11المميز لديناشخصية الأسبوع

“الرمضي” أصبحنا نستورد المسؤولية الاجتماعية بينما هي من أصول ديننا

لمع اسمه واقترن بالمسؤولية الاجتماعية بحثًا وتحقيقًا وتطبيقًا، صاحب باع طويل في العمل الإداري والأكاديمي، أسس موقع الشبكة السعودية للمسؤولية المجتمعية، وأرسى نهجًا لإدارة تفاعل الشركة مع العملاء الحاليين والمستقبليين (CMR)، صدر له عدة مؤلفات وكتب منها: المسؤولية الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية عام 2013م، المسؤولية الاجتماعية للمنظمات وملامح من رؤية المملكة 2030 عام 2017م، قدم العديد من أوراق العمل والدراسات والبحوث في كثير من المؤتمرات والندوات المحلية والعربية…

س: بداية.. من هو د/ الرمضي الصقري، من حيث المنشأ والدراسة والعمل؟

ج:الاسم :الرمضي قاعد بن محيلان الصقري العنزي ، الميلاد والتعليم في منطقة الحدود الشمالية مدينة عرعر إلى التعليم الثانوي، ثم حصلت على درجة البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة الملك عبد العزيز، وعملت في إدارة سجون الحدود الشمالية مدة أربعة عشر عامًا، ثم انتقلت إلى وزارة الشؤون الاجتماعية آنذاك.. كباحث اجتماعي في مكتب الضمان الاجتماعي بالمدينة المنورة، ومن ثم افتتحت الوزارة مكتب جديد للضمان الاجتماعي بمحافظة رفحاء بمنطقة الحدود الشمالية ونقلت له واستلمت إدارته لمدة أربع سنوات. بعد ذلك انتقلت لاستلام فرع الوزارة بمنطقة الحدود الشمالية للضمان الاجتماعي بالمنطقة كمدير عاما لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقلت إلى الرياض في كافة الضمان الاجتماعي بالوزارة واستلمت خلالها العديد من الأعمال ما بين لجان ومهام عديدة كمشرف باحثين، وكلفت في العمل فيما يخص المقام السامي والديوان الملكي من مخاطبات ترد للوزارة، … وغيرها، ثم تمت ترقيتي إلى إدارة التدريب في الوزارة وعملت مدرب ومدير إدارة  التدريب لمدة خمس سنوات، إلى أن طلبت التقاعد المبكر في عام 1439هـ وما بين التعيين والتقاعد مررت بأعمال كثيرة في عملي في القطاع الحكومي، بالإضافة إلى متعاون مع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني كمدرب ومستشار أسرى، وغيره من الجهات.

أثناء استقراري في مدينة الرياض استطعت -ولله الحمد- مواصلة دراستي العليا، في جامعة الملك سعود رغم كثير من التحديات التنظيمية بعدم حصولي على تفريغ للدارسة، وبفضل الله حصلت على درجة الماجستير تخصص علم اجتماع ورسالتي عن (برامج المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص بالمملكة العربية السعودية)، ولم أكتفِ بالماجستير، ودرست الدكتوراة تخصص علم اجتماع والرسالة عن (الدور الاستراتيجي للجمعيات الخيرية في المسؤولية الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية).

وبعد خبرة في العمل بالقطاع الحكومي بحدود 29 سنة تفرغت لأعمالي الخاصة، وكذلك لشركة خبراء المسؤولية للاستشارات الإدارية العليا بالرياض؛ لتقديم الأعمال في المسؤولية الاجتماعية والأعمال الاستشارية. وكذلك التأليف.

س: ذكرت سابقًا، أن المسؤولية الاجتماعية ليست لها شهادات معتمدة، أو معاهد خاصه بها، أو ما شابه ذلك، فمن أين لك لقب مستشار المسؤولية الاجتماعية، أو خبير المسؤولية الاجتماعية؟

ج: المسؤولية الاجتماعية ليست لها مرجعية أو هيئة تعطي هذه المسميات (كهيئة المهندسين، وهيئة التخصصات الصحية، … وغيرها من التخصصات)  بحكم حداثة تنظيمها  المؤسسي في العالم العربي، وقد ذكرت ذلك، ولا زلت أذكره باستمرار “لقب مستشار أو خبير لا يأتي بشهادة أو بدورة تدريبية متخصصة، إنما من خلال عدة مكونات تتكامل مع بعضها حتى يطلق على الشخص لقب مستشار أو خبير”، وليس في المسؤولية الاجتماعية، وإنما في أغلب المجالات، كما أن تنظيم الموارد البشرية عالميًّا حدد مواصفات وشروط للخبير أو المستشار على النحو التالي:-

أولًا: من يحمل لقب مستشار أو خبير في تخصص ما لا بد أن يحمل مؤهلًا علميًّا عاليًا.

ثانيًا: أن يكون لدية خبرة كافية في ذات الموضوع؛ تجعله خبيرًا في تفاصيله بحدود خمس عشرة سنة.

ثالثًا: أن يكون لديه إضافة إلى العلم أو التخصص، كنظرية علمية، أو مؤلفات؛ تجعله مدركًا لكل أو أغلب تفاصيل الموضوع. كما أن لقب مستشار أو خبير يطلق أحيانًا بالتعيين على مسمى الوظيفة بعد خبرة طويلة في مجال معين، ويكتسب هذا المسمى في بعض الجهات الحكومية.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]هناك كثيرون يدعون الإلمام في المسؤولية الاجتماعية، وأصبحت الموضة للجميع سواء الأفراد أو المؤسسات والشركات.[/box]

وفي كل الأحوال كلمة خبير أو مستشار، يفترض في الشخص الذي يشغلها أو يقدمها، فهم دقيق في التخصص ناتج عن علم متخصص وخبرة طويلة في ذات التخصص تترجم إلى نتائج عمل، وطبعًا هذا يندرج على كل التخصصات وليس المسؤولية الاجتماعية فقط.

وللأسف.. في هذه الفترة هناك كثيرون يدعون الإلمام في المسؤولية الاجتماعية، وأصبحت الموضة للجميع سواء الأفراد أو المؤسسات والشركات.

وحسب علمي حتى الآن.. لا توجد جهات مرخصة تمنح هذا اللقب، بالإضافة إلى أنه لا يمنح بمجرد دورة أو شهادة.

وبالنسبة لي -لله الحمد- لدي ما يفوق هذه المعايير الدولية للمستشار أو الخبير، سواء في المجال المهني أو المجال العلمي، ولا زلت طالبًا في مدرسة الحياة، وأبحث في المسؤولية الاجتماعية من جوانب مختلفة.

س: كل منّا يسعى لكسب العيش والسعي وراء الرزق.. فما هي الفائدة المرجوة من عملك كمستشار للمسؤولية الاجتماعية؟

ج: مصادر الرزق في بلادنا كثيرة ومتعددة ولله الحمد، وسبق أن ذكرت أني كنت موظفًا، والعمل وطلب الرزق من المسؤولية الاجتماعية علينا جميعًا، والأمر الآخر المسؤولية الاجتماعية تخصص، وأنا دخلت في هذا المجال محبًّا وعاشقًا له منذ أكثر من عشرين عامًا بسبب عملي كباحث اجتماعي ومسؤول في الضمان الاجتماعي، وأيضا دراستي في العلوم الاجتماعية ودراساتي العليا ركزت على المسؤولية الاجتماعية.

وبسبب المعاناة التي مررت بها أثناء دراستي العليا وصعوبة  وجود المراجع العلمية في المسؤولية الاجتماعية أسست منصة الشبكة السعودية للمسؤولية الاجتماعية، وجمعت فيها أبحاثًا ومقالات متخصصة عن المسؤولية الاجتماعية؛ لكي يتم الاستفادة منها، ولا تزال تقدم الخدمات المجانية (للجهات، والباحثين، وطلاب الدراسات العليا، والمهتمين في هذا المجال). والحمد لله؛ سنويًّا نحكم ونقدم خدمات مجانية لطلاب الدراسات العليا من العرب الذين يدرسون في جامعات العالم في هذا التخصص، والمعدل السنوي الذي يمر علينا ونساهم في مساعدتهم -ولله الحمد- أكثر من 150 طالبًا وطالبة سنويًّا.

وأحمد الله كثيرًا؛ عندما أجد كثيرًا من الطلاب والباحثين السعوديين والعرب استفادوا من هذه المنصة المعرفية في المسؤولية الاجتماعية، وهذا فضل من الله أن وفقنا لخدمة هذا المجال الذي يخدم المجتمع.

وبعد هذه الخبرات العلمية والمهنية أصبحت المسؤولية الاجتماعية رسالتي في الحياة، ومستشار المسؤولية الاجتماعية كأي استشاري، مثل: المستشار الاجتماعي، والنفسي، والطبيب، … وغيره من التخصصات الأخرى؛ علمه ووقته له ثمن، وأنا حاليًا أقدم الأعمال الاستثمارية في هذا المجال للجهات الحكومية والشركات والجمعيات، وبنفس الوقت لا يتعارض مع الأعمال الخيرية والتطوعية التي أقدمها في دفع ودعم هذا الموضوع ليكون ثقافة في المؤسسات والشركات، و الاستثمار في المسؤولية الاجتماعية أمر مباح، بل ربما مطلوب.

وعلى مدى أكثر من خمس عشرة سنة كنت أقدم جل أعمال المسؤولية الاجتماعية كأعمال خيرية تطوعية حبًّا في هذا المجال، وحاليًا نعمل في مجال الاستثمار الاجتماعي في المسؤولية الاجتماعية بحيث يكون للأعمال التي نقدمها عائد مادي، من خلال شركة خبراء المسؤولية للاستشارات الإدارية العليا بالرياض وتخصصها المسؤولية الاجتماعية، وإعداد الاستراتيجيات والمبادرات والبرامج والتقارير وكل ما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية بما يجعل الشركات والمؤسسات تستفيد من المسؤولية الاجتماعية.

فالاستفادة لا تتعارض مع المسؤولية الاجتماعية بل هي بذاتها مسؤولية اجتماعية، أغلب أعمالي من خلال الاستثمار المسؤول اجتماعيًّا كأحد مجالات المسؤولية الاجتماعية التي تحقق عائد لنا وللمجتمع. ولله الحمد لنا أعمال حاليًا داخل المملكة وخارجها في المسؤولية الاجتماعية. ولي مصادر دخل أخرى، ولله الحمد والمنة.

وإذا كان القصد من السؤال أن هناك مجالات أكثر جدوي، نعم وكثيرة وسهلة المنال -ولله الحمد- في بلادنا ولكن أرى أنه من واجبي العمل في هذا المجال، وكذلك ميولي وتخصصي جعلني أستمر في هذا المجال، وانظر للقيمة العلمية أكثر من القيمة المالية، وتحديدًا في المسؤولية الاجتماعية.

س: المسؤولية الاجتماعية كم عمرها بالعالم العربي وكم عمرها لدى د. الرمضي الصقري؟

ج: المسؤولية الاجتماعية تعتبر من أهم مقومات النظام الإسلامي، فقد استخلف الله الإنسان في هذا الكون، وقال تعالى {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}. وقال تعالى في آية أخرى {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}. وتستند هذه الأصالة إلى أن ملكية المال في المنظور الإسلامي لله عز وجل، استخلف الله الإنسان فيه وجعل حق الله هو حق المجتمع، مما يعني أن الباعث الحقيقي لهذه المسؤولية شرعي روحي يتمثل في التكليف الرباني الذي يقوم به الإنسان، الأمر الذي يجعلها تنظيمًا اجتماعيًّا ملزمًا.

كم نحن محظوظون أن ولدنا فوق هذا الوطن الذي بزغ  منه نور الضياء، وقيم الحب والتسامح والإخاء على يد سيد الخلق والرسل والأنبياء محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، الذي أرسله الله تعالى لإتمام مكارم الأخلاق، وهي جزء لا يتجزأ من أداء المسؤولية الاجتماعية، ونظم كيفية هذا الأداء في آليات محددة، يتضح هذا في (الزكاة، والوقف، والحقوق الواجبة للعمال، والإحسان والسماحة مع العملاء والمتابعين)، بالإضافة إلى المحافظة على الموارد المشتركة والمرافق العامة، مثل: (الطرق والجسور، والغابات، والمياه، والهواء، وكف الأذى عنها وعن الناس كافة)، حيث لا يقتصر الأمر في هذه المسؤولية على الإعانة بالمال وإنما تمتد لاستخدام كل الإمكانيات للمجتمع.

فالمسؤولية الاجتماعية في العالم العربي قديمة، ومن خلال المسؤولية الاجتماعية استطاعت الدولة الإسلامية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعده في الخلافة الراشدة والدولة الأموية والعباسية، الاكتفاء بذاتها رغم محدودية الموارد، ثم بدأنا نتخلى عن بعض قيم الدين ومن ثم ضعفت المسؤولية الاجتماعية في عالمنا العربي وأصبحنا نستوردها من جديد من الغرب وكأنها شي مستحدث بينما هي أصلية في ديننا وثقافتنا.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]الباعث الحقيقية للمسؤولية الاجتماعية شرعي وروحي، الأمر الذي يجعلها تنظيمًا اجتماعيًّا ملزمًا[/box]

أما بالنسبة لي فان الخبرات والميول والاهتمامات تلعب دورًا مهما بسبب عملي في الشأن الاجتماعي ودراساتي أيضًا في ذلك، كان لدي ثلاثة اهتمامات متزامنة مع بعضها: ملف الفقر، والمشاريع الصغيرة للفئات الفقيرة، والمسؤولية الاجتماعية التي ركزت عليها منذ أكثر من عشرين عامًا، ولا زلت أبحث فيها، وأحاول مأسستها في مؤسساتنا بالعالم العربي بشكل عام والمملكة بشكل خاص بالطريقة الصحيحة بكل ما أستطيع؛ فدراستي العليا (الماجستير، والدكتوراة) في الشأن الاجتماعي، ورسائل البحث في موضوع المسؤولية الاجتماعية، وألفت أربعة كتب عن المسؤولية الاجتماعية:-

١– كتاب المسؤولية الاجتماعية للشركات في المملكة العربية السعودية عام 2014، طبع في مطابع الحميضي بالرياض على حسابي الخاص، ويوزع مجانًا.

٢– كتاب دور المؤسسات الخيرية في المسؤولية الاجتماعية، طبع في جامعة الملك سعود على نفقة فاعل خير، وأيضًا يوزع مجانًا للمساهمة في نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية في المجتمع،

٣– كتاب أخصائي المسؤولية الاجتماعية، طبعت في مطابع جامعة الملك سعود،

٤ كتاب المسؤولية الاجتماعية في الإسلام. تحت الطبع حاليا.

ولدي أبحاث وأراق علمية، شاركت بها في أكثر من 18 مؤتمر علمي عن المسؤولية الاجتماعية داخل المملكة وخارجها وجميع الأبحاث في المسؤولية الاجتماعية، وحاليًا لدي ثلاثة مؤتمرات دولية مشارك فيها، لم تدخل في هذه القائمة، أولها يبدأ في بداية أكتوبر بإذن الله.

بالإضافة إلى ذلك أعددت استراتيجيات ومبادرات واستشارات للعديد من الجهات داخل المملكة وخارجها في مجال المسؤولية الاجتماعية. قدمت العديد من الدورات والمحاضرات والندوات واللقاءات وورش العمل في المسؤولية الاجتماعية. والحمد لله أولًا وأخيرًا أن وفقنا الله للعطاء في هذا المجال، وبإذن الله يستمر هذا العطاء.

س: يختلط لدى المجتمع المفهوم بالمسؤولية الاجتماعية مع العطاء، والسخاء، والصدقة، وأفعال الخير، فما هو مفهوم المسؤولية الاجتماعية وثقافتها؟

ج: المسؤولية الاجتماعية هي التزام بالقيم والممارسات الإيجابية التي تأخذ في الاعتبار مصالح الأطراف الآخرين، والمسؤولية الاجتماعية للأفراد قاعدة أساسية في سيرورة الحياة الاجتماعية؛ فهي الأمانة. وقد عرض الله -جل وعلا- هذه المسؤولية على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها؛ أعظم شأنها، وقَبِل الإنسان تحملها؛ فالواجب على المكلف من بني آدم أن يعتني بها وأن يؤدي هذه المسؤولية سواء كانت فردية أو اجتماعية أو مجتمعية على وجه الإخلاص لله في فعل الواجبات وترك المحرمات.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]للمسؤولية الاجتماعية أبعادًا متعددة، لها بعد سياسي، واقتصادي، واجتماعي، وثقافي[/box]

وتندرج المسؤولية الاجتماعية أيضًا في باب التكافل الاجتماعي، وهناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على التعاون، والتعاضد، والتآخي، والتسامح، وبذل الخير للبشر  بشكل عام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.  فالمسؤولية الاجتماعية مظلة كبيرة للحياة العامة للأفراد والمجتمعات، وبالتالي كلما كانت المسؤولية الاجتماعية مستوعبة في ثقافة المجتمع، وطُبقت بالشكل الصحيح، وتمت ممارستها كلما كانت التنمية أكثر وأوسع والعكس صحيح.

أما المسؤولية الاجتماعية للمنظمات فإنها مسؤولية تعاون ومشاركة لقطاعات المجتمع الأخرى، وتتكامل معها فيما يحقق الصالح العام، وتعتبر منهجًا للعمل وفق قيم الأمانة وقيم المسؤولية الاجتماعية، وهناك بعض الفروقات بين المنظمات بناء على أهدافها.. فمثلًا، المنظمات الاقتصادية التي تسعى لتحقيق الربح، وهذه من بعض الفروقات بحيث تعمل بما يحقق مصالحها في إطار مصالح الأفراد والمجتمع الذي تعمل به انطلاقًا من قاعدة لا ضرر ولا ضرار. وبنفس الوقت تلتزم في المبادئ لها، وكذلك الوزرات والمؤسسات الحكومية أيضًا عليها تطبيق المسؤولية الاجتماعية في استراتيجياتها لأنها تتضمن قيم ومبادئ تعتبر مرجعية في اتخاذ القرارات ونتائج هذه القرارات على أصحاب المصالح المختلفين لها بحسب نطاق خدماتها ومرجعياتها، وبذلك يكون للمسؤولية الاجتماعية للمنظمات معايير تختلف من منظمة لأخري وفقًا لأهدافها.

والمسؤولية الاجتماعية في مجملها تؤكد على القيم الأخلاقية، واحترام القوانين للدولة والمجتمع، والسعي إلى تحقيق المنافع المشتركة لكافة الأطراف، فالمسؤولية الاجتماعية ليست مجرد عطاء، بل تكون المسؤولية الاجتماعية أحيانًا بالمنع أو الامتناع. كما أن للمسؤولية الاجتماعية أبعادًا متعددة، لها بعد سياسي، واقتصادي، واجتماعي، وثقافي.

س: في إحد تغريداتك ذكرت ان العطاء الخيري لا بد أن يستوفي الشروط لكي يدرج تحت مسمى المسؤولية الاجتماعية.. ما هي تلك الشروط؟

ج: العمل الخيري باب واسع وكبير ومهم في المجتمع، وقد أوضح الدين الإسلامي الحنيف الفضل في ذلك، ولكن تغريداتي تخص العطاء للمسؤولية الاجتماعية للمنظمات، وما لاحظته من وجود ممارسات تتعارض أحيانًا مع المسؤولية الاجتماعية بسبب قله الخبرة في معايير ومبادئ المسؤولية الاجتماعية، وهنا أقصد العطاء المالي من الشركات إلى الجهات الأخرى، وحتى نصنف هذا العطاء بأنه في إطار المسؤولية الاجتماعية لا بد أن يكون للجهة التي تعطي معايير ومواصفات منها وجود استراتيجية تدمج هذا العطاء، وليس أمرًا عابرًا يدخل في إطار الخدمة الاجتماعية، أو الدعاية، أو الإعلان، أو التسويق، وهذا ما يعرف بدمج المسؤولية الاجتماعية في استراتيجية العمل. والعطاء للأعمال الخيرية أمر جميل ومطلوب، ونطاقة واسع، وفضله عظيم، ولكن يكون أثره أكبر عندما يكون وفق معايير المسؤولية الاجتماعية للمنظمات، وكذلك لا بد أن يكون ضمن تحديد  دقيق لمن أولوياتهم في العطاء، فالعطاء للمسؤولية الاجتماعية ليس عشوائيًّا إنما من خلال  خطة استراتيجية واضحة، الأمر الآخر أن يكون هذا العطاء وفق الطرق النظامية والقانونية، وأن يكون لهذا العطاء أثر مستدام وبالطرق القانونية والنظامية حتى في طرق صرفة وإنفاقه، وبنفس الوقت أن لا يؤثر هذا العطاء على أصحاب مصلحة آخرين أكثر أولوية، وأن لا يؤثر على أداء المنظمة في تحقيق أهدافها الأساسية.

فالعمل الخيري في معايير المسؤولية الاجتماعية الحديثة للمنظمات جزء منها وليس كل المسؤولية الاجتماعية، وبشكل عام مجمل العطاء المالي للمسؤولية الاجتماعية أن يكون قانونيًّا، ونظاميا، وأخلاقيًّا، وأغلبه له أثر مستدام مستقبلًا بحيث يكون عطاءً مسؤولا بطريقة مسؤولة أيضًا حاليًا ومستقبلا. وهناك تفاصيل في هذا العطاء من وإلى الجهات قد لا يسع المجال لذكرها الآن، وهذه أهم المعايير وليست كلها.

س: برأيك ما هي المقومات لتطوير الاستراتيجيات والمبادرات والتنمية المستدامة في ظل المسؤولية الاجتماعية؟

ج: المسؤولية الاجتماعية هي وسيلة التنمية المستدامة، والحقيقة أن رؤية المملكة 2030 أعطت لها حقها من خلال تخصيص هدف ضمن هذه الرؤية المباركة، ونحتاج إلى استثمار ما ورد في هذه الرؤية، من خلال استراتيجية واضحة، فنحن نملك العقول والقدرات وكل ما نحتاجه هو وضعها موضع التنفيذ، فالدولة -أيدها الله- داعمة بشكل كبير لملف التنمية، وبالتالي المقومات لتطوير استراتيجيات المسؤولية الاجتماعية لدينا لا تحتاج إلى الكثير، وكل ما نحتاجه الفهم الصحيح لها وتوجيه هذه المقومات والإمكانات في مكانها الصحيح، واستثمار الإمكانات بما يحقق الاحتياجات المجتمعية في ظل مبادئ وقيم المسؤولية الاجتماعية.

س: ما هو الدافع لديكم لتخصيص كتاب عن المسؤولية الاجتماعية؟

ج: الحقيقة.. افتقاد المكتبة لكتب في هذا التخصص والحاجة الملحة لها، جعلني أؤلف هذه الكتاب للاستفادة منه في نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية، كما سبق وأن أشرت أن المسؤولية الاجتماعية أصبحت رسالتي في الحياة وليس كتاب بل كتب وكتيبات دورية شهرية ونصف سنوية عن المسؤولية الاجتماعية منذ عام 2013م، وتوزع مجانًا لتعزيز هذه الرسالة التي أحملها ويشاركني فيها كثير من أبناء الوطن الذين يحملون نفس الهم، ونسعى إلى مأسسة المسؤولية الاجتماعية في المجتمع بالشكل الصحيح لوجود ممارسات خاطئة، واستغلالها أحيانًا، واستغلال الناس باسم المسؤولية الاجتماعية من البعض. ولن تكون هذه المؤلفات والإصدارات الأخيرة -بإذن الله تعالى- إن كان في العمر بقية. وسوف نستمر للتوعية بها بإذن الله، وأحد طرقنا هي الكتب والكتيبات والنشرات وغيرها.

س: ماذا تعني للدكتور الرمضي رؤية 2030 ؟ وماهو الرابط الاساسي بالمسؤولية الاجتماعية مع الرؤية؟

ج: في البداية نحمد الله سبحانه وتعالى أن سخر لهذا الوطن ولاة أمر يؤمنون بهذه المسؤولية الجسيمة وعاهدوا المولى -عز وجل- على العمل بجهد وإخلاص، ومن توفيقه سبحانه وتعالى إطلاق الرؤية الوطنية 2030 التي سوف تسابق الزمن لاستعادة ما قد ضيعناه منذ قرون مضت.

وقد تعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله- بأن جعل هدفه الأول أن تكون بلادنا نموذجًا ناجحًا ورائدًا في العالم على كافة الأصعدة. كما لخص صاحب الرؤية ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-.

إن الوطن الذي ننشده لا يكتمل إلا بتكامل أدوارنا، فلدينا جميعاً أدوار نؤديها سواء كنا عاملين في القطاع الحكومي أو الخاص أو غير الربحي. وهناك مسؤوليات عديدة تجاه وطننا ومجتمعنا وأسرنا وتجاه أنفسنا كذلك. في الوطن الذي ننشده، سنعمل باستمرار من أجل تحقيق آمالنا وتطلعاتنا، وسنسعى إلى تحقيق المنجزات والمكتسبات التي لن تأتي إلا بتحمّل كل منا مسؤولياته من مواطنين وقطاع أعمال وقطاع غير ربحي.

اما بالنسبة لرؤية المملكة 2030، فتعني لي وللشعب السعودي الكثير؛ فهذه رؤية وطن طموح، وتبقي شهادتي مجروحة فيها كمواطن سعودي، ولكن نأخذها نقاطًا موضوعية بعيدًا عن العاطفة، ومن منظور المسؤولية الاجتماعية، فوجود رؤية للوطن تحدد الإمكانات والقدرات، ونقاط القوة وتعززها، ونقاط الضعف وتعالجها، وتحدد الاتجاه التنموي للوطن، وتجند كافة الجهود والإمكانات لبلوغ تلك الأهداف بتضافر وتعاون من الجميع هذا بحد ذاته إنجاز كبير للوطن ونقله نوعية، وكل المواطنين حاليًا يعرفون الأهداف التنموية لوطنهم، وضمن مؤشرات أداء واضحة لجميع الجهات بشفافية تامة. أعتقد هذا إنجازًا آخر يضاف للأداء الحكومي من خلال هذه الرؤية المباركة، ونحن لا زلنا في إطار المسؤولية الاجتماعية، الأمر الآخر على مستوي أهداف رؤية المملكة 2030 فالجميع يعلم أن الاقتصاد السعودي يعتمد بشكل كبير على البترول بينما جميع الدول تسعى جاهدة من خلال المؤتمرات والملتقيات والندوات وتوظيف الأبحاث والابتكارات إلى تقليل الاعتماد على الصناعات التي تعتمد على البترول وحددوا تاريخًا زمنيًّا لذلك.

وكذلك اهداف التنمية المستدامة 2030 للأمم المتحدة، خطة التنمية للعالم في ظل الاستدامة، لذلك هذه كلها أسباب تجعل هذه الرؤية المباركة للمملكة أتت في الوقت المناسب، لمواكبة التطورات والتغيرات بالعالم.

الأمر الآخر فيما يتعلق بالرؤية.. فهناك ارتباط كبير جدًا من حيث التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة الرشيدة للأداء الحكومي في الموارد، كما أن المملكة حباها الله بقدرات وإمكانيات كبيرة لم تستثمر بالشكل الصحيح وربما يساء استخدام بعضها بالهدر، وركزت رؤية المملكة 2030 على الاستفادة من القدرات بكل الطرق واستثمارها بالشكل الصحيح من خلال محاربة الفساد، وتعزيز الحوكمة، والترشيد في الإنفاق، وكلما كانت المسؤولية الاجتماعية حاضرة بقوة ارتبطت بالحوكمة الرشيدة كلما تحقق التنمية، وقد انعكست هذه الإجراءات على جودة الخدمات وتحقيق العدالة الاجتماعية وغيرها من الأهداف التنموية، ولا تزال هذه الرؤية المباركة في بداياتها ولكن نلمس التطور الكبير في بعض الجوانب رغم كثرة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا تزال الآمال كبيرة وتبشر بخير كثير للوطن والمواطن في ظل قيادتنا الرشيدة وفقهم الله.

وأختم في هذه الجزئية كباحث ومتخصص في هذا المجال.. أستطيع القول أن رؤية المملكة 2030 هي رؤية المسؤولية الاجتماعية.

س: في رأيكم ما مدى غياب الأمانة والصدق أو المصداقية في المسؤولية الاجتماعية وأثرها على الفرد والمجتمع؟

ج: إن الأمانة هي قبولنا للمسؤولية الاجتماعية، وقبول المسؤولية الاجتماعية يقتضي العمل لأجل تحقيق هذه الرسالة للإنسانية، وتتعاقب عبر الأزمان لعمارة الأرض.

[box type=”shadow” align=”aligncenter” ]العمل الخيري في معايير المسؤولية الاجتماعية الحديثة للمنظمات جزء منها وليس كل المسؤولية الاجتماعية[/box]

الأمر الآخر.. المجتمع يتكون من أفراد، وثقافته تؤثر على بنائه ومكوناته، وكلما كانت المسؤولية الاجتماعية ثقافة وممارسة في المجتمع؛ اتسعت التنمية للمجتمع. والمسؤولية الاجتماعية لها ارتباط كبير في استقرار المجتمع وأمنه الاجتماعي الذي يشكل كل آمن انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم “كلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”. وعلي مستوى الثقافة لدينا ثقافة أصيلة للمسؤولية الاجتماعية ولكن على مستوى الممارسة لدينا نقص في تطبيق بعض مبادئ وقيم المسؤولية الاجتماعية التي تستوجب المصداقية والصدق، والشفافية، والإتقان، والعدالة، … وغيرها.

س: أين تجد المسؤولية الاجتماعية الآن بين أروقة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية؟

أحد الإيجابيات الجميلة التي تمت في رؤية المملكة 2030 مؤخرًا أن المسؤولية الاجتماعية أسندت إلى جهة حكومية، هي وزارة العمل والتنمية الاجتماعية في برنامج التحول الثاني، وهذه خطوة إيجابية من حيث الاهتمام الحكومي في المسؤولية الاجتماعية، وقد أنشات زارة العمل والتنمية الاجتماعية إظارة عامة لها حديثًا، وبالتأكيد توجد تحديات كثيرة سوف تواجه الوزارة وتحتاج إلى استقطاب الكفاءات الوطنية المتخصصة في هذا المجال لبناء أسس واستراتيجيات صحيحة،  بمهنية و احترافية عالية؛ حتى يكون لها أثرًا في تحقيق رؤية المملكة 2030. ونتمنى لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية التوفيق في هذا المجال.

س: كيف ننقل ونربي الأجيال القادمة على التعاطي مع المسؤولية الاجتماعية؟

ج: يقال الإنسان نتاج بيئته، والحقيقة نحتاج إلى تنشئة اجتماعية تعزز ثقافة وممارسة المسؤولية الاجتماعية سواء في محيط الأسرة، وفي المسجد، والمدرسة، ووسائل الإعلام، … وغيرها؛ لنخلق جيلًا قادرًا على تحمل المسؤولية، ويمارس مهامه وواجباته من خلال قيم ومبادئ المسؤولية الاجتماعية.

وعند الحديث عن التنشئة الاجتماعية والتي مصدرها الأسرة والمدرسة، نحتاج إلى تناغم بين الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام حتى لا يحدث صراع في القيم. نحتاج إلى المنهج الذي ينمي الشعور بالمسؤولية الاجتماعية وعيًا وتطبيقًا من خلال التعليم بكل مراحله، وخصوصًا في المراحل الأولى. بالإضافة إلى تفعيل دور الجهات التوعوية بما فيها من مؤسسات حكومية معنية في التوعية ومنظمات المجتمع المدني.  وأعتقد في الوقت الراهن الرؤية واضحة جدًّا في بلادنا -ولله الحمد- ولكن نحتاج لتفعيل البرامج التوعوية المدروسة من خلال الخبراء والمختصين بها بعيدًا عن الاجتهادات، حتى نقضي على الهدر في المال والوقت كما في كثير من البرامج السابقة.

س: بما أنك مستشار في المسؤولية الاجتماعية هل تتداول جوانب منها في لقاءاتكم مع المحيطين بكم من أقارب وأصدقاء؟

ج: بالتأكيد هناك تداول مع الأقارب وكذلك من الأصدقاء وأيضًا هناك لقاءات مستمرة، ونقاش حول المسؤولية الاجتماعية وممارساتها في الوطن العربي، ونعقد ندوات وينتج عنها نشرات توعوية، وأيضًا نحلل الممارسات والتوجهات المحلية والعربية والعالمية في المسؤولية الاجتماعية. والحمد لله لدينا تواصل ومعرفة شخصية مع أغلب المختصين والخبراء بالمسؤولية الاجتماعية بالعالم العربي.

س: ما الذي تحتاج مفاهيم المسؤولية الاجتماعية من الفرد ومن الأسرة ومن المجتمع لتفعيلها على أرض الواقع؟

ج: نحتاج من المجتمع التوعية، وأعتقد هذه من مهام كافة قطاعات المجتمع، وبالأخص الأجهزة المعنية بالتربية والتوعية، لكي يعي ويفهم الفرد معني المسؤولية الاجتماعية حتي تكون ثقافة المجتمع ومن ثم يجني المجتمع ثمار هذه الثقافة بعائد تنموي على المجتمع، وبنفس الوقت يحتاج من الفرد ممارسة المسؤولية الاجتماعية في محيطه لتكتمل الدائرة بتكامل الأدوار.. فالتنمية المستدامة واستقرار المجتمع ليس مسؤولية الدولة فقط إنما مسؤولية الجميع والجميع شركاء في تحقيق ذلك، كلم راع وكلم مسؤول عن رعيته.

كلمة أخيرة..

الشكر لصحيفة هتون هذه الاستضافة ولي الشرف أن أطل على قرائها الكرام، والشكر موصول  لسعادة الأستاذ/ عادل الحربي الذي تواصل معي.. ورغبته في كل ما هو مفيد للقارئ الكريم.  وبلا شك نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية من الموضوعات المهمة التي تقع علينا جميعا.

وتمنياتي لصحيفة هتون بقيادتها وطاقمها التوفيق والنجاح.

مقالات ذات صلة

‫17 تعليقات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88