الجهل أصل في الإنسان
ربما يدرك الإنسان مساحة عِلمه ويغتر به ويتفاخر بما لديه من شهادات حتى يقال عنه أنه ضليع في ذلك العلم، ولكنه لو أدرك مساحة جهله لاستصغر علمه؛ فالإنسان يكون متوقد الذهن حاضر العقل في حدود ما يعلم ويدرك، ولا يفكر في حجم الجهل الذي يحيط به من كل جانب، فالله سبحانه وتعالى يُعطي الإنسان القليل من العلم (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)، يُعطيه -سبحانه وتعالى- في حدود ما يطيقه ويستوعبه عقله ويعيه قلبه، ويغيّب عنه الكثير والكثير من علوم أخرى.
موسى -عليه السلام- حدثته نفسه أنه أعلم من في الأرض؛ فبيّن له الله -سبحانه وتعالى- أن هناك من العباد من هو أعلم منه؛ فالجهل أصل في الإنسان وليس حالة طارئة. قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
الإنسان غالبا يفكر فيما يعلمه ويدركه ولا يفكر في المجهول أو فيما يجهل.! لأن التفكر وإعمال العقل للوصول إلى معرفة أو فكرة ما يتطلب جهدًا خاصًّا وتركيزًا فى التفكير والتأمل والتدبر والتحليل والاستنباط، والإنسان بطبيعته عجول لا يرتاح لمثل هذه الأمور ويحتاج إلى بيّن يرفع عنه عناء التفكير، فلو افترضنا أن شخصًا كان يمشي في ليل حالك الظلام، “إذا أخرج يده لم يكد يراها” ويحمل بيده مصباح أو كشاف فإنه لا يرى ولا يستطيع السير إلا في حدود ذلك الضوء المنبعث من ذلك الجهاز الصغير الذي يحمله، وكل ما يحيط به ظلام في ظلام، فالنور اليسير هنا بمثابة العلم، وهذا النور الذي معه لا يساوي شيئًا من مساحة الظلام المحاط به وبالكون، أما الظلام فهو بمثابة الجهل الذي لا حدود له، فعِلم الإنسان لا يساوي قطرة من بحر جهله، ولو أدرك مساحة علمه القليل لربما خجل من نفسه، ومع ذلك قد يصيبه شيء من الكِبر والغرور والاستعلاء، وهنا يأتي دور التواضع لأهل العلم، فلا يتواضع إلا عالم، ولا يستكبر ويستعلي إلا جاهل. قال تعالى {… يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ …}.
بقلم الأستاذ/ محمد الجلمود الغامدي
