عقدت علاقات وطيدة مع مسؤول لبناني يدعى محمود عوض وقع في حبّها، فجنّدته واثنين من أقاربه. امتد نشاط كوهين إلى سوريا والعراق لاسيما في عمليات تهريب اليهود، واستطاعت اختراق أحزاب وشخصيات لبنانية بارزة.

شكوك سوريا دفعتها لإيفاد أحد ضباطها للتحقيق بالأمر، لكن الجميع أكّد أن كوهين بعيدة عن الشبهات، فكتب الضابط محضراً عن اجتماعاته وحُفظ في الأدراج، إلى أن وقع بيد ضابط لبناني هو عزيز الأحدب. في الوقت نفسه، وُضع محمود عوض تحت المراقبة بعد شكوك في الاختلاس، وعقب التحرّي قُبض على كوهين وأفراد شبكتها، وحكم عليها بالموت قبل أن يخفف إلى السجن عشرين عاماً. أفرج عنها لاحقاً واثنين من أفراد شبكتها في صفقة تبادل بين إسرائيل ولبنان عام 1967. وهي تعيش اليوم حياة هادئة وتعمل في محلّ لبيع الهدايا في القدس.

طارق عبد الرازق

مصري، ولد عام 1973 في القاهرة، سافر إلى الصين بعد ضيق أحواله المادية وبادر من تلقاء نفسه في بداية عام 2007 بالاتصال بموقع ويب لجهاز المخابرات الإسرائيلية، مفاده أنه مصري مقيم في دولة الصين ويبحث عن فرصة عمل، ودون بياناته ورقم هاتفه.

سعى عبد الرازق إلى تجنيد العملاء في سوريا، عن طريق شركة تجارية ضخمة في الصين تعمل في مجال تصدير زيت الزيتون والحلويات والتسويق العقاري، لانتقاء من يصلح منهم للتعاون مع المخابرات الإسرائيلية. زار عبد الرازق سوريا بضع مرات تحت اسم وهمي “طارق حسن” للاطلاع على الإجراءات الأمنية داخل مطار دمشق الدولي وكثافة الانتشار الأمني في شوراع العاصمة، كما أسس شبكة لاختراق شركات الاتصالات المصرية وتجنيد بعض موظفيها لمصلحة الموساد. قبض الأمن المصري على عبد الرازق سنة 2007 بعد تحريّات مكثّفة.

محمد سيد صابر 

مصري، حائز بكالوريوس في الهندسة، ويعمل مهندس في هيئة الطاقة الذرية، جنّدتهالمخابرات الإسرائلية عام 2006 في هونغ كونغ. مدّ الموساد بمعلومات ومستندات هامة وسريّة عن أنشطة هيئة الطاقة الذرية والمفاعلات النووية. وكُلّف بدسّ برنامج سريّ في أنظمة حواسيب الهيئة تتيح للمخابرات الإسرائيلية الاطلاع على المعلومات المخزنة في هيئة الطاقة الذرية. قُبض عليه فور وصوله إلى مطار القاهرة الدولي عام 2007، وأدين بتهمة التجسس لإسرائيل وحكم عليه بالسجن 25 عاماً وغرامة سبعة عشر ألف دولار أمريكي وعزله من وظيفته.

مصعب حسن يوسف داوود خليل

فلسطيني من مواليد 1978، ابن القيادي في حركة حماس حسن يوسف، كان عميلاً مزدوجاً مدّة عامين لكنه تحوّل بعد ذلك للعمالة لمصلحة الموساد فقط. لم يكن فاعلاً في الحركة لكنّه استطاع حل الكثير من الألغاز الإسرائيلية حول الحركة، وأوضح في مقابلة إعلامية أن ما طلب منه كان التقرّب من حماس فقط وليس الانخراط في أعمالها.

اعتنق المسيحية سنة 2000 بعد أن التقى مبشرين في الضفة الغربية وعُمّد سنة 2005 في تل أبيب سراً، ثم سافر إلى الولايات المتحدة سنة 2007 حيث يعيش اليوم. كان والده قد تبرأ منه سنة 2010 في رسالة من سجن النقبّ، ونشر خليل كتاباً عن سيرته في العام نفسه بعنوان “ابن حماس”.

منير روفا

هو منير جميل حبيب، من مواليد عام 1934 في بغداد، ضابط طيّار من عائلة مسيحية تنحدر أصولها من الموصل. تمّ تجنيده أثناء حضوره حفلة فنية ترفيهية في أحد النوادي، على يد باربرا، سيدة إنجليزية تبين له لاحقاً أنها زوجة مدير مجموعة شركة النفط العراقية المحدودة الشهيرة بتسمية IPC التي هي رأس حربة وقاعدة المصالح البريطانية في العراق والمنطقة ووكر للجاسوسية.

تم الاتفاق مع روفا على تهريب إحدى طائرات الميغ 21 السوفياتية الصنع المتطورة في ذلك الوقت، والتي كانت إسرائيل والولايات المتحدة تحاول معرفة أسرارها. تمكن خلال أحد التدريبات على الخروج من السرب متّجهاً نحو الحدود الأردنية حيث اعترضته طائرات أردنية لكنها فشلت، ووصل إلى إسرائيل حيث اعترضته طائرات إسرائيلية ظناً منها أنه هجوم معادٍ. سرعان ما جاءت الأوامر بعدم مهاجمة طائرة الميغ الأسرع من الصوت، وهبط على الأراض الإسرائيلية، وبقي هناك حتى توفي عام 2000. في عام 1988 تمّ اقتباس قصة منير روفا في فيلم تلفزيوني أمريكي عنوانه “رجال السماء”.

هبة سليم

مصرية تنحدر من عائلة ميسورة في القاهرة، سافرت إلى باريس لإكمال تعليمها، والتقت هناك فتاة يهودية من أصل بولندي، جُنّدتل من خلالها في الموساد الإسرائيلي بمساعدة من أحد دكاترة الجامعة. مهمتها الأولى كانت تجنيد فاروق الفقي الذي كان يلاحقها، فوافقت على خطبته، وبدأت تدريجياً تسأله عن بعض المعلومات والأسرار الحربية، وتحديداً عن مواقع الصواريخ الجديدة التي وصلت من روسيا، فكان يتباهى أمامها، ويجيء إليها بالخرائط زيادة في شرح التفاصيل.

كانت سليم ترسل المعلومات أول بأول إلى باريس، وكانت منصّات إطلاق الصواريخ المصرية تدمر أولاً بأول من قبل الطيران الإسرائيلي، فقُبض على الفقي وجُنّد كعميل مزدوج. تمّ استدراج سليم إلى طرابلس في ليبيا عن طريق الفقي ووالدها، وهناك قُبض عليها، ونُفّذ فيها حكم الإعدام سنة 1973، ونفذ قائد الفقي حكم الإعدام فيه.

ألّف الكاتب صالح مرسي رواية “الصعود إلى الهاوية” التي اقتبست عن قصة هبة سليم وتحوّلت لاحقاً إلى فيلم سينمائي.

تتفاوت الخلفيات والبيئات التي ينحدر منها عملاء الموساد العرب، بعضهم كان المال والجاه جلّ ما يبتغيه، والبعض الآخر أعماه الحبّ، وآخرون ضاقوا ذرعاً باضطهاد سلطات بلادهم، فكانوا فريسة سهلة لمُجنِّدي العملاء.

دراسة عن   الموساد ” …للباحث صالح النعماني …ثورة في طرائق تجنيد العملاء

 من أهم الإستنتاجات التي خلصت إليها لجان التحقيق العسكرية الكثيرة التي شكلها الجيش الإسرائيلي للتعرف على أسباب اخفاقه في تحقيق الأهداف التي حددتها حكومة إيهود أولمرت للحملة العسكرية على حزب الله في اعقاب اختطاف اثنين من جنوده، كانت بلا شك الحاجة الى زيادة الإستثمار في مجال جمع المعلومات الاستخبارية.

فقد كان واضحاً لهذه اللجان أن هذه الحرب أبرزت العديد من مظاهر القصور في مجال جمع المعلومات الاستخبارية، أدت في النهاية الى عجز إسرائيل عن حسم المعركة لصالحها، رغم تفوقها بشكل هائل على حزب الله.

فالإستخبارات الإسرائيلية فشلت في التنبؤ بإمكانية أن يقوم حزب الله بأسر الجنديين، كما أنه عندما أعلنت تل ابيب الحرب، تبين أنه لم يكن لدى هذه الاستخبارات معلومات دقيقة عن أمكان تخزين ونصب صواريخ حزب الله، الأمر الذي أتاح للحزب مواصلة اطلاق الصواريخ حتى آخر يوم في الحرب، الأمر الذي أدى لأول مرة الى نزوح عشرات الآلاف من الإسرائيليين عن مستوطنات الشمال، مما ترك آثاراً مدمرة على المزاج العام للجمهور الإسرائيلي.

وفي ظل الحديث عن نتائج الحرب، شدد العديد من كبار قادة الاستخبارات والمفكرين الإستراتيجيين في اسرائيل على أن المعلومة الإستخبارية تمثل في الحقيقة جزءاً أساسياً من النظرية الأمنية الإسرائيلية.

ويقول رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلي الأسبق شلومو غازيت أن توفر المعلومات الاستخبارية الدقيقة منحت الجيش الإسرائيلي دائماً القدرة على توجيه ضربات قاصمة وخاطفة للجيوش العربية وحركات المقاومة الفلسطينية، وهذا ما أدى الى تقليص فترات الحروب مع الدول العربية، الأمر الذي سمح بعودة الحياة الطبيعية الى مسارها في إسرائيل بسرعة كبيرة. من ناحيته يقول الخبير الأمني الإسرائيلي امير أورن أن قدرة إسرائيل على الحصول على استخبارات ” ممتازة ” مكنها من الاحتفاظ بجيش نظامي صغير، بحيث أنه لا يتم استدعاء قوات الاحتياط إلا في حالة تم شن حرب هجومية على الدولة.

ويؤكد أورن أن حقيقة اعتماد الجيش الإسرائيلي على 70% من قواه البشرية على قوات الاحتياط، يعني أن قدرة العرب على إطالة أمد أي حرب سيؤدي الى نتائج كارثية على إسرائيل؛ من هنا كانت هناك دوماً هناك حاجة ماسة الى معلومات اسخبارية دقيقة عن ” العدو العربي “.

 

ويعتبر الجنرال جادي ايزنكوف، قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال أنه من البديهيات، أن غياب معلومات استخبارية نوعية، يعني أنه لا قيمة تذكر للتفوق النوعي الإسرائيلي في المجال العسكري. ويضيف أن سلاح الجو الذي يمثل الذراع الاستراتيجي لإسرائيل في الحرب مع الدول العربية لن يكون لديه ما يفعله أن لم يكن لديه معلومات معلومات حول المكان الدقيق للهدف المنوي مهاجمته، كما أن الوحدات المختارة لن يكون بإمكانها التدليل على قوتها ونخبويتها في حال لم تتزود بمعلومات دقيقة حول الأهداف التي تنوي مهاجمتها.

 

لكن تبدو مساهمة العملاء والمعلومات الاستخباية واضحة بشكل أكثر وضوحاً في مواجهة حركات المقاومة الفلسطينية. فتؤكد العشرات من الاحكام التي اصدرتها المحاكم الفلسطينية بحق العشرات من العملاء خلال الانتفاضة الحالية أنه بدون المعلومات التي يقدمها العملاء لم يكن بوسع الجيش الإسرائيلي تنفيذ أياً من عمليات الاغتيال والتصفية بحق قادة وعناصر حركات المقاومة، فضلاً عن تنفيذ عمليات الاختطاف والاعتقال التي يتعرض المقاومون.

وهذا ما أكده جميع قادة جهاز المخابرات الاسرائيلية الداخلية ” الشاباك ” ( الذي يتولى بشكل أساسي مهمة تجنيد وتوظيف العملاء من الفلسطينيين)، الذين تباهوا بقدرتهم على توظيف العملاء في مجال محاربة المقاومة.

 

ويزخر كتاب ” القادم لقتلك “، الذي ألفه يعكوف بيري، الرئيس الأسبق لجهاز ” الشاباك ” – والذي صدر قبل عدة أعوام – بالمعلومات التي تعكس حجم المساهمة الهائل للعملاء في تسهيل عمليات جيش ومخابرات الاحتلال.

اللافت للنظر أنه حسب التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية والفصائل الفلسطينية مع العملاء تبين أن بعضهم قاموا شخصيا بتنفيذ عمليات اغتيال أو محاولات لتنفيذ اغتيال ضد نشطاء المقاومة.

بعض العملاء اعترف بدور مباشر في المجهود الحربي لقوات الاحتلال. ففي مؤتمر صحافي عقده جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في قطاع غزة قبل عام ونصف اعترف أحد العملاء الذين زرعهم جهاز ” الشاباك ” في صفوف الجناح العسكري لأحدى الفصائل الفلسطينية، أنه كان يقوم بإبطال مفعول العبوات الناسفة التي كانت حركات المقاومة تقوم بزرعها في الشوارع التي تفترض أن قوات الاحتلال ستسلكها لدى اقتحام مدينة ” رفح “، جنوب قطاع غزة التي كان يعيش فيها هذا العميل.

بلورة الأهداف الإستخبارية

تواصلت حرب لبنان الثانية في ظل تعبير إسرائيل عن قلقها من إثنين من مظاهر الخطر التي تهدد أمنها الإستراتيجي، وهما المشروع النووي الإيراني، والحركات الجهادية في العالم. في نفس الوقت، فأن إسرائيل لا يمكنها إغفال الاهتمام بالدول العربية ذات التأثير الهام في العالم العربي وتحديداً مصر وسوريا. كما أن الساحة الفلسطينية تشكل تحدياً كبيراً لإسرائيل في اعقاب فوز حركة حماس، وتواصل حركات المقاومة، والحديث المتزايد عن إمكانية شن حملة برية لإعادة احتلال معظم مناطق قطاع غزة. وكل هذه التحديات تمت ترجمتها الى أهداف استخبارية على النحو الآتي:

 

أولاً: قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت مؤخراً بوصفه المسؤول المباشر عن الأجهزة الاستخبارية تفويض جهاز الاستخبارات للمهام الخارجية ” الموساد ” مواجهة الخطر الذي تمثله الحركات الجهادية في جميع ارجاء العالم على إسرائيل، إلى جانب تسليمه ملف البرنامج النووي الإيراني. وكلف الموساد بجمع المعلومات الاستخبارية عن الحركات الجهادية والبرنامج النووي الايراني والتعاون في ذلك مع وكالة الاستخبارات الأمريكية ” السي آي ايه .

 

ثانياً: تكثيف عمليات جمع المعلومات الاستخبارية عن الدول العربية، وتحديداً عن سوريا ومصر. وأن كان من المفهوم أن تبرر إسرائيل جمع المعلومات الإستخبارية عن سوريا التي هي في حالة حرب معها، فأنه يكون من المثير الاستماع الى تبريرات الإسرائيليين لجمع المعلومات الاستخبارية عن مصر الذي تربطها بها معاهدة سلام.

فقد اعتبر الجنرال يوسي كابروفسير، الذي كان يشغل منصب رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المعروف ب ” أمان ” أن مصر تمثل ” هدفاً استخبارياً من الطراز الأول “.

وفي مقابلة اجرتها معه القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي بتاريخ 2-3-2006، بعيد تركه منصبه وانتقاله للحياة المدنية، قال كابروفيسير أن التوقيع على معاهدة ” كامب ديفيد “، لم يغير كثيراً من الإهتمام الإسرائيلي بمتابعة كل ما يجري في مصر، على اعتبار أنه لا يوجد ثمة ثقة أن تواصل مصر الإلتزام بتلك المعاهدة.

لكن هناك من كبار المسؤولين الإسرائيليين من هم أقل حذراً في تصريحاتهم إزاء مصر، والحاجة لمعرفة كل معلومة حولها. فنائب رئيس الوزراء، والمكلف بالشؤون الإستراتيجية في الحكومة افيغدور ليبرمان قال في جلسة لنواب حزب ” إسرائيل بيتنا ” في الكنيست بتاريخ 12-1-2007 ” يتوجب علينا ألا نغفو أثناء الحراسة، معاهد السلام مع مصر ليست بوليصة تأمين، يتوجب علينا أن نأخذ أقصى درجات الحذر،يجب أن نحرص على أن تبقى مصر بعيدة عن منظومات الأسلحة التي يمكن أن تشكل تهديداً استراتيجياً لنا”.

أقوال كابروفسير وليبرمان هذه تصلح لفهم جهود الأجهزة الإستخبارية الإسرائيلية، وتحديداً جهاز ” الموساد “، لزرع عملاء في مصر لجمع المعلومات الإستخبارية، والتي كان آخر ما القاء القبض على المهندس الذي يعمل في هيئة الطاقة الذرية المصرية، بتهمة الارتباط بالاجهزة الاستخبارية الاسرائيلية.

و على الرغم من إن إسرائيل الرسمية نفت أي علاقة لها بهذا المهندس، إلا أن إيتان هابر رئيس ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحاق رابين، وكبير المعلقين في صحيفة ” يديعوت أحرنوت “، أوسع الصحف الإسرائيلية انتشاراً، والذي ألف عدة كتب عن الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، علق على هذا النبأ بالقول في مقابلة بثتها القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي 18-4-2007 أن الأجهزة الإستخبارية تنطلق من إفتراض مفاده أنه يتوجب محاولة زرع عملاء لها في كل المؤسسات الهامة في العالم العربي، من أجل الحصول على المعلومات التي يمكن على أساسها إتخاذ القرارات السياسية والعسكرية المناسبة.

ويتقاسم المسؤولية عن جمع المعلومات الاستخبارية عن الدول العربية كل من جهازي ” الموساد ” و ” أمان “.

ثالثاً : مواصلة العمل ضد حركات المقاومة الفلسطينية، باعتبارها هدف استخباري بالغ الأهمية، وذلك لقربها من العمق الإسرائيلي. ويتولى عملية جمع المعلومات الاستخبارية جهاز المخابرات الداخلية المعروف ب ” الشاباك “، وهو يشارك الجيش بشكل عملي في عمليات مطاردة المقاومين الفلسطينيين

الاستخبارات بين المصادر البشرية والإلكترونية

 

لا خلاف بين قادة الأجهزة الإستخبارية الإسرائيلية على أفضلية المعلومات الاستخبارية التي يمكن الحصول عليها حول العالم العربي من مصادر بشرية، أي عن طريق زرع عملاء عرب في الدول الدول العربية المستهدفة.

ويقول آفي ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي والذي شغل في الماضي منصب رئيس جهاز ” الشاباك ” أن المعلومات التي يحصل عليها من المصادر البشرية تكون في الغالب موثوقة أكثر من المعلومات التي يمكن الحصول عليها بالوسائل الالكترونية، مثل التنصت ومتابعة الأقمار الصناعية، التي في كثير من الاحيان يصعب تفسيرها، على حد قوله.

ويجزم أن بعض المعلومات الحيوية لا يمكن الحصول عليها إلا من عبر المصادر البشرية. من هنا فأنه بالنسبة لديختر وجميع قادة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، فأن إسرائيل مطالبة بمضاعفة الاستثمار في مجال تجنيد المزيد من المصادر البشرية داخل الأراضي الفلسطينية وفي الدول العربية للحصول على المعلومات الحيوية.

ويسخر داني ياتوم، الرئيس الأسبق لجهاز ” الموساد ” من آليات عمل وكالة الاستخبارات الأمريكية التي تعتمد بشكل أكبر على الوسائل الإلكترونية في الحصول على المعلومات الاستخبارية، ويعتبر أن هذا هو أحد الأسباب التي جعل مهمة الولايات المتحدة بالغة الصعوبة في كل من العراق وافغانستان.

  

الظروف المساعدة لتجنيد العملاء

يقول يعكوف بيري في كتابه ” الآتي لقتلك “، أن عملية تجنيد العملاء، تعتمد بشكل أساسي على القدرات ” الإبداعية ” التي يتمتع بها القائمون على مهمة تجنيد العملاء، وقدرتهم على تطوير ادائهم بما يتناسب مع ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم.

ويصف عملية تجنيد العملاء بأنها ” حرب عقول ” مفتوحة. لكن من خلال ما كتبه بيري، ويهودا جيل، الذي يعتبر من أكثر ضباط الموساد الذين نجحوا في تجنيد عملاء عرب، وابراهام حزان، من قادة ” الشاباك “، وغيرهم من أولئك الذين شغلوا مناصب مرموقة في الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، فأن عملية تجنيد العملاء، تقوم على الظروف الأتية:

  • المنتصر يخترق المهزوم : في حال نشوب صراع بين كيانين، فأن أي كيان بإمكانه أن “ويؤكد حزان أن هذه مسلمة تاريخية، وتاريخ الصراعات دلل على ذلك.

ويرى رافي إيتان، الذي رأس في السابق قسم تجنيد العملاء في الموساد، أنه في حال حقق أحد طرفي صراع انتصاراً على الطرف الآخر، فأن مواطني الطرف المهزوم، يبدون استعداداً للتعاون مع الطرف المنتصر.

وإذا اسفر الصراع عن نجاح طرف في احتلال أرض الطرف الآخر، فأن هذا يمثل ” الظروف المثالية ” لتجنيد العملاء، كما يقول بيري. ويقول الكاتب والمحقق الإسرائيلي يغآل سيرنا أن وزير الحرب الإسرائيلي موشيه ديان، بعيد انتهاء حرب الأيام الستة قد شدد على أن استعداد الفلسطينيين للتعاون مع المخابرات الإسرائيلية، هو الشرط الذي يمكنهم من العيش ب ” راحة ” بعد الاحتلال.

وينقل سيرنا عن ديان قوله ” الآن يوجد للفلسطينيين ما يخسرونه، فكل فلسطيني يريد الحصول على تصريح لإقامة مشروع اقتصادي، أو تصريح للعمل أو العلاج في إسرائيل، أو يرغب في السفر للخارج، عليه أن يكون مستعداً للتعاون معنا “.

2- الحاجات المادية والإقتصادية والعاطفية: وكما يقول جيل، فأن هذه الحاجات تشكل نقاط ضعف تستطيع الأجهزة الاستخبارية استغلالها لتجنيد العملاء.

 

3-ضعف الشعور بالإنتماء الوطني: يربط شفطاي شفيت، رئيس جهاز الموساد السابق بين استعداد قطاعات في العالم العربي للتعاون مع إسرائيل وبين وجود الأنظمة الشمولية القمعية في العالم العربي. ويضيف في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي بتاريخ 22 -5-2004 أن حكم الأنظمة الشمولية في العالم العربي هو عامل مهم في تقليص الشعور بالإنتماء الوطني بسبب قمعها، الأمر الذي يجعل بعض مواطني الدول العربية مستعدين للتعاون مع إسرائيل احتجاجاً على حكوماتهم وأنظمتهم.

4-ضعف المستوى التعليمي وإنعدام الثقة بالذات: على الرغم من نجاح الأجهزة الإستخبارية الإسرائيلية في تجنيد اشخاص من مختلف المستويات، إلا أنه لا خلاف بين قادتها على أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي للفرد كلما كانت عملية تجنيده أكثر صعوبة.ولا خلاف ايضاً على أن الثقة بالذات تمثل عنصراً مهماً في قبول أو رفض التعاون مع دولة الاحتلال.

 

وتنقل الإذاعة العبرية بتاريخ 14-4-2003 عن أحد ضباط جهاز ” الشاباك ” قوله أنه في أحد الأيام استدعى أحد الشباب الفلسطيني في أحد مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، وبعد أن تحدث معه حول أموره الشخصية، عرض عليه التعاون معه المخابرات الإسرائيلية، فرفض الشاب. فما كان من هذا الضابط إلا أن أخرج عدة صور لهذا الشاب وهو يمارس الجنس مع إحدى النساء. وتوجه للشاب قائلاً ” حسناً، ماذا تقول الآن، بإمكاني أن أوصل هذه الصور لعائلة الفتاة وعندها سيقتلونك “.

ويضيف الضابط ” لهول مفاجأتي، فإذا بهذا الشاب يبتسم ابتسامة خبيثة ويقول لي : حسنا، لا عليك، أنا سأريحك، فإذا سحبت لي مزيداً من هذه الصور، سأقوم بتعليقها في شوارع المعسكر “.

ويقول الضابط ” لقد جن جنوني بعد أن تبين لي أن مناورتي التي نجحت مع العشرات من الشباب الفلسطيني فشلت مع هذا الخنزير، لأنه علم أنني لست معنياً في الحقيقة بنشر الصور، فطردته من المكتب، وأنا أكن له كل إحترام وتقدير”. ولا يفوته أن يشير الى أن هذا الشاب أصبح متديناً وتحول للعمل المقاوم عندما اندلعت الانتفاضة الأولى، حيث قضى نحبه في إحدى العمليات.

 5- ضعف أو قوة الوازع الديني: لا خلاف لدى ديختر، على أن الوازع الديني لدى العرب والفلسطينيين يمثل درعاً واقياً يقلص استعدادهم للتعامل مع المخابرات الإسرائيلية.

ويورد ديختر حادثة ذات دلالة. ويقول أنه عندما كان مسؤولا عن تجنيد العملاء في منطقة شمال قطاع غزة، استدعى شاباً فلسطينياً لمحاولة تجنيده، وبعد أخذ ورد، كما يقول ظهر لدى هذا الشاب استعداداً للتجاوب، وفجأة، فإذا بالمساجد في المنطقة تصدع بإذان الظهر، فما كان من هذا الشاب، إلا أن ارتعد وزمجر وصرخ في وجهي ” لن أخون الله ووطني ايها الحقير”

  الموساد وآلية ” شفط العملاء “

 

جهاز ” الموساد “، الذي يعنى بشكل مباشر بالتجسس على الدول العربية، لا يملك القدرة على الاحتكاك بمواطني الدول العربية بسهولة، كما هو الأمر متاح لجهاز ” الشاباك “، المسؤول عن تجنيد العملاء من بين الفلسطينيين.، ولعدم قدرة ” الموساد ” على العمل بشكل مباشر في العالم العربي، فأن المسؤولين عن تجنيد العملاء في هذا الجهاز يسعون الى استدراج المرشحين للإسقاط الى خارج العالم العربي لكي يتاح ممارسة أساليب التأثير التي يحاول الموساد من خلالها تجنيد هؤلاء لصالحه، وهو ما يطلق عليه شفتاي شفيط، آلية ” شفط العملاء “. وتتم هذه الآلية بأشكال مختلفة، حسب الظروف:

1-هناك مواطنون عرب يتوجهون من تلقاء أنفسهم، وبسبب ضائقة مالية أو مشاكل اجتماعية، أو بدافع الانتقام من أوطانهم، الى السفارات الإسرائيلية لعرض خدماتهم في مجال التجسس على طاقم السفارة.

وتدلل اعترافات بعض العملاء الذين القي القبض عليهم في الدول العربية، وتحديداً في مصر أن هؤلاء بادروا الى عرض خدماتهم على الموساد. وتكمن أهمية هذا النوع من العملاء، أن بعضهم يبادر الى ذلك وهو يعلم أن لديه ما يمكن أن يقدمه.وبالطبع هذه الطريقة الأيسر في تجنيد العملاء.

 

2- محاولة تجنيد المواطنين العرب الذين يتوجهون للخارج سواء للدراسة أو العمل، واستغلال مشاكلهم لعرض حلولاً لها، وينتهي الأمر بالسقوط في براثن الموساد، كما حدث مع عدنان ياسين الموظف في مكتب حكم بعاوي عضو اللجنة المركزية لحركة ” فتح ” عندما كانت قيادة منظمة التحرير في تونس، وكان بعلاوي مسؤولاً عن الأمن في مقر المنظمة.

 

فعندما توجه ياسين للعلاج في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي للعلاج في فرنسا، وكان يواجه مشاكل مالية جمة،عرض عليه عناصر الموساد تقديم الدعم المالي له مقابل موافقته على التعامل معهم، فوافق على ذلك.

فما كان منه أن قدم اخطر المعلومات الاستخبارية عن قيادة منظمة التحرير، وهي المعلومات التي سمحت لحكومة رابين قبيل الخوض في مسار ” اوسلو ” بالتأكد من أن هذه القيادة أصبحت جاهزة لأي حل يعرض عليها.

فبناءاً على تعليمات الموساد قام ياسين باهداء امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت محمود عباس، الرئيس الفلسطيني الحالي، مصباح مكتبي غالي الثمن لوضعه على مكتبه الخاص في مقر المنظمة في تونس، وكان ” الموساد ” قد زرع في هذا المصباح جهاز تنصت، استطاعت إسرائيل عن خلاله أن تطلع أولاً بأول على ما يجري من مداولات في مكتب ابو مازن، قبل واثناء المفاوضات السرية على اتفاقية ” أوسلو “.

 

وقال عوزي عراد الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب مدير قسم الأبحاث في جهاز ” الموساد ” أن المعلومات التي نقلها ياسين كان لها بالغ الأثر في بلورة قناعة لدى دائرة صنع القرار في إسرائيل أن قيادة منظمة التحرير في اقصى درجات تهافتها على البحث عن تسوية تضمن لها بقاء دورها في قيادة منظمة التحرير، بعد أن اتضح لها أنها توشك على فقدان زمام المبادرة.

3-تحديد هوية أشخاص في العالم العربي ومحاولة اسقاطهم بشكل مباشر بسبب مواقعهم الحساسة، مثل عملهم في المؤسسات الأمنية أو السياسية، أو المنشآت الإستراتيجية. حيث يقوم ” الموساد ” بإرسال من يقوم بالاحتكاك المباشر مع هؤلاء في الدول العربية ذاتها، لإستدراجهم.

وفي الأغلب يكون العنصر النسائي هو العنصر الأساسي في عمليات الإستدراج. وتعتبر قصة الطيار في الجيش العراقي منير دفة مطلع السبعينات من القرن الماضي مثال حي على هذه الوسيلة.

فقد كان ” الموساد ” معنى بالحصول على معلومات عن سلاح الجو العراقي، وتحديداً طائرة ” الميغ تسع وعشرين “، التي كانت احدث ما انتجته الصناعات الحربية السوفياتية. وكانت اسرائيل معنية بتزويد هذه الطائرة للولايات المتحدة من اجل التعرف على التقنيات التي قامت عليها، من أجل تعزيز مكانة تل ابيب لدى الإدارة الأمريكية.

فقام الموساد بإرسال احدى عميلاته الحسناوات التي انتحلت صفة سائحة غنية، وحرصت على الاحتكاك بدفة في احدى الحفلات ذات المستوى العالي، وقد شغف دفة بها وعرض عليها الاتصال الجنسي على الرغم من أنه متزوج، فوافقت على العرض مقابل أن يتم في الخارج، فسافر معها الى باريس وهناك تم تصويره وهو يمارس الرذيلة، ومن ثم موافقته على التعاون مع الموساد، ومن فرنسا توجه دفة الى تل ابيب، حيث تم الاتفاق معه على أن يتم وضع دفعة من المال في حسابه في احدى البنوك السويسرية، وأن يتم ترحيل عائلته الى ن العراق بمساعدة العملاء الإسرائيليين، ومن ثم نقلهم الى إسرائيل، ومقابل ذلك هرب بطائرته الميج الى إسرائيل حيث استقبله رئيس الموساد انذاك مائير عميت، حيث تم منحه وأفراد عائلته هويات إسرائيلية.

 

وقد وردت تفاصيل هذه القصة في كتاب ” امراء الموساد “، لمؤلفيه الاسرائيليين يوسي ميلمان ورفيف دان. وعلى الرغم من قلة الشواهد على هذه الآلية، فأنها قد تكون أكثر الوسائل جدوى، إذ أنها تتيح للموساد محاولة استدراج أهداف محددة، يرى أنها قد تكون مصادر استخبارية ثمينة.

4-نشر اعلانات في الصحف أو على مواقع على شبكة الإنترنت تحت إسم شركات وهمية تعرض فرص عمل لباحثين أو خبراء في مجالات محددة، وعادة يكون مقر هذه الشركات الوهمي في عواصم الدول التي يتاح للموساد فيها العمل بحرية، مثل دول جنوب شرق آسيا، وقبرص. ويتم تصميم الاعلان بحيث يهدف الى استدراج فئات محددة يرى ” الموساد ” أنها يمكن أن تصل الى مواقع حساسة في الدولة المستهدفة بعمله الإستخباري. وتعتبر قصة اسقاط الخبير في هيئة الطاقة الذرية المصرية مثال على استخدام هذا النوع من الأساليب.

 

5- استغلال شبكة الانترنت :أصبح ” الموساد ” يوظف بشكل كبير الإمكانيات التي توفرها شبكة الإنترنت عن طريق استدراج الشباب العرب، فيكشف الباحث وخبير الأمن الفلسطيني الدكتور خضر عباس في كتابه ” العملاء في ظل الاحتلال الإسرائيلي “، أن ” الموساد ” دشن العديد من صفحات التعارف على شبكة الإنترنت، حيث يتم عرض صور لفتيات يعرضن التعارف على الشباب العرب. وعندما يتصفح شاب عربي هذه الصفحات تظهر صورة فتاة حسناء تعرض على الشاب العربي اللقاء في أي مكان في العالم، وتعرض هذه الفتاة على هذا الشاب دفع تكاليف الرحلة شرط أن تكون ” فحولة ” هذا الشاب مكتملة. فيهب بعض هؤلاء لإصطياد تلك الفتيات، ليجد نفسه مرتبطاَ بجهاز الموساد.

ويحرص عملاء الموساد على الحصول على اكبر عدد من عناوين البريد الإلكتروني للشباب العربي، ويقومون بالتسجيل لديهم على برامج ” الماسنجر ” بغية الدردشة بهدف الاستدراج، وينتحل رجال الموساد في أغلب الأحيان شخصية فتاة، للإيقاع بالفريسة.

الى جانب مشاركة رجال الموساد في غرف الدردشة والمنتديات الشبابية بهدف الإستدراج. وأهمية شبكة الانترنت، تكمن في أنها تساهم في وضع رجال الموساد في احتكاك مع شباب عرب من مختلف ارجاء العالم العربي. وما ينطبق على الدول العربية، ينطبق على الدول التي تعتبر أهداف استخبارية من الطراز الأول للموساد، وتحديداً إيران.

 

 

” الشاباك ” وآليات التجنيد التقليدية

 

منذ أن احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، أصبحت تتحكم في كل مناحي الحياة للفلسطينيين، فحصول الفلسطيني على تصريح للعمل، أو العلاج، أو إذن بالسفر للخارج من أجل الزيارة أو مواصلة التعليم كان مرهوناً فقط بموافقة سلطات الاحتلال. في نفس الوقت كانت هذه السلطات منذ العام سبع وستين وحتى تشكيل السلطة الفلسطينية في العام اربع وتسعين، هي الجهة المسؤولة عن استيعاب عشرات الالاف من الفلسطينيين في سلك التعليم والصحة وقطاع الخدمات. إسرائيل لم تتوان للحظة في إستغلال ما تتمتع به من نفوذ من أجل مساومة الكثير من الفلسطينيين وإبتزازهم من أجل دفعهم الى التعاون مع مخابراتها، ممثلة بجهاز “الشاباك. صحيح أن المخابرات الإسرائيلية فشلت في إبتزاز معظم الذين حاولت مساومتهم على أن يصبحوا عملاء لها، إلا ان احتكارها للقوة والنفوذ دفع الكثير من ضعاف النفوس للسقوط في براثن العمالة، وأصبحوا أدوات رخصية وطيعة في أيدي عدوهم. إنحطاط المعايير الأخلاقية للمحتل جعله يستخدم وسائل قذرة في تجنيد العملاء من بين الفلسطينيين، وكما بات معروفاً الآن، فقد عمد ” الشاباك”، على استدراج الشباب الفلسطيني الى ممارسات غير أخلاقية، حيث يتم تصويرهم في أوضاع مشينة، وبعد ذلك يقوم عناصر ” الشاباك”، بتخييرهم بين العمالة، أو فضح أمرهم. وقد دلت التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فضلاً عن التحقيقات التي أجرتها فصائل المقاومة الفلسطينية مع مئات العملاء عن أن هذه الطريقة هي الأكثر شيوعاً في تجنيد العملاء. ويجمع كل الذين تعاملوا مع ملف العملاء على أن الحصول على مماسك اخلاقية، وبالذات جنسية على الشباب الفلسطيني توظف من قبل ضباط المخابرات الاسرائيلية في دفع الشباب الفلسطيني. فعلى سبيل المثال نقدم قصة ” ن ج ” هو أحد عناصر الأمن الوطني الفلسطيني، من عائلة تسكن في المنطقة الوسطى من قطاع غزة، ومعتقل في سجون السلطة في غزة بعد اعترافه بالتعامل مع المخابرات الاسرائيلية. التقى به كاتب هذه السطور في السجن ليتحدث عن طريقة اسقاطه. يقول ” ن ج ” أنه في العام 2000 انضم للأمن الوطني الفلسطيني،فقررت قيادة الامن الوطني ارساله الى العمل في منطقة ” بيت لحم ” في الضفة الغربية. فكان عليه، كما هو الحال مع جميع عناصر الأمن الوطني الذين سينتقلون للعمل في الضفة أن يحصلوا على تصريح للسفر للضفة. ويضيف ” ن ج ” أنه توجه الى مكتب الارتباط العسكري الاسرائيلي في حاجز ” ايرز ” الذي يصل شمال القطاع باسرائيل، ليحصل على التصريح هناك. قام الجنود بادخاله الى مكتب كبير، حيث كان شاب يلبس الزي المدني ينتظره، وبعد ان قام بتعريفه على نفسه بأنه ” الكابتن جمي ” من جهاز المخابرات الاسرائيلية، عرض عليه أن يتعاون معه من أجل ” الحفاظ على السلام من الحركات المتطرفة في الجانبين “. لم يتلق ” الكابتن جمي ” من ” ن ج ” اجابة بسرعة، ولم يحاول اسثتمار جهد في اقناعه، فخرج من المكتب، وبعد خمس دقائق دخلت مجندة حيث قامت ببعض المداعبات الجنسية ل ” ن ج “، وبعد ذلك خرجت. وعلى اثرها دخل ” الكابتن جمي “، وهو يقهقه، وكان يحمل بعض الصور التي كانت تظهر ” ن ج “، وهو يتلق المداعبات الجنسية من المجندة. كان ” جمي ” صارماً في حديثه ل ” ن ج ” : إما أن توافق على التعاون معنا، وأما نقوم بنشر هذه الصور في …..( احد معسكرات اللاجئين يقطن فيه ن ج ). يقول ” ن ج ” انه وافق بدون تردد على عرض ” جمي “. وهكذا شرع هذا الشاب البائس الذي لم يحصل حتى على الشهادة الابتدائية في طريق قاده الى احد الزنازين المظلمة في سجن ” السرايا “. واعترف أنه جمع المعلومات الاستخبارية وفق تعليمات ” جمي ” وبعد ذلك ” الكابتن مئير “، وتدرج في تنفيذ المهام الاستخبارية لدرجة أنهم قاموا بإرساله لتصفية أحد المقاومين الفلسطينيين في إحدى بلدات جنوب الضفة الغربية، ولم ينجح لحدوث طارئ حال دون وجود الهدف في المكان الذي كان من المقرر أن تتم فيه عملية الاغتيال. وتحدث كاتب هذه السطور مع عدد من الذين اعترفوا بالتعاون مع “الشاباك “، وكلهم أكدوا أنه تم جرهم للعمالة بطريقة الابتزاز الجنسي.

 

مهام متعددة

إلى جانب رصد المقاومين والوشاية بهم، ومحاولة اختراق حركات المقاومة الفلسطينية، بغرض احباط عملياتها، فأن العملاء يواصلون رصد المقاومين حتى بعد أن يتم ايداعهم السجن. فمنذ أوائل السبعينيات عرفت الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة في سجون الاحتلال ظاهرة ” العصافير “، وهم عملاء تقوم المخابرات الاسرائيلية باعتقالهم لكي يقوموا باستدراج المقاومين الذين يتم اعتقالهم للادلاء باعترافات وذلك في فترة التحقيق مع هؤلاء الأسرى. وحسب ما أفاد به عدد كبير من الأسرى تحدثت اليهم ” الشرق الأوسط “، فأن ” العصافير ” هم الذي يقومون بالدور الحاسم في استدراج الأسرى للإعتراف بما تنسبه اليهم المخابرات الاسرائيلية.

لكن الى جانب كل ذلك فأن العملاء لعبوا دوراً هاماً في دفع المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية والتهويدية في القدس المحتلة. جهاز المخابرات العامة الفلسطينية شن في الفترة بين العامين ست وتسعين والفين حملة شاملة على العشرات من سماسرة الأراضي من الفلسطينيين الذين كانوا يقومون بتزييف وثائق أراضي تعود لفلسطينيين غائبين أو متوفين، وبعد ذلك يقومون ببيعها لجمعيات يهودية وتهويدية. وقد كان القاسم المشترك لهؤلاء السماسرة هو أنهم جميعاً عملاء مرتبطين بجهاز ” الشاباك “. ولعل احدث قضية تكشف عن دور العملاء في دفع المشاريع الاستيطانية، ما كشف عنه العميل محمد مرقة من بلدة ” سلوان ” الذي اجرت معه صحيفة ” هارتس ” الاسرائيلية مقابلة مطولة كشف النقاب فيها عن دوره في تزويد جمعية ” عطيرات كوهنيم ” اليهودية التي تنشط في مجال تهويد مدينة القدس ومحيطها، بمستندات ووثائق خاصة بمنازل وعقارات فلسطينية في بلدة “سلوان “، والقدس الشرقية. لكن هناك اهداف اخرى سعت إسرائيل لتحقيقها من خلال تجنيد العملاء:

1-زعزعة ثقة الفلسطينيين بقضيتهم: كما يقول جدعون عيزرا، النائب السابق لرئيس جهاز المخابرات الاسرائيلي الداخلية ” الشاباك”، فإن مجرد اكتشاف الفلسطينيين لقدرة ” الشاباك” على تجنيد عملاء في صفوفهم كفيل، بزعزعة ثقتهم بالقضية والمقاومة الفلسطينية. في حين يقول حاييم بن عامي، الرئيس السابق لقسم التحقيقات في ” الشاباك”، ” نجاحنا في اختراق التنظيمات الفلسطينية عبر تجنيد عملاء لنا من بين عناصرها، له بالغ الأثر في سيادة أجواء عدم الثقة في أوساط عناصر المقاومة، بشكل يجعلها أقل كفاءة.

2-محاولة التأثير على أجندة المجتمع الفلسطيني، بما يتوافق مع المصلحة الإسرائيلية، حيث كان للعملاء دوماً أثر في إثارة الفتن الداخلية بين الفلسطينيين، فضلاً عن تداول الشائعات التي هي جزء من الحرب النفسية التي تخوضها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

3-تجنيد أكبر عدد من العملاء جاء لتحييد اوسع قطاعات من الشباب الفلسطيني، وإبعادهم عن صفوف المقاومة.

 

**** نشرت الدراسة في مجلة ” وجهات نظر ” المصرية عدد تموز 2007

 

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في خلق تحولات سياسية أبرزها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووصول شخصيات من خارج مؤسسات الدولة الرسمية إلى سدة الحكم، مثلما حدث في حالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى