إسبوعية ومخصصةزوايا وأقلام

النحل.. وحكمة شيخ وعبرة

خالد بركات

سيبقى الخيرون دائمًا حاضرون .. تفوح مآثرهم في القلوب زهورًا

راقت لي.. بروعتها ونقاوتها وصدقها:

كان الشيخ المرحوم أبو علي مهنا بهاء الدين هو شيخ خلوات البياضة، منطقة حاصبيا في جنوب لبنان، رجل دين ودنيا، شيخ جليل تقي ديان، فبالإضافة إلى تقواه، وسداد رأيه، كان يحيط بالأمور الحياتية وتبقى كلمته القول هي: الفصل في الأمور الدنيوية.

القصة يرويها سلام الراسي: في أيام شبابي كنت أتعاطى تربية النحل، وكنت ألتقي والشيخ أبو علي مهنا بهاء الدين حول هذا الموضوع.. وفي إحدى المجالسات أراد أن يمتحنني الشيخ بسؤالين، فقال: النحلة إذا لدغت إنسانًا ماتت في الحال، وإذا مسّ جناحها العسل علق به فلا تستطيع أن تفلت منه، ولا تلبث أن تموت.

فما حكمة الله في هذا الشأن؟

وإذا كان الشيخ الجليل أبو علي يفترض أنني مع واسع علمي بتربية النحل، كنت أجهل حكمة الله في خصائص مخلوقاته،

ثم قال: النحلة لا تلدغ إلا دفاعًا عن قفيرها، فتموت في الحال شهيدة وطنها.

فلو سمحت لها العناية الإلهية أن تلدغ وتبقى حية، لكان بإمكان قفير من النحل أن يهزم أكبر جيش من الرجال.

لذلك جعل الله موت النحلة رادعًا لها، فلا تعتدي إلا على من اعتدى على قفيرها.. ثم أضاف الشيخ أبو علي، لما كان العسل مادة شريفة طاهرة (فيه شفاء للناس) بإرادة الله تعالى، ويجب أن يصان، فلا يمسه حتى جناح النحلة التي جنته، فقد يكون جناحها ملوثًا والعسل يجب أن يكون طاهرًا، لذلك تحاذر كثيرًا النحلة أن يمس جناحها العسل، لئلا تعلق به فتموت، وهذه حكمة إلهية سامية في دقة عملها.

ثم امتحنني بسؤال قال: هل تعلم أن العسل الصافي إذا خزنته في وعاء نظيف لا يفسد مهما طال عليه الزمن، ولماذا؟

قلت: العلم عند الله وعند الشيخ أبو علي.

قال: لأن العسل مال حلال والحلال يدوم فالنحلة تجني العسل بتعبها، ولا تؤذي الأزهار التي تعانقها، بالعكس فإنها تنقل اللقاح من زهرة إلى زهرة، فتنفع بمقدار ما تنتفع فيكون العسل مالًا حلالًا، والمال الحلال يبقى والحرام يزول.

وعندما نهض الشيخ أبو علي مودعًا، أوصاني أن أكون مثل النحلة؛ أنفع بمقدار ما أنتفع، فيكون مالي مثل العسل حلالًا زلالًا فلا يفسد!

حقًّا.. إن الله يضع سرّه في أضعف مخلوقاته، لتكون لنا عبرة لمن يعتبر. مخلوق صغير يعلمنا الطهارة في صنعته بصنع العسل، ويعلمنا عدم الأذى لأحد ما لم يُعتدَ عليه وعلى وطنه وقفيره، ويعلمنا الحلال في رزقه.

اللهم اجعلنا كالنحل لا نؤذي أحدًا، وارزقنا الحلال بخير وبركة وعافية ورضا وسعادة وراحة البال.

بقلم/ أ. خالد بركات 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Link partner: gaspol168 sky77 koko303 zeus138 luxury111 bos88 bro138 batman138 luxury333 roma77 ligaciputra qqnusa qqmacan gas138 bola88 indobet slot5000 ligaplay88