شخصية ذات بصمة

ابن حزم الأندلسي

مولده ونشأته

هو علي بن حزم الأندلسي: العالم الفقيه، والشاعر اللبيب، صاحب المذهب الظاهري، موسوعي العلوم، أكثر علماء الإسلام تأليفًا بعد «الطبري»، ومن أكبر علماء الأندلس. إمام حافظ، شافعي الفقه، انتقل منه إلى الظاهرية، له ردود كثيرة على الشيعة واليهود والنصارى وعلى الصوفية والخوارج.

 ولد في قرطبة عام ٣٨٤ﻫ، ونشأ بصحبة أخيه الذي يكبره بخمس سنوات، في قصر أبيه الذي كان أحد وزراء «المنصور»، وكان أبوه يحظى بمكانة كبيرة لدى الخليفة، حتى إنه أسكنه بجواره، وكان جده «خلف بن معدان» هو أول من دخل الأندلس في صحبة ملكها «عبد الرحمن الداخل».

حياته العلمية والعملية

بالنسبة لحياة ابن حزم العلميّة فقد ترعرع منذ نعومة أظافره في قصور الأمراء، والوزراء، وتعلَّم فقه الحياة، وأسرار الشريعة، والحديث، والأدب، والتاريخ، والفلسفة على يد كبار الشيوخ، والعلماء في عَصره، أمثال: أبي علي الحسين بن علي الفاسي، وعبدالله بن يوسف الرهوني.

ومن الجدير بالذكر أنّ ما تلقّاه ابن حزم من عِلم جَعَله فقيه الإسلام، وشيخ العلماء، وقد كرّس نفسه للتأليف، وتدريس طلّاب العلم، ومنهم: الحميدي، وعلي بن سعيد العبدري، ويعقوب بن علي بن حزم.

 أما الحياة العملية فقد ولي وزارة للمرتضى في «بلنسية»، ولما هزم وقع «ابن حزم» في الأسر وكان ذلك في أواسط سنة ٤٠٩ﻫ، ثم أطلق سراحه من الأسر، فعاد إلى «قرطبة»، وولي الوزارة لصديقه «عبد الرحمن المستظهر» في رمضان سنة ٤١٢ﻫ، ولم يبقَ في هذا المنصب أكثر من شهر ونصف، فقد قُتل المستظهر في ذي الحجة من السنة نفسها، وسجن «ابن حزم»، ثم عُفي عنه، ثُم تولى الوزارة أيام «هشام المعتد» فيما بين سنتي ٤١٨ﻫ ، ٤٢٢ﻫ.

 وأصَّل ما يعرف عادة ﺑ «المذهب الظاهري»؛ وهو مذهب يرفض القياس الفقهي الذي يعتمده الفقه الإسلامي التقليدي، وينادي بوجوب وجود دليل شرعي واضح من القرآن أو من السنة لتثبيت حكم ما، وكان ينادي بالتمسك بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة ورفض ما عدا ذلك في دين الله، ولا يقبل القياس والاستحسان والمصالح المرسلة التي يعتبرها محض الظن، والكثير من الباحثين يشيرون إلى أنه كان صاحب مشروع كامل لإعادة تأسيس الفكر الإسلامي من فقه وأصول فقه.

صفات ابن حزم

اتَّصَفَ ابن حزم بطِيب الأصل، وعُلوّ الهمّة، كما أنّه كان مُستقِلَّ الموقف، وذكيّاً ذا مقدرة عقليّة كبيرة، وذاكرة قويّة، كما أنّه كان مُتَّزِن العاطفة، وشديد الاعتدال، وضابطاً لانفعالاته، وتصرُّفاته، وسريع البديهة، ومُستقيم الرأس، وسليم الفكرة، وبريء الساحة، وعفيف النفس. وبالإضافة إلى ذلك، كان ابن حزم صاحب مقدرة استدلاليّة هائلة، ودقّة في الملاحظة، واستقلال تامٍّ في التفكير، إلّا أنّه من ناحية أخرى كان عنيفاً، وحادَّ المزاج.

جرأته وخصومه

كان ابن القيم شديد التتبع لآثار وكتب ابن حزم، وكان يصفه بمنجنيق العرب أو بمنجنيق الغرب وكانت الناس تضرب المثل في لسان ابن حزم، فقيل عنه: «سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقان»، فلقد كان ابن حزم يبسط لسانه في علماء الأمة وخاصة خلال مناظراته مع المالكية في الأندلس، وهذه الحدة أورثت نفورًا في قلوب كثير من العلماء عن ابن حزم وعلمه ومؤلفاته وكثر أعداؤه في الأندلس.

 

تعرضه لفقهاء عصره الجاحدين المنتفعين من مناصبهم، مكن هؤلاء أن يؤلبوا عليه المعتضد بن عباد أمير اشبيلية، فاصدر قراراً بهدم دوره ومصادرة أمواله وحرق كتبه، وفرض عليه ألاّ يغادر بلدة أجداده منت ليشم من ناحية لبلة، وألا يفتي أحد بمذهب مالك أو غيره، كما توعد من يدخل إليه بالعقوبة، وهناك توفي سنة 1064م، ولما فعلوا ذلك بكتبه تألم كثيراً فقال وقد حُرِّقت مؤلفاته

مؤلفاته

الفصل في الملل والنحل، المحلى، طوق الحمامة، النبذ في أصو، الفقه الظاهري، الإحكام في أصول الأحكام، مداواة النفوس، التلخيص لوجوه التخليص، الرسالة الباهرة.

وفاته

ترتبط بمصنفات ابن حزم حادثة خطيرة طالما تكررت بالأندلس كلما ضاق أهلها بأحد ممن يخالفهم من العلماء، وهي إحراق كتبه علانية بإشبيلية، بيد أنها لم تفقد من جراء ذلك، فقد كان له جماعة من تلاميذه النجباء الذين قدروا فكره وحافظوا على كتبه التي كانوا يمتلكونها بنسخها ونشرها بين الناس، ولذا فعندما أحصاها ابن مرزوق اليحصبى وهو من المتأخرىن وجدها ثمانين ألف ورقة، وهو نفس إحصاء أبي رافع الفضل في القرن الخامس الهجري /الحادي عشر الميلادى، ويمكن أن نرجع أسباب هذه الحادثة في الآتى :-

 

أولا : ثقة ابن حزم بنفسه عند منازلة كبار فقهاء المالكية، وعدم تردده في تسفيه آراءهم طالما خالفت ما يراه حقاً.

ثانيا: تنديده بولاية خلف الحصرى للخلافة بإشبيلية، ومبايعته على أنه هشام المؤيد سنة 325هـ/1033م في عهد محمد بن إسماعيل القاضى والد المعتضد بن عباد [42]، فعندما حل بإشبيلية أوقع به المعتضد أشد إيقاع لما صدر منه من إثارة الناس حول محمد بن إسماعيل رأس الاسرة العبادية.

ثالثا: معارضة فقهاء المالكية له وسعيهم لدى السلطان للإيقاع به وإثارة العامة ضده [43]، ومن ثم التقت أغراضهم مع ما كان يرمى إليه المعتضد، فكانت واقعة إحراق كتبه على مسمع ومرأى من الناس.

رابعا: نزعة ابن حزم الأموية ودعوته لإعادة حكم الأمويين في الوقت الذي قطع فيه معظم ملوك الطوائف كل صلة بالأموية الأندلسية، وحاول كل واحد منهم أن يحقق استقلالا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، خاصة المعتضد الذي ما وافق على خدعة أبيه بعد وفاته بمبايعة خلف الحصرى بإشبيلية على أنه هشام المؤيد إلا ليصبغ الشرعية على محاولته الاستقلالية، وليرضى أصحاب النزعات الأموية بإمارته. فلما تحقق له ذلك أعلن وفاة الخليفة المزعوم.

خامسا: أن ابن حزم لم يكن ينظر إلى أمراء عصره ومنهم المعتضد نظرة إكبار فهو وزير ابن وزير، وما كان له أن ينظر إليهم أكثر من نظرته إلى من دونه أو من ليسوا أكبر منه، وهم يأنفون من ذلك الأمر الذي دفع المعتضد إلى تدبير مؤامرة تجعله ذليلا لا يشمخ براسه عليه ولا على غيره هي إحراق كتبه.

وبالرغم من هذه المؤامرة التي ألمت بابن حزم فلم يتحقق للمعتضد ما كان يصبو إليه من كسر كبريائه وإذلاله، بل ظل الرجل يشمخ بمكانته وعلمه وعقله هنا وهناك دون ضعف ولا ذلة، لكنه آثر السلامة وغادر إشبيلية إلى قريته منت ليشم التي كان يمتلكها ويتردد عليها، وظل بها يمارس التصنيف والتدريس حتى وافته المنية عشية يوم الأحد 28 شعبان 456هـ/15 يوليو 1063م [44]، وليس كما ذهب البعض من أن وفاته كانت سنة 457هـ/1064م، ولا 455هـ/1063م ، لأن أبا رافع ولد ابن حزم هو الذي كتب التاريخ الذي ذكرناه، وهو الأعلم من أي أحد بتاريخ وفاة والده، فضلا عن أن معظم من ترجم لابن حزم ذكروا سنة وفاته كما ذكرها ابنه الفضل. كان ابن حزم قد رثى نفسه قبل وفاته بقليل في أبيات شعرية كأنه أحس بدنو أجله قائلا :[47]

كأنك بالزوار لى قد تبادروا       وقيل لهم أودى على بن أحمد

فيارب محزون هناك وضاحك           وكم أدمع تزرى وخد محدد

عفا الله عنى يوم أرحل ظاعنا           عن الأهل محمولا إلى ضيق ملحد

وأترك ما قد كنت مغتبطا به            وألقى الذي آنست منه بمرصد

فواراحتى إن كان زادى مقدما          ويانصبى إن كنت لم أتزود

ماذا قال عنه مؤيدوه ومعارضوه؟

لقد اشتهر ابن حزم الظاهري بين أهل العلم لعظمة مؤلفاته وكثرتها وأهميتها، فكان قامة علمية فكرية أدبية رفيعة، جعلت منه واحدًا من أعظم المفكرين في التاريخ الإسلامي، وفيما يأتي بعض أقوال وآراء العلماء في ابن حزم: من مؤيديه، الحميدي الذي قال عنه: “ابن حزم الأندلسي كان حافظا عالما بعلوم الحديث وفقهه مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة متفننا في علوم جمة، عاملا، بعلمه زاهدا في الدنيا بعد الرئاسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الممالك، متواضعا ذا فضائل جمة وتواليف كثيرة. وقال أبو حامد الغزالي: “وجدتُ في أسماء الله الحسنى كتابًا لأبي محمد بن حزم يدلُّ على عظم حفظه وسيلان ذهنه”. وقال ابن خلكان: “كانَ حافظا عالمًا بعلوم الحديث، مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب، فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر وكان متفننا في علوم جمة، عاملا بعلمه، زاهدا في الدنيا”. وقال العز بن عبد السلام: “ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى لابن حزم والمغنى لابن قدامة”. وقال جلال الدين السيوطي: “كان صاحب فنون وورع وزهد وإليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم، أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم مع توسعه في علوم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار”. وقال جلال الدين السيوطي: ”كان صاحب فنون وورع وزهد وإليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم مع توسعه في علوم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار “. وقال الإمام الذهبي: “الإمام الأوحد، البحر، ذو الفنون والمعارف(…) الفقيه الحافظ، المتكلم، الأديب، الوزير الظاهري، صاحب التصانيف”. وقال عنه الفيروز آبادي: “إمام في الفنون وزير هو بعد أبيه للمظفر وترك الوزارة وأقبل على التصنيف ونشر العلم ومن تصانيفه كتاب التقريب في بيان حدود الكلام وكيفية إقامة البرهان في كل ما يحتاج إليه”. وقال عنه ابن كثير:”قرأ القرآن واشتغل بالعلوم النافعة الشرعية وبرز فيها وفاق أهل زمانه وصنف الكتب المشهورة”. وقال عنه ابن العماد الحنبلي: “كان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل والعربية والآداب والمنطق والشعر مع الصدق والديانة والحشمة والسؤدد والرياسة والثروة وكثرة الكتب”. وقال ابن بشكوال: “في حقه كان أبو محمد أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة بالسير والأخبار “. ومن معارضية ومنتقديه، قال ابن تيمية منتقدًا ابن حزم: “وإن كان أبو محمد بن حزم في مسائل الإيمان والقدر أقوم من غيره وأعلم بالحديث وأكثر تعظيمًا له ولأهله من غيره، لكن قد خالط من أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات ما صرفه عن موافقة أهل الحديث في معاني مذهبهم في ذلك، فوافق هؤلاء في اللفظ وهؤلاء في المعنى”. وقال أبو بكر بن العربي “وجدت القول بالظاهر قد ملأ به المغربَ سخيفٌ كان من بادية إشبيلية يعرف بابن حزم، نشأ وتعلق بمذهب الشافعي، ثم انتسب إلى داود، ثم خلع الكل، واستقل بنفسه، وزعم أنه إمام الأمة يضع ويرفع، ويحكم ويشرع، ينسب إلى دين الله ما ليس فيه”.

اقرأ المزيد من صحيفة هتون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88