متى نرى الهلال واحدًا حتى يأتي النصر ؟!
( لا نرى على أية حال خداعاً غبياً بادعاء هبوط نار سماوية، إنّنا لا نرى في مكة شيئاً مسرحياً مصطنعاً ؛ بل كلّ شيء هنا بسيط ومؤثّر ويملأ العقل بخشية ﷲ ) ، كذا علّق الرحالة المستشرق الإيرلندي رتشارد بيرتون الذي هداه ﷲ للإسلام حينما أخذ يقارن بين مناسك الإسلام ومناسك الديانات الأخرى، وذلك بعد زيارته لمكة عام ١٢٦٩هـ. ، فالحجّ رسالة توحيد،وولادة من جديد، اجتماعه سنويّ يختلف عن أي اجتماعٍ في العالم، ليس له من مقاصد الدنيا نصيبٌ، اجتماع على كثرة حشوده؛ لا يدور للمكيدة، ولا يسعى للمخيلة، له هيبة في القلوب، وإجلالٌ في النفوس، ونضارةٌ في الوجوه، فالأكفّ ترتفع فيـه إلى السماء، والألسن تتضرّع فيه بالدعاء، منظرٌ مهيب بديع، في جمْعٍ ذي مقامٍ رفيع، فكأنّ مسيل الحشد حين يجول بين المشاعر نهرٌ تتدفّق سقياهُ بالخير، يلبّي هنا، ويرمي هناك، ويكبّر هنا، ويهلّل هناك، نسأل الله لهم القبول ، فأقول:
لـبّى الحـجـيج فكـبّرت عرفاتُ
… وتزاحمت بسـمائها الدعـواتُ
ياربي شُعثاً قد أتوكَ وأغبروا
… فأفـض بعفوٍ ، نفحهٔ رحـماتُ
لا شيء ينقص هذا الاجتماع سوى ذلك الذي يقودها للنصر على أعدائها، بالكلمة والإعلام، وبسيف الحقّ وحجّة القرآن، لا بالمداهنة والشجب والاستنكار ومن ثم التبعية والتطبيع كما تلوّح به مؤتمرات الأدعياء، فالفرقان والسنة كافيان للظفر، وكبت جماح العدو واستذلاله، فطالما استُذلّت هذه الشعوبَ، وطالما قادتها إلى الهلكة باسم النُظم الأمميّة، وكأن المسلمين ليسوا من البشرية في شيء، أموالهم تُسلب، ودماؤهم تُسفك، وأعراضهم تُنتهك، وديارهم تُقصف، بل لم يقف الشرّ عنهم دون ذلك حتى أصبحت علاقتهم تُقطّع بسكاكين واهية ضعيفة لا تقوى على نحر أضحيتهم وهديهم، إنها سكاكين فارغة إلّا من التطبيل والكذب والأفك والعنصرية وهوية الجنسية، حتى كادوا أن يذروا رابطة الإيمان وحبل الله خلف ظهورهم، إنّ مثل هذا الاجتماع يرعب الأعداء في عروشها، فلذا يأملون المداولة فتكون سيادة الحجّ تارة لدولة وتارةً لأخرى لا تحت سيادة واحدة، وحاشا لبلادي أن ينتابها التقصير في هذا الشأن، وما هدف العدو من هذه المداولة إلّا ضرب هذا الاجتماع الذي ما يزال علامة فارقة لعودة الأمجاد كما يقول الأديب الكاتب أحمد حسن الزيات: ( إن في حجّ البيت، زمناً بعد زمن، إعلاء لشأن الملّة، وإغراء بأداء الفريضة، وسعياً لجمع الكلمة، وسبيلاً إلى عموم الوحدة. وإن البيت العتيق الذي انبثق منه النور، ونزل من سمائه الفرقان، وانتظم عليه الشمل؛ لا يزال مناراً للأمة، ومثاراً للهمة، ومشرق الأمل الباسم بالعصر الجديد والمستقبل السعيد )، لكن أين من ينقذ الأمّة من سباتها، فلن يعيد عزّها ويقودها إلّا صادقٌ كخالد، وربانيٌّ كابن تيمية، وقائدٌ كصلاح، فهذا الاجتماع قريبٌ من مرتبةِ الفلاح في الدنيا، وسيادة العالم كما فعل أسلافه، ولكن من يحول بينه ؟!.
ومن أشهر الأدبيات في الحجّ قصيدة أحمد شوقي إلى عرفات الله التي كتبها للخديوي عباس إذ قرّر الذهاب إلى الحج وقد طلب من شاعره وصديقه الذهاب معه وداعبه قائلًا : إنه سيركب حصانًا أصيلًا هدية منه إليه، ولم يملك أحمد شوقي الرفض، فصحب الموكب إلى صحراء العباسية، ومن هناك فرّ تاركًا الموكب قبل أن ينتبه الخديوي، وعاد أحمد شوقي إلى القاهرة وكتب القصيدة وأرسلها معتذرا إلى الخديوي، كان مطلعها :
إِلى عَرَفاتِ اللَهِ يا خَيرَ زائِرٍ
… عَلَـيكَ سَـلامُ اللَهِ في عَـرَفاتِ
وكأنّ الشاعر في قصيدته يرمز ويشير إلى ما أشرت إليه من النقص الذي ما زال محيطًا بالأمّة رغم هذا الاجتماع السنوي، حيث قال :
لَكَ الدينُ يا رَبَّ الحَجيجِ جَمَعتَهُم
… لِبَيـتٍ طَـهورِ الســاحِ وَالعَـرَصاتِ
أَرى الناسَ أَصنافاً وَمِن كُلِّ بُقعَةٍ
… إِلَيكَ اِنـتَهَـوا مِن غُــربَـةٍ وَشَـتـاتِ
تَساوَوا فَلا الأَنسابُ فيها تَفـاوُتٌ
… لَـدَيــكَ وَلا الأَقــــدارُ مُــخــتَـلِفــاتِ
عَنَـت لَكَ في التُربِ المُقَدَّسِ جَبهَةٌ
… يَـدينُ لَـها العاتـي مِنَ الجَـبَـهاتِ
شُعـوبُكَ في شَـرقِ البِلادِ وَغَربِها
… كَأَصحابِ كَهفٍ في عَميقِ سُباتِ
بِأَيمانِــهِم نـــورانِ ذِكـــرٌ وَسُــنَّـةٌ
… فَما بالُـهُم في حالِكِ الظُـلُماتِ ؟!
فالله واحد، والقرآن واحد، وخاتم الأنبياء واحد، والمكان واحد، والزمان واحد، ونوع اللباس واحد، ولون اللباس واحد، والقبلة واحدة، والإسلام لأهل هذا الاجتماع جنسية واحدة، فبالأمس اتفقوا على دخول هلال ذي الحجّة فلا رأي آخر يحدّد يوم بزوغه، فكان يوم السبت يوم عرفة يوم الوقفة الواحدة بهلالٍ واحدٍ متفِقين غير مختلفين، ما أروع هذا ! ، وما أبهى روحانيته !. فأقول :
دخل الهلالُ فكان أولَ طارق
… ملأ النفـوس مـهـابةً وجـلالا
فليت شعري ؛ متى يكون هلال رمضان واحداً كذلك لا هلالين لتكتمل الصورة بهاءً وعزّةً في عالمنا الإسلامي ؟!
ــ فاصلة منقوطة ؛
” الذي لا يدري جوهر الحج يعود من مكة بحقيبه ملأى بالهدايا و عقل فارغ ” علي شريعتي
———————————————
بقلم الأستاذ /
إبراهيم الوابل – أبو سليمان
ibrahim7370@
الاثنين – الموافق
٤ – ١٢ – ١٤٤٠هـ
٥ – ٨ – ٢٠١٩م
صحيح مناسك الحج توحد العرب والمسلمين وتجمعهم على لون واحد وعقيدة واحدة وقبلة واحدة وهدف واحد، لكن للأسف على الرغم من ذلك لا يوجد إلا الشتات هنا وهناك وأينما وليت وجهك.. تسلم يا أبا سليمان كما العادة تناول جيد للموضوع وبلغة عربية رصينة ومتماسكة وأسلوب ممتاز.
كلمااااااااات من ذهب..
روعه موضوع رائع ومميز
شكرآ جزيلا على الموضوع الرائع و المميز
لجهودكم باقات من الشكر والتقدير
متي نري الهلال واحدا حتي يأتي النصر عنوان جميل جدا
سلمت يداك
بارك الله لك
موضوع رائع
ممتاز
جهد مشكور
مقاله جيده
ما شاء الله
جهد عظيم
شئ جيد للغايه
كلام مؤثر
بارك الله فيك استاذي
شيء أكثر من رايع
قمه في الابداع والتميز
مقال ممتع وجذاب وشيق
ما شاء الله عليك حقا
احسنت استاذ قولا وفعلا رايع
الي الامام دائما ومتلق دايما
لشريعة الحج لما لغيرها من الشرائع مقاصد كبرى أبرزها توحيد الأمة الإسلامية وضبط تماسكها وتواددها وصبرها وجلدها.. أشكرك
شئ جيد للغاية
الشكر لصحيفة هتون بالتوفيق ان شاء الله
جيد جدا بالتوفيق ان شاء الله
سلمت يداك بالتوفيق ان شاء الله
بارك الله فيك
الشكر لهذه الصحيفه
مقال مميز
موضوع قيم جدا بالتوفيق
موضوع يستحق القراءة
سلمت يداك أستاذ إبراهيم.
طرح رائع
أحسنت أستاذنا.
مقال مميز جدا.
متى تتوحد رؤية الهلال فنكون يدًا واحدة عليا؟!
أبدعت.
سلمت يداك..
ممتاز
أعادني المقال إلى ذكريات طفولتي المبكرة عندما كان حلمي أن نكون صفا واحدًا قبل أن تلهينا الدنيا بتقلباتها.
رائع جدا
وللأسف حتى هلال ذي الحجة خالفتنا فيه سلطنة عمان..
لـبّى الحـجـيج فكـبّرت عرفاتُ
… وتزاحمت بسـمائها الدعـواتُ
ياربي شُعثاً قد أتوكَ وأغبروا
… فأفـض بعفوٍ ، نفحهٔ رحـماتُ
بارك الله في قلمك أستاذنا.
الذي لا يدري جوهر الحج يعود من مكة بحقيبه ملأى بالهدايا و عقل فارغ..
صدق وصدقتم.
موفق دائمًا.
جهد مشكور
جهد مشكور
” الذي لا يدري جوهر الحج يعود من مكة بحقيبه ملأى بالهدايا و عقل فارغ ” علي شريعتي
بارك الله فيك
من يعذر شعائر الله فإنها من تقوى القلوب
ينبغي تثقيف الحجاج
جزاكم الله خيرا
اختيار موفق واقتباس أروع..الذي لا يدري جوهر الحج يعود من مكة بحقيبه ملأى بالهدايا و عقل فارغ