مكتبة هتون

الجوائز الأدبية منارة القراء لاكتشاف عالم الكتابة

أعتقد أن عملية المطالعة والقراءة يمكن تشبيهها بالبحر، ذلك المكان الواسع المليء بالمعارف والتجارب. والقارئ يُشبه البحّار الذي يجوب البحر متخطياً أمواجه الكبيرة وعواصفه ومستكشفاً محتوياته الغنية. أما الجوائز الأدبية فتُمثّل تلك المنارة التي ترشد البحّار وتوجهه إلى الأماكن الجديرة بالاستكشاف، أي الكتب والأعمال الأدبية المتميزة التي تستحق القراءة والتقدير. والقراءة وحدها التي توجه القارئ إلى الأعمال الأدبية الرفيعة، أما الجوائز الأدبية فهي مجرد دليل يساعد القراء في اختيار ما يقرؤونه من بين الكم الهائل من المؤلفات المتاحة.

والمطالعة ليست مجرد هِواية أو عادة بسيطة فهي ثقافة وفن ونمط وأسلوب حياة قبل كل شيء، هي حب يفوز فيه المحب وبها يتطور ذاتيًا لغويًا وفكريًا وثقافيًا، تجدد كلماته وتحسنها تطور قدراته في فن التحاور والمخاطبة وتنميها على مواجهة الأحداث اليومية بطريقة ناجعة. كما تنوع كيفية قوله للأشياء بأساليب مهذبة وتجعل منه شخصًا أكثر نضجًا وتفتحًا. تصنع منه إنسانًا متفهمًا ومقبلاً على الآخرين وتخلق منه مستمعًا جيدًا وتولد فيه الرغبة في التحسن وتظهره بأبهى صورة. كما تمنحه فرصة تعلم الحياة من تجارب غيره وفهمها من خلال حبكات قصص الروايات التي يقرؤها.

القراءة تقدم للقارئ الكثير من الأمثلة عن حياة الإنسان وشخصيات الروايات نماذج عما بداخله. سير حياة يجعل القارئ يتذكر ويتمعن قبل أن يخطئ ويساهم في اختيار حياة أمثل.

وإن كانت المطالعة عادة فهي عادة برجوازية لأنها تتطلب الكثير وتحتاج إلى الوقت، والمجتمعات الأفريقية الفقيرة لديها مشكل كبير في ذلك. من يحارب من أجل الخروج من دائرة الفقر لا يملك الوقت، يحارب بكل ما لديه من قوة، وفي المساء يعود منهكًا ومتعبًا وغير قادر على الانتباه وهو يقرأ. أما من تقبل الأمر فاتحًا ذراعيه له، تجده لديه الكثير من الوقت لتضيعه، ومن لا يثمّن وقته لا يقرأ.

القراءة لها طقوس! لا أتحدث عن فنجان قهوة أو مكان رومانسي، فالكتاب الجيد لا يقرأ على شاطئ البحر في وضح النهار تحت شمس حارقة. وأقصد هنا الشغف والمواظبة، أن يجد المرء راحته فيها. إن كانت حياته سجنا فهي هروب منه وعليه، القراءة هي فرصة للهروب من الواقع إلى المجهول، سفر وهجرة رفقة شخصيات الروايات التي تأخذنا إلى أبعد نقطة ممكنة دون أن تتحرك أجسادنا خطوة. وهي إدمان، فحتى لو تخلّيت عنها لظروف ستنتظرك لتعود إليها حين تتحسن أو تسوء الأمور، كلٌّ حسب الحالات التي تجعله يفر إليها. وهي استرخاء وراحة واستمتاع وسكينة.

حين يرتقي المرء إلى رتبة قارئ تتولد في داخله رغبة جامحة لاقتناء الكتب وتصبح إدمانًا أقوى من عادة يسهل التخلي عنها. الكثير من المنشورات التي نشتريها غالبًا لا نقرأها مثل التي تحظى بدعاية إعلامية والتي ينتج عنها الكثير من القيل والقال في وسائل التواصل الاجتماعي والبيئات المثقفة. هذا النوع من الإشهار غير المباشر يدفع القارئ لشرائها دون الحاجة لها وقليلًا ما تعجبه لأنه في الأصل يعرف ما يريد أن يقرأ.

المثقفون والأساتذة والطلاب أصحاب الرغبة في التطور الفكري يشترون الكثير من الكتب للونها الجذاب ولعناوينها المثيرة ولإمكانية الحاجة لها في المستقبل لأن صديقًا ما نصح بها ولأنها تتناول مواضيع أبحاثهم وفي النهاية لا ينهون قراءتها أو لا تفتح أصلًا. وهي تزين رفوف مكتباتهم لا أكثر.

الكتب التي نقرأها هي تلك التي تندفع أرواحنا إليها والتي تثير انتباهنا والتي تشبهنا وأحببناها من أول صفحة. تلك التي نشعر بالرغبة في إنهائها في أقرب وقت ممكن.

صرّحت منذ فترة للصديق الصحفي ماجيد صراح في صحيفة “الشروق أونلاين” وهو يتناول ريبورتاجا عن مكتبة العالم الثالث بالجزائر العاصمة “من لا يقرأ لم يجد فقط ما يجذبه للقراءة، لذلك يكفي أن تضعه بين آلاف الكتب والعناوين ومئات المواضيع، ينظر يمينًا ويسارًا حتى يقول لك “يجب أن أقرأ هذا! هذا الكتاب مهم”، هكذا نقع في حب الكتاب للوهلة الأولى وحدنا بالكتاب الأقرب إلى شخصيتنا وبعد قراءته الأول نبحث عن الثاني وهكذا حتى نصبح قارئًا متميزًا في مجالنا. لا أحد يستطيع أن يقنعك بقراءة كتاب ما، فالكتب مثل الألبسة وكل شخص حسب ذوقه وحسب مقاسه. يجب أن تدخل المكتبة، ووسط كل تلك الرفوف المليئة ستجد كتابًا بمقاسك وذوقك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى