زوايا وأقلاممشاركات وكتابات

رحلة روحانية في ربوع المدينة المنورة

د. هيله البغدادي

إحساس وشعور مفعم بالسعادة والبهجة يغمر قلبي عند زيارتي لمدينة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وقد ظللت أنتظر هذه الزيارة الميمونة وأتلهف شوقًا لرؤية مسجد الرسول الذي فاض نوره على الجميع، ولقاء الأحبة الكرام من أهل المدينة وأعضاء مجموعة قضايا وطنية وخصوصًا سمو الأميرة الدكتورة الجوهرة بنت فهد، الإنسانة الرائعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، جوهرة الوطن، وبمعيتها الأخوة والأخوات الكرام الذين سعدنا بلقائكم، حيث كان  لقاء مباركًا حميدًا لنواصل مسيرة البناء والتطور في مملكة الخير والعطاء مملكة الإنسانية، فالمشاعر أكبر من أن توصف في كلمات محدودة، والألسن تعجز عن التعبير في مثل هذه المناسبة وإننا لنرفع أكف الضراعة والشكر لله عز وجل على ما منَّ به علينا بهذه المناسبة السعيدة.

لطالما انتظرنا بكل شوق هذه المناسبة وهذا اللقاء الذي حلت معه تباشير الفرح والسعد، حيث تزامن مع ذكرى البيعة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، أسال الله أن يمتعه بالصحة والعافية، وأن يحفظ لنا وطننا وطن الخير والعطاء والنماء في ظل قادة أوفياء نذروا أنفسهم لخدمة أرض الحرمين الشريفين الطاهرة.

لقد أتيت شوقًا لمعشوقتي طيبة، مدينة الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ كونها المدينة التي تلامس زوايا القلب وتفجر فيضًا من مشاعر الحب داخل أروقة الروح، ولربما أن الاشتياق والحنين قد بلغ أوجه في قلبي وروحي وإنى لا أرى سواها، ولا أتنفس إلا عشقها، وكيف لا وهي مدينة حبيبي خير خلق الله، هي فىّ مقيمة، وفي الطرقات عبق المسك كأنه رائحة الجنة؛ كنت أظن أن ينتج العشق بين الأشخاص، ولم أظن يومًا أن تذوب الأماكن في قلوب عاشقيها، وأن يبقى أثر المحبوب باقيًا إلى اليوم يزين طرقاتها وينير شوارعها، ويأسِر قلوب ساكنيها، فيأخذ المكان وجوده على أرض الواقع وينعكس وجدانيًّا في القلوب، ليتسع شوقي ملء السماء. يلفح وجهي هواؤها العليل فتشرق الشمس من جديد لتضيء القبة الخضراء فيخضر كل ما حولها، وتنبثق معه سكينة تُشعِر الناس بجنان الخلد،  وأنا أحس يسرى في دمي سكونها وروعتها، يغلق عقلي عن كل ملاذ الدنيا، عن كل شذرات يومي، وحتى عن خططي  المستقبلية، يبتهج وجهي عند لمح اللوحة المكتوب عليها “إلى المسجد النبوي” كأنه يعرف حق اليقين مصدر الابتهاج دونا عني، يعي وجهته الذي فطرها الله، ويرسم ابتسامة لم تكن في الحسبان.

في المدينة يتسق كل شيء مع ذاته ومع ما حوله، فيعانق أُحُدا السماء، ويحتضن طيبة حضن المحبين، ويرفرف النخيل معلنًا بدء عهدٍ جديدٍ، عهد أحباء الحبيب الذي كان يشتاق إليهم، ويتسق حمام المدينة -الذي أخذ شهرة عالمية- مع قبب المساجد التي اتخذ منها بيوتا له، فيزيد الألفة ألفة ويزيد معها الاطمئنان؛ فيشع النور بها ومنها وفيها، يمتزج مع ما حوله، فيرسم لوحة نادرة الوجود، فتبقى “منورة” ومن سكنها عدى حدود الألفة، إلى الحب والعشق، عندما أدخل ساحات المسجد النبوي، وكأنها ساحات من الطيبة والإجلال غمر ذاتي التي انغمست في حب المكان وحب النبي وصحابته، حب أُحُد، وقباء، ووداي العقيق، والمسجد النبوي، حب الشوارع والنخيل، حب السكينة والدفء، حب الرفقة والأنس، وحب من يحبهم.

تحب أهل المدينة، لأنه إنْ رُمْتَ أن تلقى المروءة والأدبْ فستجده لدى أهل المدينة، أهل السماحةِ، والأمانةِ، مَنْ يكرمون الضيفَ قبل نزوله، ويُؤمنون نزيلهم عند الطلب، مَنْ يفهمون من العيون مُرادَ مَن بغى النوالَ، يغدقون بلا عَتَبْ، مَنْ ينصرون ضعيفهم، ويحاسبون كل من خان العدالةَ، مَنْ يعشقون دينهم ونبيهم، ويحافظون على الفضائل والأدبْ، مَنْ يأخذون العلم عن أربابه؛ فانزل المدينة المنورة، واسأل عن أهلها، أهل الشهامة والكرم.

ونجد الشيخ الكريم محمد منور البدراني يستضيف زوار المدينة ويبالغ في إكرامهم، كما يساهم الجميع في تقديم العروض والفلكورات الشعبية والعادات التراثية التي تميزت بها طيبة، لقد أمضينا ليلة جميلة وأوقات طابت بلقاء الأحبة تجلى بها كرم الضيافة وحسن الاستقبال وحفاوة الترحيب وجمال أهل المدينة. وفي اليوم الثاني قام فريق السعادة بتعزيز روح السعادة والإيجابية مما أسهم في تعزيز أواصر التعاون والثقة بيننا وترسيخ النواحي الإيجابية في علاقاتنا، حيث حرص فريق السعادة على إرساء مفاهيم السعادة في نفوسنا وذلك من خلال تنسيق رحلات رائعة، وخدمات راقية تساهم في تحسين مستوى المشاركة الاجتماعية في أنشطة المجتمع وفعاليتها ورفع نسبة السعادة لدى الجميع. كما أن هذه الخدمات الرائعة، ساهمت في تعزيز روح المحبة لدى الجميع، مما جلب السعادة لأنفسنا وللآخرين.

لذلك حرص فريق السعادة على استحضار أفضل المعاني التي تساعد الزوار على إعادة بلورة مسار حياتهم وضبطها على بوصلة السعادة من خلال ما قدموه من أعمال تعبر عن كيفية تحقيق السعادة في الحياة، فشكرًا لهم جميعًا من الأعماق، هذا الفريق الذي كان برئاسة الأستاذة سعدة الصاعدي فجزاهم الله خيرا وأسعدهم كما أسعدونا.

وقد ختمنا رحلتنا بمسك، حيث قمنا بزيارة متحف السيرة النبوية؛ إنه عملٌ عظيم يستحق الشكر، وجهد يستحق التقدير، وقد سُررت برؤيته، وهو من أعظم الأعمال الحضارية التي تتحدث عن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم.

لقدْ تملكتني الدهشة، وغمرتني البهجة، وشدني الإعجاب المقرون بالذهول والانبهار لهذا الفتح العظيم، والأفكار المبدعة، والمواهب الخلاقة، إنه عملٌ إبداعي يجسد حياة النبي صلى الله عليه وسلم بكل تفاصيلها.

فمتحف السيرة النبوية متحفٌ حضاري إنساني يسهم بشكل فعال في تقديم الصورة الحقيقية للإسلام، والتعريف بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بطريقة علمية وآمنة.

وهو معرضٌ أصيل في محتواه، مدهش في أساليب عرضه التفاعلية التي تمزج بين مختلف الحواس، ليشكل تجربة فريدة لزواره حول العالم. لقد رأيتُ معرضًا في سعة الكون بما يحتويه من معلومات وفيرة، اختصرها وأحسن في تناولها وعرضها، فهو يُعنى بالتعريف الحضاري الشامل بالنبي ﷺ، وآدابه الكريمة، وأخلاقه العظيمة، وشريعته السّمِحَة، بمنهجٍ علمي متميز، وتأصيل بحثي محكم، وتجديدٍ تقني فريد، وعرض إبداعي مبتكر، عبر أحدث الوسائل والتقنيات، فهو عملٌ عظيم مُشرّف، وجهد كبير ينطلق من رحاب مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ليشرق بأنواره إلى أنحاء الدنيا، إنه إرثٌ تاريخي عظيم، ينشر المنهاج النبوي القويم، ويبين سماحة ديننا الحنيف ووسطيته للعالمين، ويعد امتدادًا لجهود المملكة العربية السعودية في خدمة الإسلام والمسلمين حول العالم.

فشكرًا لكم أحبتي أهل المدينة، فحبكم وحب طيبة خالدًا في القلب، تبقى طيبة، منبع كل جمال يكمن في الكون.

بقلم/ د. هيله البغدادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88