مكتبة هتون

كتاب الأيام لطه حسين

كتاب الأيام هو أحد أشهر الأعمال والمؤلفات التي صدرت للأديب والمفكر المصري طه حسين. حتى أن البعض عدها أحد أفضل كتاباته وأجملها لغويًا، وقد لاقى ترحابًا عظيما بين جموع المثقفين حتى يومنا هذا.

في هذا الكتاب يصحبنا طه حسين في أحداث حياته ومحاطاتها المختلفة. حيث يصور معاناته وحياته في الأرياف حتى أدى الجهل الذي انتشر في ذلك الوقت إلى فقدانه لبصره، ولكن ذلك لم يقف عائقا بينه وبين مواصلة العيش ليس ذلك فقط ولكن انتقاله للدراسة في الازهر وما صاحب ذلك من المشاكل والعوائق ومن ثم انتقاله الى الجامعة المصرية وسفره الى فرنسا بعد ذلك.

لكن ما يثير انتباهك بلا شك و كيف لهذا الفتى الكفيف أن يصحبك في كل جوانب الحياة ويبدع في وصف كل ما حوله من أماكن واصوات وحركات وهمسات تجعلك تشعر أنك تصاحبه خطوة بخطوة وتنتقل معه من مكان لأخر.

سبب التأليف

إنّ السبب الرئيسي الذي دفع طه حسين لكتابة “الأيام”، هو تلك الضجة والثورة الكبيرة التي أحاطت بكتابه “في الشعر الجاهلي” الذي صدر عام 1926م، فقد أثار هذا الكتاب خلافات بين أوساط معينة في المجتمع المصري وبين طه حسين، ممّا تسبّب في تولد مشاعر الظلم لديه، والتي ذكّرته بالمعاناة التي لاقاها في طفولته وشبابه، وقد دفعه رفض أفكاره في تحرير الفكر إلى الإصرار على التمسك بالحياة وإثبات ذاته والانتصار، وقد ذكر طه حسين في مقدمة إحدى طبعات هذا الكتاب سنة 1954م عن سبب كتابته للأيام بقوله: “إنما أمليته لأتخلص من بعض الهموم الثقال، والخواطر المحزنة التي كثيراً ما تعتري الناس من حين إلى حين”، وإضافة إلى تلك الدوافع التي كانت خلف كتابة طه حسين لسيرته الذاتية، وهو تلك العلاقة الوثيقة التي كانت تربطه بالأدب العربي والأدب الغربي.

 

أجزاء الكتاب

يتكون الكتاب من ثلاثة أجزاء وهي :

الجزء الأول: يتحدث فيه طه حسين عن طفولته بما تحمل من معاناة، ويحدثنا عن الجهل المطبق على الريف المصري وما فيه من عادات حسنة وسيئة في ذلك الوقت.

الجزء الثاني: يتحدث عن المرحلة التي امتدت بين دخوله الأزهر وتمرده المستمر على مناهج الأزهر وشيوخه ونقده الدائم لهم وحتى التحاقه بالجامعة الأهلية.

الجزء الثالث: يتحدث فيه عن الدراسة في الجامعة الأهلية، ثم سفره إلى فرنسا وحصوله على الليسانس والدكتوراة ودبلوم الدراسات العليا ثم العودة إلى مصر أستاذاً في الجامعة.

وبذلك يكون عميد الأدب العربي قد وضع مثالاً للشباب ليهتدوا به حيث هدفه من الكتاب:

الحنين إلى الطفولة السعيدة

الرغبة في تقديم مثال ليحتذى به الشباب

الرغبة في مراجعه الذات والتاريخ

الرغبة في تحدي الحاضر والانتقام منه

من كلمات المؤلف التي توضح أهدافه النبيلة: «أنا أتمنى أن يجد الأصدقاء المكفوفين في قراءة هذا الحديث تسلية لهم عن أثقال الحياة، كما وجدت في إملاءه، وأن يجدوا فيه بعد ذلك تشجيعاً لهم على أن يستقبلوا الحياة مبتسمين لها، كما تبتسم لهم ولغيرهم من الناس».

الأسلوب الأدبي لكتاب الأيام

التقنيات الأسلوبية في كتاب الأيام ضمير الغائب اعتمدَ طه حسين في كتابه الأيام على استخدام ضمير الغائب، وهذا أسلوب يضفي على العمل نوعاً من الغموض لا يفهم من قراءة النص للمرة الأولى، ممّا يحفز القارئ على إعادة القراءة أكثر من مرة لإجلاء هذا الغموض وفهم المكتوب، كما أن هذا الأسلوب في السرد يجعل الكاتب أقرب إلى المصداقية، ويتيح له الفرصة بأن يستذكر حياته ويعيش شخصيته التي كان عليها قبل وقت كتابة السيرة.

 

نبذة عن المؤلف

طه حسين: أديبٌ ومفكِّرٌ مِصريٌّ، يُعَدُّ عَلَمًا من أعلام التنوير والحركة الأدبية الحديثة، امتلَكَ بَصِيرةً نافذة وإنْ حُرِم البصر، وقاد مشروعًا فكريًّا شاملًا، استحقَّ به لقبَ «عميد الأدب العربي»، وتحمَّلَ في سبيله أشكالًا من النقد والمُصادَرة.

وُلِد «طه حسين علي سلامة» في نوفمبر ١٨٨٩م بقرية «الكيلو» بمحافظة المنيا. فَقَدَ بصرَه في الرابعة من عمره إثرَ إصابته بالرمد، لكنَّ ذلك لم يَثْنِ والِدَه عن إلحاقه بكُتَّاب القرية؛ حيث فاجَأَ الصغيرُ شيخَه «محمد جاد الرب» بذاكرةٍ حافظة وذكاءٍ متوقِّد، مكَّنَاه من تعلُّم اللغة والحساب والقرآن الكريم في فترة وجيزة.

وتابَعَ مسيرته الدراسية بخطوات واسعة؛ حيث التحَقَ بالتعليم الأزهري، ثم كان أول المنتسِبين إلى الجامعة المصرية عامَ ١٩٠٨م، وحصل على درجة الدكتوراه عامَ ١٩١٤م، لتبدأ أولى معاركه مع الفكر التقليدي؛ حيث أثارَتْ أطروحتُه «ذكرى أبي العلاء» مَوجةً عالية من الانتقاد. ثم أوفدَتْه الجامعة المصرية إلى فرنسا، وهناك أَعَدَّ أُطروحةَ الدكتوراه الثانية: «الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون»، واجتاز دبلوم الدراسات العليا في القانون الرُّوماني. وكان لزواجه بالسيدة الفرنسية «سوزان بريسو» عظيم الأثر في مسيرته العلمية والأدبية؛ حيث قامَتْ له بدور القارئ، كما كانت الرفيقة المخلِصة التي دعمَتْه وشجَّعَتْه على العطاء والمُثابَرة، وقد رُزِقَا اثنين من الأبناء: «أمينة» و«مؤنس».

وبعد عودته من فرنسا، خاض غِمار الحياة العملية والعامة بقوة واقتدار؛ حيث عمل أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني بالجامعة المصرية، ثم أستاذًا لتاريخ الأدب العربي بكلية الآداب، ثم عميدًا للكلية. وفي ١٩٤٢م عُيِّن مستشارًا لوزير المعارف، ثم مديرًا لجامعة الإسكندرية. وفي ١٩٥٠م أصبح وزيرًا للمعارف، وقاد الدعوة لمجانية التعليم وإلزاميته، وكان له الفضل في تأسيس عددٍ من الجامعات المصرية. وفي ١٩٥٩م عاد إلى الجامعة بصفة «أستاذ غير متفرِّغ»، وتسلَّمَ رئاسة تحرير جريدة «الجمهورية».

أثرى المكتبةَ العربية بالعديد من المؤلَّفات والترجمات، وكان يكرِّس أعمالَه للتحرُّر والانفتاح الثقافي، مع الاعتزاز بالموروثات الحضارية القيِّمة؛ عربيةً ومصريةً. وبطبيعة الحال، اصطدمت تجديديةُ أطروحاته وحداثيتُها ببعضِ الأفكار السائدة، فحصدت كبرى مُؤلَّفاته النصيبَ الأكبر من الهجوم الذي وصل إلى حدِّ رفع الدعاوى القضائية ضده. وعلى الرغم من ذلك، يبقى في الذاكرة: «في الأدب الجاهلي»، و«مستقبل الثقافة في مصر»، والعديد من عيون الكتب والروايات، فضلًا عن رائعته «الأيام» التي روى فيها سيرته الذاتية.

رحل طه حسين عن دُنيانا في أكتوبر ١٩٧٣م عن عمرٍ ناهَزَ ٨٤ عامًا، قضاها معلِّمًا ومؤلِّفًا وصانعًا من صنَّاع النور.

اقرأ المزيد من صحيفة هتون الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى